اندلعت مجدداً اشتباكات دامية بين فصائل سورية معارضة، منضوية تحت جناح "الجيش الوطني" في شمالي البلاد، وسط تزايد الانتقادات لأدائه، خصوصاً بعدما كان يُعوّل عليه في فرض سلطة القانون في المناطق التي تقع تحت سيطرته. إلا أن الوقائع تشير إلى أن هذه المناطق تقع تحت وطأة انتهاكات وخلافات فصائلية، تنعكس سلباً على حياة المدنيين.
وتفجرت مساء أول من أمس الأحد، اشتباكات في منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي، بين فصيلي "أحرار الشرقية" (الفرقة 15) و"الفرقة التاسعة - قوات خاصة" التابعين لـ"الفيلق الأول" في "الجيش الوطني" السوري المعارض، ما دفع قوات خاصة من "غرفة القيادة الموحدة - عزم" إلى فضّ الاشتباك. ووفق مصادر محلية، فإن السبب الرئيسي وراء هذه الاشتباكات، هو اعتداء لعناصر "الفرقة التاسعة" بالضرب على أحد عناصر "الشرقية"، بينما أشارت مصادر أخرى إلى أن عناصر من فصيل "أحرار الشرقية" اعتدوا بالضرب على قيادي في "التاسعة".
اندلعت اشتباكات أخيراً في منطقة عفرين بين "أحرار الشرقية" و"الفرقة التاسعة"
وهذه ليست المرة الأولى التي يكون فيها فصيل "أحرار الشرقية" طرفاً في نزاعات واشتباكات مع فصائل أخرى في كلّ المناطق التي يسيطر عليها "الجيش الوطني"، سواء في شرقي الفرات أو غربه، وخصوصاً في منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون" (نسبة إلى العمليتين التركيتين العسكريتين اللتين أطلقتا في المنطقة). وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد فرضت أواخر شهر يوليو/تموز الماضي، عقوبات على هذا الفصيل، وعلى قياديَين فيه، هما أحمد إحسان فياض الحايس، المعروف باسم "أبو حاتم شقرا"، ورائد جاسم الحايس، المعروف باسم "أبو جعفر شقرا"، وهو ابن عم الأول. واتهمت الخزانة الأميركية "أحرار الشرقية" بارتكاب جرائم عديدة ضد المدنيين، لا سيما ضد الأكراد السوريين، في شمال شرقي سورية، تشمل "عمليات قتل خارج نطاق القانون وخطف وتعذيب ومصادرة ممتلكات خاصة".
ويسيطر "الجيش الوطني" السوري على منطقة "درع الفرات" في ريفي حلب الشمالي والشمالي الشرقي، والتي تضم العديد من المدن والبلدات، أبرزها الباب وجرابلس ومارع. كما ينتشر في مدينة أعزاز في ريف حلب الشمالي، التي تحتضن العديد من مؤسسات المعارضة السورية، وعلى منطقة "غصن الزيتون" التي تضم منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية من السكان، فضلاً عن كونها تحتضن عشرات الآلاف من النازحين والمهجرين. وفي شرقي نهر الفرات، يسيطر "الجيش الوطني" المعارض على شريط حدودي بطول 100 كيلومتر، وبعمق 33 كيلومتراً، وهو ما بات يُعرف بـ"منطقة نبع السلام".
وحاولت المعارضة السورية بدفع إقليمي، إنهاء الحالة الفصائلية التي استشرت في المشهد العسكري من خلال تشكيل جيش وطني واحد، يضم كل الفصائل المحسوبة على المعارضة السورية في شمالي البلاد. وأعلن عن تشكيل "الجيش الوطني" في ديسمبر/ كانون الأول 2017، من "الحكومة المؤقتة"، التابعة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية. ويقود هذا الجيش وزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة سليم إدريس، ويضم فيالق عدة، يضم كل واحد منها العديد من الألوية، أُتبعت بها شرطة عسكرية. وفي أواخر عام 2019، انضمت "الجبهة الوطنية للتحرير"، التي تضم فصائل الشمال الغربي من سورية، إلى "الجيش الوطني"، الذي بات عدد مقاتليه بعد الاندماج نحو 80 ألف مقاتل، وفق مصادر في المعارضة السورية. ومنذ تأسيسه، شارك الجيش الوطني في عمليتين مع الجيش التركي، الأولى مطلع عام 2018 ضد الوحدات الكردية في منطقة عفرين انتهت بانسحاب الأخيرة من هذه المنطقة التي باتت من أهم مراكز النفوذ لـ"الجيش الوطني"، والثانية أواخر 2019، حيث ساندت هذه الفصائل الجيش التركي في عملية "نبع السلام" ضد "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) التي اضطرت للانسحاب من مدينتي تل أبيض ورأس العين وريفهما.
ويأخذ الشارع السوري المعارض على "الجيش الوطني" عدم قدرته على ضبط الوضع الأمني في مناطق سيطرته، حيث لم يلجم المجموعات المنفلتة التي تمارس انتهاكات بحق المدنيين، وتحاول تعميم الفوضى الأمنية. كما لم يستطع حماية مناطقه، حيث لم تنقطع عمليات التفجير بالسيارات المفخخة في عموم الشمال السوري، والتي حصدت أرواح المئات من المدنيين. كما لم ينهِ "الجيش الوطني" الحالة الفصائلية، حيث لا تزال الفصائل تحتفظ بقيادييها وتسعى إلى تحقيق أهداف، ربما لا تتقاطع مع الأهداف المعلنة لـ"الجيش الوطني"، الذي تبدو قيادته عاجزة اليوم عن وضع حد لانفلات بعض الفصائل التي تدخل بصدامات دامية بين بعضها في شرقي الفرات وغربه.
اتهمت الخزانة الأميركية "أحرار الشرقية" بارتكاب جرائم عدة ضد المدنيين
وعن أسباب عدم انتهاء الحالة الفصائلية في المعارضة السورية المسلحة، رأى القيادي في "الجيش الوطني"، مصطفى سيجري، أن الأمر "يحتاج إلى جهد من قبل المؤسسة، وكذلك إلى إرادة حقيقية من قبل الفصائل والجهات الداعمة". واعتبر أن الحالة الفصائلية "حالة طبيعية باعتبار أن المعركة مستمرة ولم تستقر المنطقة بعد"، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "بناء المؤسسة العسكرية ومأسسة الفصائل يحتاجان إلى جهد كبير وفترة زمنية، وكذلك إلى رؤية وخطة عمل وخريطة طريق".
وأشار سيجري في حديثه، إلى ضرورة "أن تكون هناك تطمينات عملية لقادة الفصائل، تؤكد لهم أن المؤسسة تحمي المكتسبات ولا تهدف إلى تهميش القيادات". وحول أسباب تفجر الخلافات بين وقت وآخر بين الفصائل، أوضح القيادي في "الجيش الوطني" السوري المعارض، أن "الشمال السوري بات نقطة التقاء وتجمع غير إرادي بين مكونات سورية مختلفة ومتعددة، ولكل منها عاداته وتقاليده وأعرافه وطرقه في الحياة، والخلافات هي مناطقية فردية تتطور إلى نزاع فصائلي بسبب انتماءات الفرد وخلفيته الفصائلية، ولكن سرعان ما يتم احتواء الأزمة".
من جهته، أشار الباحث السياسي عرابي عبد الحي عرابي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الجيش الوطني بنيته قائمة على الفصائلية"، مضيفاً أن "الفصائل لم تذب، بل انتقلت من مسمى إلى آخر، وبقيت كما هي، بحيث لكل فصيل قيادة وإداريون". وأكد عرابي "وجود هيكلية للجيش الوطني من قيادة أركان إلى إدارة للتوجيه المعنوي، ولكن هذه القيادة لا تملك سلطة القرار على الفصائل القوية"، و"ليست قادرة على تنفيذ استراتيجية واحدة لكل الفصائل المنضوية في هذا الجيش". وأوضح أن "القياديين في هذه الفصائل مستفيدون من تكريس الحالة الفصائلية التي تتيح لها تهريب البضائع والأشخاص وإقامة حواجز في مناطق السيطرة تدرّ على هذه الفصائل أموالا"، مؤكداً وجود "شبكة مصالح بين مناطق المعارضة وهيئة تحرير الشام وقسد والنظام، تعزز الفصائلية الموجودة اليوم".