تناولت افتتاحية صحيفة "إنفورماسيون" الدنماركية، اليوم الاثنين، الواقع اللبناني، الذي اعتبرته متأرجحاً بين الخوف من حرب أهلية وآمال بمستقبل سياسي طبيعي.
وكمدخل لتقديم صورة للقارئ، استعادت الصحيفة عادة لبنانية استمرت ممارستها في الشارع منذ 1975 حتى 1990، وهي المتعلقة بكتابة أصحاب السيارات المتوقفة (المركونة) في مناطق غير مناطق أصحابها "ملاحظة عن مكانهم ورقم هاتف المالك، بعدما أصبحت السيارات المفخخة جزءاً من ترسانة المتحاربين، وذلك قبل أن يتصل المواطنون المتوترون بخبراء التعامل مع المتفجرات". وتشير إلى أن "عودة تلك العادة الشائعة هذه الأيام في لبنان تذكر بأن الحرب الأهلية قبل كل شيء شكلت صدمة نفسية متواصلة بين الناس".
وواصلت الصحيفة حديثها في السياق ذاته المتعلق بواقع اللبنانيين اليوم والحرب الأهلية السابقة بالقول إنه "لم تكن لدى اللبنانيين لجنة حقيقة ولا شيء يشبه عملية مصالحة، واحد فقط من أمراء الحرب، السياسيين والعسكريين، قضى عقوبة بالسجن، وهو سمير جعجع، زعيم المليشيات المسيحية المسمّاة (القوات اللبنانية)، التي شاركت في ارتكاب مذبحة شنيعة في مخيمي صبرا وشاتيلا عام 1982، وها هو يعود اسمه مرة ثانية منذ الخميس الماضي بعد اشتباكات مع تنظيمي (أمل) و(حزب الله) الشيعيين، قبل أن يسيطر الجيش اللبناني على الوضع".
وذهبت "إنفورماسيون" إلى سرد بعض تفاصيل مشهد بيروت، بربطها بما سمته "جبل الأمونيوم"، شارحة للقارئ أن "إخراج الشيعة للتظاهر في الشارع جاء بطلب من زعيم حزب الله حسن نصر الله، والهدف هو عزل القاضي طارق البيطار، المحقق في انفجار جبل صغير من سماد نترات الأمونيوم غير المعالج في مرفأ بيروت في أغسطس/آب من العام الماضي، والذي نجم عنه مقتل 214 شخصاً وجرح 6500 ودمار ثلث المدينة".
ورأت الصحيفة أنه "بعد عام من الشجار (السياسي) وتنحي الحكومة السابقة، جاء الملياردير المخضرم نجيب ميقاتي، ليصبح ثالث مكلف بتشكيل حكومة. وفي غضون ذلك كان البيطار، وبتوصية من الأمم المتحدة أيضاً، يواصل التحقيق". وأشارت أيضاً إلى أنه "وبشكل متوقع، فإن التخريب المستمر في النظام السياسي اللبناني، المتواصل منذ 1943 بتقاسم السلطة على أساس طائفي، بما في ذلك 128 مقعداً برلمانياً، بات أيضاً يخرب جهود التحقيق". وشددت على أن طارق البيطار هو "ثاني قاضٍ مسؤول عن التحقيق في الكارثة، حيث طرد السياسيون القاضي الأول لأن استنتاجاته الأولية كانت تشير إلى شخصيات ووزراء أقوياء، ووسع البيطار تحقيقه ليشمل مسؤولين سياسيين وأمنيين".
وعن الاستعصاء الحالي، تذكر "إنفورماسيون" أن من تم استدعاؤهم من البيطار "لم يمتثلوا، بسبب العادة السيئة المتمثلة في إفلات الساسة اللبنانيين المجرمين من العقاب، ومن رفض الحضور، استصدر البيطار بحقهم مذكرة توقيف، وأحدهم وزير المالية السابق عن حركة أمل علي حسن خليل، وهو ما دفع حليف الحركة (حزب الله)، إلى إرسال المتظاهرين إلى الشوارع، وذهب نصر الله إلى المطالبة عبر شاشة التلفاز بإقالة القاضي البيطار".
ومضت الصحيفة تؤكد أن الوقت الحالي "يشهد تعليق التحقيق، من دون التخلي عنه، وعلى الأقل فإن (رئيس الحكومة) نجيب ميقاتي ورئيس الجمهورية ميشال عون يدعمان التحقيق، كما يفعل الناجون وأسر الضحايا، وكذلك منظمات حقوقية وشريحة واسعة من الشباب الذين احتجوا على النظام السياسي الطائفي في أكتوبر/تشرين الأول 2019، ما أدى لاستقالة الحكومة السابقة".
الافتتاحية ذكّرت القراء بما نشرته يوم 12 أكتوبر/تشرين الأول الحالي عن الواقع اللبناني المأزوم، لتعيد رسم صورة مختصرة عنه بالقول إن "لبنان يعيش أزمة سياسية واقتصادية لم نشهدها منذ أيام الحرب الأهلية. تدحرجت قيمة عملته، ولا توجد أموال للديزل، الذي يحرك محطات توليد الكهرباء التابعة للدولة، والتي تعمل أصلاً بنصف طاقة، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي إلى الثلثين، وأصبح جزء من السكان معرضاً للجوع بسبب نقص الغذاء، وفقاً للأمم المتحدة". وعلى تلك الخلفية، تنوه الصحيفة برفض صندوق النقد والبنك الدوليين التدخل "قبل رؤية إصلاحات سياسية حقيقية، ومع هذا الوضع الكئيب بات المحللون يتحدثون عن خطر اندلاع حرب أهلية جديدة إذا نجح القاضي البيطار في ملاحقة مسؤولين عن الإهمال القاتل في مرفأ بيروت".
وفي ختام افتتاحيتها، قالت "إنفورماسيون" إنه ومقابل تلك الآراء "ثمة آخرون يتحدثون عن أمل جديد بأن يكون لبنان، بفعل انسداد الأفق، متجهاً نحو نظام سياسي، وبتعديل دستوري يتطلب موافقة الثلثين في البرلمان، لإجراء انتخابات طبيعية ومتساوية، وربما تطلب ذلك البحث عن صيغ أخرى بمساعدة خارجية، ومن خلال الضغط برفق وحزم على حسن نصر الله".