مجال أمن السيسي

10 فبراير 2015
+ الخط -

منذ وصوله إلى السلطة في مصر، يسعى عبد الفتاح السيسي إلى تشكيل سياسة إقليمية مريبة، بذريعة إعادة تموضع مصر، انطلاقا من كونها دولة ذات ثقل إقليمي، ويجب إعادة الإعتبار إليها، وهي بذلك تملك شرعية طرح رؤى سياسية إقليمية جديدة، ويجب أن يكون لهذه السياسة نفوذ وتأثير، وخصوصاً في محيطها الإقليمي، والعربي منه تحديداً.

ويسعى نظام السيسي، في هذا السياق، إلى إستثمار مجموعة عوامل، منها: الجغرافية السياسية لمصر، وتوسطها لبحر من الأزمات، وحالة التصدع والتخلخل التي تعاني منها المنطقة العربية، إضافة إلى التغيرات الحاصلة في بنية النظام الدولي، وهيكليته، وما تتيحه همن مرونةٍ، تسمح للقوى الاقليمية ببعض الحراك.

ولدى تفحص جوهر هذه السياسات، يتبين أنها ليست مبنية على قاعدة أيدلوجية قومية، باعتبار أن البعد العربي ليس موجوداً في ثقافة النخبة المصرية التي يستند إليها نظام السيسي، ولا هي من قماشة تكاملية، كالتي كانت موجودة لدى القيادات الأوروبية التي أسست الاتحاد والسوق الأوروبيين، بل هي ذات بعد أمني، ترتكز على إغراءات تكتيكية، آنية لمحاربة خصم داخلي، هو الإخوان المسلمين، ويجري تطويرها ومدّها إلى مناطق، يعتقد أنها تشكل روافد للحالة الإخوانية في مصر. وبالتالي، يمكن وصف هذه السياسة بمحاولة بناء مجال أمني، أكثر منها سياسات إقليمية.

يسعى السيسي إلى تسويق مجاله الأمني، عبر تعظيم خطر "الإخوان" وتصويره على الخطر الأهم للمنطقة، وتحاول مراكز دعم القرار، مراكز الأبحاث والمنابر الإعلامية، تصوير مشروعه الأمني على أنه يشكل خلاص الأمة من الأوضاع المأزقية التي تعبرها، بتصوير المواجهة بين الدولة ومجموعات فوضوية، وأن مشروع السيسي يقع في صلب نظرية الدولة، ويتساوق والتوجه العالمي لمحاربة الفوضى.

يسعى السيسي إلى إيجاد سياق وحيثيات لسياساته، وغطاءين، إقليمي ودولي، على ذلك، هو يحاول تطبيق مجاله في المناطق التي يعتقد أنّ فيها فراغات سياسية، وأنّه سيلقى ترحيبا دوليا على دوره فيها، بتشبيك ثلاث مناطق، ترتبط بمصر مباشرة، أو عبر جسور أرضية، ليبيا وفلسطين، وسورية، أما تكتيكاته في هذا المضمار فقوم على تطويع المعارضة السورية، وإخضاعها لبشار لأسد، وصناعة بديل للثورة في ليبيا مستنسخ عن معمر القذافي، وخنق حركة حماس، وتظهير بدائل فلسطينية تتفق مع رؤيته.

وتدرك الدوائر المحيطة بالسيسي أن تطبيق رؤيته لهذا المجال تستدعي إعادة رسم التحالفات الإقليمية، واعتبار دول الخليج بؤرة هذه السياسة. لذا، ترتكز تكتيكاته، في هذا المجال، على ابتزاز دول الخليج عبر تصوير وحدة مصادر الخطر التي تتهدد الطرفين، وتالياً وحدة المصالح التي تجمعهما.

لكن، في واقع الأمر ثمة مؤشرات عدة على فشل هذا النمط من التفكير الأمني، نظراً إلى المخاطر التي ينطوي عليها، والتي لم تتأخر في الكشف عن نفسها، فبالإضافة إلى قصر نظره، القائم على مخاوف داخلية، يراد تعميمها، فإن هذا المنظور ينطوي على ترتيب للأولويات الأمنية، يختلف بدرجة كبيرة عن ترتيبات الأمن القومي الحقيقي للأطراف العربية، إذ يخرج إسرائيل وإيران من حساباته الأمنية، وهما أكثر مصادر التهديد، بل إنه يذهب الى التعاون مع الأولى إلى أبعد الحدود، حسب إعترافات مصادرها الأمنية، والتنسيق مداورةً مع إيران، عبر محاولة ترسيخ أذرعها في سورية والعراق، والتغاضي عن الخطر الاستراتيجي الذي باتت تشكله باحتلالها باب المندب.

من جهة أخرى، يتصادم مع قوى الثورة في المنطقة التي تشكّل غالبية شعبية، ومع تصوراتها للحكم، وعلاقة السلطة بالشعب، ويتعاطى مع الحراكات الداخلية العربية، بوصفها تهديدات خطرة، يجب التعامل معها عسكرياً، وليس بوصفها تطوراً طبيعياً. وبالتالي، يجب القضاء عليها نهائياً، هو يتجاوز منطق المؤامرة الذي تبنته الأنظمة القديمة في مواجهة الحراك الثوري إلى منطق عنصري استعلائي، بحيث ينحاز إلى فئات معينة، وهي الفئات الفاسدة التي أثرت في عهود الفساد العربي، ويذهب إلى إعادة توصيف وتعريف الربيع العربي، وتوصيفه على أنه من أشكال الخلل والانحراف، وليس ثورة وحراكاً.

يحاول السيسي جر أطراف عربية إلى خطأ استراتيجي، يتمثل بمحاولة اجتثاث مكونات سياسية، ذات امتداد جماهيري تاريخي، الأمر الذي من شأنه خلخة سلم وأمن مجتمعات الأطراف المتورطة، ووضعها على حواف حروب أهلية. ويسعى السيسي إلى تقديم تجربته في مصر نموذجاً، عبر إقصائه جماعة الإخوان المسلمين، بطريقة تشبه، إلى حد بعيد، المذابح التي كان يقوم بها سلاطين مصر في زمن قديم، للتخلص من خصومهم. ولكن، مع فارق أن الخصوم، اليوم، هم مكونات عريضة من الشعب المصري، وليسوا أشخاصاً محددين، ما يعني أنه يضع المجتمع المصري في وضعية توتر دائم، قابلة للتحول إلى حرب أهلية، في أي لحظة. وقد تنطلق تلك الحرب من الخواصر الرخوة التي لا تستطيع أدواته الأمنية السيطرة عليها، وخصوصاً في الأرياف والمناطق الحدودية، والبعيدة عن المركز، فيما يبدو استعادة للتجربة السورية.

لا شك في أن استمرار هذا النمط من السياسات الأمنية التي تهدد بانفجار مصر والتغاضي عن الأخطار الأمنية التي تشكلها الاختراقات الإسرائيلية والإيرانية، بل والمشاركة في تسهيل إندراجها في الفضاء العربي، بتقديم التسهيلات اللازمة لهما، هي أخطار محدقة بالأمن العربي، صار لازماً ضرورة التصدي لها، بدل تركها لمخطط أمني برتبة شاويش، ومخبر إقليمي، بذريعة خوفه من مناوئيه السياسيين.

5E9985E5-435D-4BA4-BDDE-77DB47580149
غازي دحمان

مواليد 1965 درعا. كتب في عدة صحف عربية. نشر دراسات في مجلة شؤون عربية، وله كتابان: القدس في القرارات الدولية، و"العلاقات العربية – الإفريقية".