لا يزال الطريق الدولي شمال سورية، المعروف بـ"أم 4"، محل خلاف كبير بين الجانبين التركي والروسي، إذ تحوّل إلى عقدة تحول دون اتفاق أنقرة وموسكو على وضع ترتيبات ترضي جميع الأطراف المتناحرة، وتسمح باستعادة الحركة على هذا الطريق الذي يُعد شرياناً اقتصادياً رئيسياً في المنطقة.
ويُعد فتح الطريق مطلباً للنظام والروس منذ سنوات، وخصوصاً بعد الربع الأول من العام الماضي حين سيطرت قوات النظام على مساحات واسعة في أرياف حماة وحلب وإدلب، ودفعت فصائل المعارضة بعيداً في العمق الجغرافي لمحافظة إدلب. وتروّج وسائل إعلام النظام السوري أن الجانبين الروسي والتركي سيضعان اللمسات الأخيرة على اتفاق يخص هذا الطريق، يصب لصالح النظام في اجتماع خبراء يعقد في أنقرة الأسبوع المقبل.
عودة أوغلو: لم تحظَ الصفقة بدعم دولي حتى اللحظة
وزعمت صحيفة "الوطن"، التابعة للنظام أمس الخميس، أن "المحادثات بين روسيا وتركيا ستفضي بالنهاية إلى سيطرة الدولة السورية على الطريق الدولي بين حلب واللاذقية المعروف بـ"أم 4" مقابل ضمان خروج مليشيات "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) من بعض مناطق شمال شرقي سورية". كما زعمت أن "المحادثات الروسية التركية ستفضي في النهاية إلى إجبار قسد على الانسحاب من أربع نقاط يستهدفها النظام التركي، هي تل رفعت ومنبج بريف حلب وعين عيسى بريف الرقة وتل تمر بريف الحسكة". وقالت إن الجانب التركي أبدى ترحيباً بعودة قوات النظام إلى هذه المناطق في حال انسحاب "قسد" منها، إلا أن الأخيرة أكدت، على لسان قياديين أبرزهم قائدها مظلوم عبدي، أنها ليست بصدد الانسحاب من أي منطقة لصالح النظام.
لكن الوقائع الميدانية تشير إلى أن أنقرة تبدي تشدداً حيال ملف الطريق الدولي "أم 4"، وخصوصاً في إدلب، حيث يقطع ريفها الجنوبي، إذ إن سيطرة النظام عليه تعني إبعاد فصائل المعارضة السورية عن الريف، الذي يضم منطقة جبل الزاوية ومدينة أريحا وبلدات أخرى، أي نزوح نحو نصف مليون مدني عن المنطقة. ولا تستقيم السيطرة للنظام على الطريق من دون مدينة جسر الشغور شمال غربي إدلب، والتي تضم هي الأخرى عشرات آلاف المدنيين الذين يرفضون البقاء تحت سيطرته، وهو ما يصعّب محاولات إيجاد حلول لعقدة هذا الطريق من قبل الأتراك الذين يخشون موجات نزوح ربما تتجاوز حدودهم.
وكان الجانبان التركي والروسي وقعا أكثر من اتفاق حول "أم 4"، بقيت من دون تطبيق، آخرها اتفاق موسكو في مارس/آذار 2020، الذي على نص على إنشاء ممر آمن على طول الطريق الدولي بعمق 6 كيلومترات من الجنوب ومثلها من الشمال. كما نص على بدء تسيير دوريات مشتركة بين البلدين من بلدة الترنبة (غرب سراقب)، وصولاً إلى بلدة عين الحور (آخر نقطة في إدلب من الغرب على تخوم ريف اللاذقية).
ويعد هذا الطريق أبرز الطرق الدولية في سورية، ويبدأ من مدينة اللاذقية، كبرى مدن الساحل غربي البلاد، ثم يخترق ريف اللاذقية الشمالي الشرقي وصولاً إلى مدينة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي، ثم يمر بقرية فريكة قاطعاً ريف إدلب الجنوبي حيث يمر عبر مدينة أريحا. وفي مدينة سراقب، في ريف إدلب الشرقي، يلتقي "أم 4" مع "أم 5" الآتي من مدينة حماة، ليشكلا طريقاً واحداً باتجاه مدينة حلب كبرى مدن الشمال السوري. وفي ريف حلب الشرقي يتفرع الطريق إلى اثنين، الأول يتجه نحو محافظة الرقة ومنها إلى محافظة دير الزور في أقصى الشرق السوري، والثاني يقطع مدينتي الباب ومنبج غرب الفرات، ثم يدخل منطقة شرق نهر الفرات حيث يمر في أرياف حلب والرقة وصولاً إلى ريف الحسكة، باتجاه الحدود السورية العراقية. ويعد هذا الطريق، الذي دخل الخدمة في ثمانينيات القرن الماضي، شرياناً اقتصادياً، وهو ما يفسر سعي النظام المستميت للسيطرة عليه، حيث يأمل، عبر الاستحواذ عليه، في إنعاش اقتصاده. ولطالما دارت معارك بين الفرقاء للسيطرة على الطريق، سواء في شرق نهر الفرات أو غربه، إلا أنها لم تفض إلى حسم يمكّن أي طرف من التحكم به.
يوسف حمود: القوى العسكرية والثورية ملتزمة بالدفاع عن المناطق المحررة
وفرضت التطورات الأخيرة على مشهد الشمال السوري، وخصوصاً لجهة التهديد التركي بشن عملية ضد "قسد"، معطيات جديدة ربما تدفع أنقرة إلى إبداء "مرونة" حيال ملف "أم 4"، في حال ساعدت موسكو في تبديد المخاوف التركية في شرق الفرات. وفي هذا الصدد، رأى المحلل السياسي التركي طه عودة أوغلو، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "بعد التهديدات التركية الأخيرة بشن عملية عسكرية في سورية، وفي ظل الخلافات الدائرة حالياً بين أنقرة وموسكو بخصوص قسد، يمكن أن توافق أنقرة على تأسيس ممر آمن على الطريق الدولي "أم 4" وفق التفاهم التركي الروسي في مارس 2020". وأشار إلى إمكانية توفير حل لهذا الممر قد "يضمن تفاهمات تحول دون انسحاب الأتراك من ريف إدلب الجنوبي، وضمان السيطرة التركية على مناطق استراتيجية، مثل تل رفعت وعين عيسى ومنبج".
وبيّن عودة أوغلو أن "هذه الصفقة، التي تضمن إبعاد قسد عن الحدود التركية السورية لمسافة 30 كيلومتراً، لم تحظ بدعم دولي حتى اللحظة"، مشيراً إلى أن "الجانب الأميركي يواصل مباحثاته مع الأتراك حول الأمر". وتوقع وصول وفد أميركي قريباً إلى تركيا لبحث الملف السوري بعد التطورات الإيجابية التي شهدها الاجتماع التركي الأميركي في واشنطن، بحسب وزارة الدفاع التركية.
وفي السياق، حاولت فصائل المعارضة السورية التحكم بطريق "أم 4" في شرق الفرات أكثر من مرة، وخصوصاً باتجاه بلدة عين عيسى في ريف الرقة، وبلدة تل تمر في ريف الحسكة الشمالي الغربي. وأكد الرائد يوسف حمود، المتحدث باسم "الجيش الوطني" الذي تنضوي فيه فصائل المعارضة السورية، في حديث مع "العربي الجديد" أنه "لا توجد حتى اللحظة أية اتفاقيات حول الطريق الدولي". ولفت إلى أنه يبدو أن النظام ينتظر ما سيسفر عنه الاجتماع المقبل بين روسيا وتركيا، ويأمل أن يحقق له مصالحه في ملف "أم 4". وشدد على أن "القوى العسكرية والثورية ملتزمة بالدفاع عن المناطق المحررة في وجه أي تصعيد عسكري محتمل".