وثّقت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية الجمعة، أحداث يوم الجمعة الدامي التي شهدتها مدينة زاهدان الإيرانية، مركز محافظة سيستان وبلوشستان، في 30 سبتمبر/أيلول الماضي، وراح ضحيتها وفق الأرقام الرسمية، 25 شخصاً، فيما يشير نشطاء ورواية غير رسمية إلى نحو 90 قتيلاً.
وتضاربت الروايات حول أسباب الحادث، إذ تتهم السلطات من تسمّيهم "انفصاليين وإرهابيين" بمهاجمة مقر للشرطة بالقرب من مسجد مكي الكبير في زاهدان خلال صلاة الجمعة، لكن نشطاء وخطيب جمعة أهل السنة بالمدينة المولوي عبد الحميد إسماعيل زهي يتهمون الشرطة بإطلاق النار باتجاه المحتجين الذين تجمّعوا أمام مقرها.
وجاء هذا التحرّك على خلفية مقتل الشابة مهسا أميني بعد أيام من احتجازها من قبل شرطة الآداب بتهمة عدم التقيد بقواعد الحجاب، بالإضافة إلى أنباء عن اغتصاب شرطي فتاةً بمدينة تشابهار في المحافظة، وهو ما أثار موجة غضب، ومهاجمة مقار حكومية في المدينة.
وتقول الصحيفة عن يوم "الجمعة الدامي": "حاول بعض الجرحى الزحف بعيداً هرباً من إطلاق النار. آخرون نزفوا حتى الموت على سجادات الصلاة فيما حاول الناس جرّهم إلى مكان آمن. لكن القناصة والضباط استمرّوا بإطلاق الرصاص على الرجال والفتيان في دار عبادة كانت تقام فيها صلاة الجمعة".
"It was a massacre": A New York Times analysis of witness testimony and videos reveals the bloody scene that unfolded last month when Iranian forces fired on protesters in Zahedan during Friday Prayer, with mats as stretchers and bodies piled in cars. https://t.co/IGz7GjOlVF
— The New York Times (@nytimes) October 14, 2022
وفق شهود عيان، ردّد المحتجون هتافات مناهضة للحكومة، وقاموا برشق الضباط بالحجارة، ما دفع قوات الأمن إلى إطلاق النار عليهم بطريقة عشوائية، مشيرين إلى أنه مع تفرّق المتظاهرين طاردتهم الطلقات النارية نحو المسجد، حيث كان الآلاف ما زالوا يصلّون.
ويقول جمشيد (28 عاماً) وهو أحد المصلّين الذين تواصلت معهم الصحيفة عبر الهاتف، وعرّف عن نفسه باسمه الأول فقط خشية من الانتقام، "بدأوا بإطلاق النار بينما كانت رؤوس الناس منحنية للصلاة"، لافتاً إلى أن الشبان رموا بأنفسهم أمام الأطفال وكبار السنّ لحمايتهم من الرصاص، في وقت لن يكن هنالك من مكان ليذهبوا إليه.
واستندت "نيويورك تايمز" في تقريرها إلى شهادات 10 أشخاص من زاهدان، بينهم شهود عيان، وناشطون، وأفراد من عائلات الضحايا، ومسعف ساعد في علاج جروح أكثر من 150 شخصاً. وأجمع المتحدثون على أن قوات الأمن استهدفت المحتجين العزل بشكل عشوائي بالرصاص والغاز المسيل للدموع، مشيرين أيضاً إلى نشر السلطات طائرات مروحية.
وتقول الصحيفة إن الفيديوهات التي حصلت عليها وقامت بتحليلها، تظهر بالتفصيل الردّ المفرط لقوات الأمن، مع انتشار الفوضى والدماء. ويظهر أحد الفيديوهات رجالاً، يبدو أنهم قناصة، بملابس مدنية، على سطح مركز الشرطة وهم يطلقون النار باتجاه الشارع.
وتلفت الصحيفة إلى أنه وفقاً للسرد المفصّل الذي قدّمه إمام المسجد المولوي عبد الحميد في بيان مصوّر عبر تطبيق تلغرام، فإنّ المزاج كان هادئاً، وأنه نصح جميع المصلّين بـ"الحفاظ على السلام"، و"السيطرة على عواطفهم" حتى يتم الانتهاء من التحقيق في تهمة الاغتصاب. لكن وفقاً لرجل الدين وشاهدَين آخرَين، فإنّ مجموعة من 10 إلى 15 مصلياً يافعاً غادرت المسجد قبل انتهاء الصلاة، للتجمّع خارج مركز الشرطة.
ويظهر مقطع فيديو تحققت منه الصحيفة، بعض المحتجين وهم يرشقون مركز الشرطة بالحجارة، حيث كانت قوات الأمن تقف على السطح، بينما تسمع طلقات نارية. ويفيد الشهود بأن بعض المتظاهرين قاموا بإلقاء زجاجات حارقة باتجاه المركز، فيما ردّت الشرطة بإطلاق النار. وتشير الصحيفة إلى أن أحد الفيديوهات التي تمّ التحقق منها، يظهر رجلين بالزي العسكري يقفان على سطح مركز الشرطة مع رجل آخر، يستخدمان ما يبدو أنها بندقية "بامب أكشن" باتجاه المسجد.
ويظهر فيديو آخر، مجموعة من الشبان ينقلون المصابين من الشارع إلى داخل المسجد. وفي هذا السياق، يقول أحد السكان، وهو أستاذ محاضر يعرف طلاباً ماتوا في ذلك اليوم: "كانوا يعتقدون أنه سيكون منطقة آمنة-أقدس مكان في المدينة. لم يعرفوا أنهم كانوا عائدين نحو فخ مميت".
من جهته، يقول جمشيد: "بدأ الناس بحمل الجثث، بينما كان الحاضرون ما زالوا منحنين على سجادات الصلاة"، لافتاً إلى أنه في غضون دقائق، تحوّل المكان إلى مسرح رعب، مع إطلاق قوات الأمن الرصاص والغاز المسيل للدموع على المسجد.
ويشير أحد شهود العيان إلى أن الناجين بدأوا بتكديس الجثث في السيارات وعلى سجادات الصلاة، التي كانت تستخدم كناقلات، ليتمّ استهدافهم في الشارع.
ووفق البيان المصوّر لإمام المسجد، فإنّ معظم الرصاصات تمّ إطلاقها على رؤوس وقلوب المصلّين، وقد تبيّن أنها كانت من فعل القناصة.
من جهته، يروي مسعف، عرّف عن نفسه باسم أحمد، للصحيفة، تفاصيل ذلك اليوم، مشيراً إلى أنه قام، بمساعدة ممرضة، بمعالجة أكثر من 150 جريحاً في المسجد المكي، المسجد الرئيس في المدينة، بعدما هرب إليه العديد من الأشخاص. ويقول: "كانت فوضى تامة"، مشيراً إلى أن العديد من الجرحى تفادوا الذهاب إلى المستشفى خوفاً من أن تقوم قوات الأمن المحلية باعتقالهم.
ويتابع: "لم نكن نعرف لمن نعطي الأولوية"، "بدأ الناس يموتون أمام أعيننا"، لافتاً إلى أن 30 جثة، بينها جثث أطفال، تم تكديسها في غرفة للصلاة للأطفال في المسجد المكي، بينما تمّ نقل الحالات الحرجة إلى الطابق السفلي، الذي تحوّل إلى قسم طوارئ مؤقت.
ويصف رئيس مركز حقوق الإنسان في إيران، ومقره نيويورك، هادي غائمي ما حصل بأنه "إطلاق نار للقتل"، مشيراً إلى أنها الاستراتيجية نفسها التي اعتمدت خلال حملة القمع الوحشية التي نفذها الحرس الثوري الإيراني عام 2019، عندما حاصر وأطلق النار على ما بين 40 و100 متظاهر كانوا يبحثون عن ملجأ في مدينة ماهشهر جنوب غربي إيران. ويختم: "عندما تكون هناك انتفاضة وطنية، فإنهم يرتكبون معظم عمليات القتل في مناطق الأقليات العرقية، لإضفاء مظهر الدفاع عن الوطن عليها".