خرج المئات من أنصار تحالف "الإطار التنسيقي" في العراق الحليف لإيران، اليوم الجمعة، في تحشيد هو الثاني من نوعه خلال أسبوعين، بتظاهرات أمام بوابة المنطقة الخضراء في العاصمة بغداد، قبل أن يقرروا تحويل حراكهم إلى اعتصام مفتوح، كردة فعل على اعتصامات أنصار "التيار الصدري" داخل المنطقة الخضراء التي تختم غداً السبت أسبوعها الثاني على التوالي، في مشهد يعكس مدى الاحتقان بين الطرفين، اللذين لجأ كل منهما إلى استخدام ورقة الشارع وتحشيد جمهوره.
وتجمع أتباع "الإطار التنسيقي" عند بوابة الجسر المعلق للمنطقة الخضراء، والتي أغلقت اليوم بينما انتشر عندها العشرات من عناصر الأمن، وردد المتظاهرون هتافات مختلفة تؤيد الاحتكام للدستور وأخرى تهاجم من تصفهم بالإنقلابيين، في إشارة إلى متظاهري التيار الصدري.
كما حمل المتظاهرون صور زعيم "دولة القانون" نوري المالكي، وهتفوا بـ"نعم نعم للمالكي" و"نعم نعم للحشد الشعبي".
ولم تسجل تظاهرات "الإطار التنسيقي" حتى الآن أي صدامات مع عناصر الأمن، كما أن المتظاهرين لم يحاولوا الاقتراب من بوابة المنطقة الخضراء أو محاولة اقتحامها.
وعملت المنصات التابعة لقوى "الإطار التنسيقي" على تحشيد الشارع بشكل مكثف، وأطلقت دعوات لأنصارها في كل المحافظات، وللعشائر، ولعموم الشعب، بالتجمع في بغداد، لأجل ما أسمته "حماية الدولة".
وأصدرت ما تعرف بـ"اللجنة التنظيمية لتظاهرات الإطار التنسيقي" بيانا قالت فيه إنها تطالب بـ"الإسراع في تشكيل حكومةٍ خدميةٍ وطنيةٍ كاملة الصلاحيات"، كما طالب البيان القوى السياسية الكردية، التي جرى العرف السياسي المعمول به في البلاد منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003 على أن يكون رئيس الجمهورية من استحقاقها، بـ"التعجيل في حسم مرشح رئاسة الجمهورية، وتكليف مرشح الكتلة الأكبر لرئاسة الوزراء، وإنهاء كل ما يعيق الإسراع بحسم الموضوع".
وطالب البيان أيضا "رئيس مجلس النواب بإنهاء تعليق عمل البرلمان والتحرك الفاعل من أجل إخلاء المجلس وتفعيل عمله التشريعي والرقابي، فهو منتخب من الشعب، والشعب له حقوق معطَّلة، وينتظر من ممثليه أداء واجباتهم بصورة كاملة"، معلنا أيضا تحول تظاهراتهم إلى اعتصام أمام المنطقة الخضراء.
اعتصام مفتوح
في هذا السياق، قال مراسل "العربي الجديد" إن شاحنات ضخمة بدأت بنقل سرادق ومعدات تخييم من أمام بوابة الجسر المعلق المقابلة للمنطقة الخضراء من الجهة الشمالية، مع بدء قوات الأمن بتحويل مسار السيارات القادمة إلى المنطقة بعد إغلاقه من قبل أنصار الإطار التنسيقي الذين قرروا المبيت في المكان.
وفي أول تعليق على تظاهرات قوى "الإطار التنسيقي"، قال رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي إن التظاهرات أثبتت أن "الشارع لا يمكن الاستحواذ عليه من قبل جهة دون أخرى"، بحسب بيان تداولته وسائل إعلام عراقية محلية.
في المقابل، دعا زعيم تحالف "الوطنية" ورئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، في بيان له، إلى "عقد جلسة برلمانية في أي مكان بالعراق، لاختيار رئيس جمهورية وتشكيل حكومة جديدة"، في موقف يعتبر مناوئا للتيار الصدري ومؤيدا للقوى الحليفة لإيران.
وقال علاوي، في بيان له اليوم الجمعة، إنه "لطالما دعونا إلى الحوار الوطني الذي نرى فيه حلاً للأزمات وتجاوز حالة الفوضى والتعقيد، وكذلك طالبنا، ومنذ العام 2010، بتشكيل مجلس أعلى للسياسات الاستراتيجية، والآن بتشكيل مجلس حكماء، ولكن للأسف لم يستجب المتخاصمون لدعواتنا".
وأضاف علاوي: "عليه، لم يَتَبَقَّ سوى احترام توقيتات الدستور الذي اختط بأيديهم على الرغم من تحفظاتنا على العديد من فقراته، وذلك من خلال عقد جلسة لمجلس النواب في أي مكانٍ في العراق بحضور رئيس مجلس القضاء ورئيس المحكمة الاتحادية لاختيار أو تثبيت رئيس الجمهورية، وتشكيل حكومة تمهد لإجراء انتخاباتٍ مبكرة بقانون انتخابي عادل ومفوضية انتخابات نزيهة"، وتابع علاوي أنه "بخلاف ذلك ستزداد الأوضاع سوءًا وتتدهور إلى ما لا تحمد عقباه، ولا أمتلك غير التنبيه والتحذير من تداعيات وخطورة المرحلة التي يمر بها بلدنا الحبيب وشعبنا العزيز الذي عانى الويلات وحُرمَ من أبسط مقومات العيش الكريم".
في مقابل ذلك، تظاهر الآلاف من أتباع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في المحافظات الجنوبية والوسطى، باستثناء النجف وكربلاء، استجابة لدعوة زعيمهم، إذ شهدت محافظات البصرة وميسان والمثنى وبابل وذي قار وديالى وبغداد والقادسية وواسط وكركوك والموصل وغيرها خروج الآلاف من أتباع الصدر، الذين رددوا شعارات تندد بالفساد، وبأحزاب السلطة، وبالتدخل الإيراني.
وجرت التظاهرات في ظل تشديد أمني في بغداد والمحافظات الأخرى، إذ انتشر المئات من عناصر الأمن في محيط مناطق التظاهرات، وسط أجواء متوترة، خاصة في بغداد.
وتمثل تظاهرات أتباع "الإطار" و"التيار" حجم كل منهما في الشارع العراقي، ضمن استعراض للقوة بين الجانبين، والذي ينذر بخطورة الوضع في البلاد، وإمكانية الصدام المسلح بين الطرفين، اللذين ترتبط بكل منهما فصائل مسلحة.
زعيم تحالف النصر "ضمن الإطار التنسيقي" حيدر العبادي دعا أتباع الجانبين إلى التعاون لمحاربة الفساد، وقال في تغريدة له: "أدعو أتباع التيار والإطار والوطنيين إلى التعاون والعمل معاً لإصلاح الأوضاع وخدمة المواطنين ومحاربة الفساد والفاسدين، وإن كانوا أولي قربى"، مشدداً: "نريد دولة عدل وخدمة الناس، ففي العدل سعة، لكن لا تضيقوا على المواطنين في معائشهم ومصالحهم وأمنهم، وابتعدوا عن الممتلكات العامة والخاصة".
ادعو اعزاءنا اتباع التيار والاطار والوطنيين الى التعاون والعمل معا لاصلاح الاوضاع وخدمة المواطنين ومحاربة الفساد والفاسدين وان كانوا اولي قربى. نريد دولة عدل وخدمة الناس ففي العدل سعة، لكن لا تضيقوا على المواطنين في معائشهم ومصالحهم وامنهم وابتعدوا عن الممتلكات العامة والخاصة
— Haider Al-Abadi حيدر العبادي (@HaiderAlAbadi) August 12, 2022
من جهته، أكد النائب أحمد عبد الله الجبوري أهمية تجاوز المرحلة الحالية، وقال في تغريدة على "تويتر": "التداول السلمي للسلطة هو الرديف غير المضمون للقبول بنتائج الانتخابات المبكرة، لنتخلى عن ثقافة العيش بالظروف الاستثنائية والطوارئ السياسية، التي لم تحقق للعراقيين غير الدمار والخوف والجوع والمستقبل المجهول.. لنفكر معا بعقل الوطن لا مزاج الأشخاص".
التداول السلمي للسلطة هو الرديف غير المضمون للقبول بنتائج الانتخابات المبكرة، لنتخلى عن ثقافة العيش بالظروف الاستثنائية و الطواريء السياسية، التي لم تحقق للعراقيين غير الدمار و الخوف و الجوع و المستقبل المجهول، لنفكر معا بعقل الوطن لا مزاج الأشخاص.
— الدكتور احمد عبدالله عبد الجبوري...ابو مازن . (@Abo_Mazann) August 12, 2022
وكان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر قد دعا، قبيل خروج التظاهرات، أنصار تحالف "الإطار التنسيقي" إلى دعم اعتصام وتظاهرات أتباعه، وأن تكون تظاهراتهم "نصرة للإصلاح لا نصرة لهيبة الدولة والحكومات التي توالت على العراق بلا أي فائدة ترتجى"، مؤكداً: "أيدينا ممدودة لكم يا جماهير الإطار دون قياداته، لنحاول إصلاح ما فسد".
يجري ذلك في وقت وصل فيه التأزم السياسي بالعراق إلى حد اللاعودة واللاحل، بعد أن حدد زعيم التيار الصدري مهلة للسلطة القضائية، حتى نهاية الأسبوع المقبل، لاتخاذ قرار بحل البرلمان، ملوحا بـ"إجراءات أخرى" بخلاف ذلك، وهو ما يقطع الطريق بشكل نهائي أمام "الإطار التنسيقي" الذي يعد نفسه "الكتلة الكبرى" برلمانيا، ويأمل تشكيل الحكومة الجديدة.