سرطاناتنا القاتلة

02 ديسمبر 2014
+ الخط -

نسرين روحانا التي احتفلت بعيد مولدها السادس والثلاثين في الرابع عشر من نوفمبر/تشرين ثاني الفائت، وقتلت في الخامس والعشرين منه، أم لولدين، واسم جديد يضاف إلى سجل ضحايا العنف الأسري في لبنان. وعلى الرغم من انفصالهما، فقد قتلها زوجها بطريقة وحشيّة بعد أن خطفها من أمام مكان عملها، تحت تهديد السلاح، فعذّبها، ثم أطلق عليها رصاصتين، الأولى في كتفها والثانية في عينها، وانتهى برمي جثتها في نهر إبراهيم.
ولنفترض أن الزوج القاتل اكتشف عن زوجته ما لم يُطق احتماله. ولنفترض أنه قتلها غيرةً وشغفاً ورعباً من امتلاك آخر لها. ولنفترض أن الحبّ هو الدافع الأول لارتكابه جريمته، فكيف لا يقتل نفسه حينئذ، وكيف لا ينتحر، طالما أنه لا يقدر على الحياة من دونها؟ أن يقتلها ويقتل نفسه من ثم، أجل، ربما. لكن، أن يقتلها، ثم يرميها في النهر، ثم يعود إلى بيته، فيحلق ذقنه ويسلّم نفسه، متخفّفاً من وحشية فعلته، فلا، وألف لا.
قلتُ لنفترض، وأنا، في الحقيقة، لا أفترض، بل أفكّر بصوت عالٍ عن الذين يفترضون ولا يقولون، يفترضون ضمناً أن الضحية قد اقترفت حتماً ذنباً جرّ عليها كل هذا الوبال.
في مجرى العام الحالي، وبعد أن كثرت الجرائم المرتكبة في حقّ النساء في لبنان، أقرّت اللجانُ النيابية المشتركة مشروع "قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري". كان الفتح الذي حققه هذا المشروع إعادة إدراج اسم النساء في عنوان القانون، وإعادة النظر بتجريم إكراه الزوجة على الجماع، ولو أنه اكتفى بتجريم الضرب والإيذاء والتهديد للحصول على ما سماها "الحقوق الزوجية".
وفي تحقيق تلفزيوني، بُثّ على قناة تلفزيونية لبنانية، في هذه المناسبة، سئل ذكور لبنانيون، من مختلف الأعمار والانتماءات، إذا كانوا مع استصدار قانونٍ ضد تعنيف المرأة، فأجاب منهم عددٌ لا يستهان به، وبأساليب مختلفة، ما مفاده أن "المرأة يجب أن تعنّف". قالها بعضهم كمزحة، ما لبث أن تراجع عنها، حين كرّر الصحافي السؤال مستنكراً، في حين لم يتراجع آخرون، أرفقوا ردّهم بابتسامةٍ، ينبغي لها أن تنزع عن إجاباتهم القسوة والوقاحة اللتين اتسمت بهما، وأن تضعهم في المكان الآمن، حيث لا تمكن محاسبتهم. هؤلاء تجرأوا على أن يقولوا عاليّاً وعلناً ما يفكّرونه سرّاً، قالوا من دون تكلّف أو اصطناع أو حياء، إن تعنيف المرأة ضرورة، وفي نيّتهم ربما الحديث عن "تربيتها"، بحيث لا تواجه شريكها، ولا تعلو عليه، مدركين أن الرأي العام، من المحيط إلى الخليج، سيكون معهم، ومقتنعين بأنهم بذلك، إنما يلهجون بالصائب واللائق والمقبول اجتماعيّاً. فهم، لو أجابوا بالعكس، على سبيل المثال، لبدوا وافدين على ثقافتهم الذكورية، مصطَنعين غير صادقين، خارجين على مجتمعاتهم، أو متحدّين للسائد والمقبول فيها.
وإن كان ثمة جزء فيّ، ضئيل جداً، يشفق على القاتل، أو يختلق أسباباً مخفّفة لبربريته، فلأني أرى في سلوكه الإجراميّ تجليّاً لمرضه الذي هو مرض الذكورة والأنوثة في مجتمعنا. وأنا، إنما أذهب، في إشفاقي هذا، إلى ما يفوق قدرتي على الاحتمال، إذ أراه يقتلها، لأنها اكتفت من عذابه فتخلّت وتمرّدت، وأراه يقتلها خوفاً مما سيقال في فحولته المنتقصة، وأراهم يقتلونهنّ بعد أن دُفعت، هي وسواها من نساء لبنان، إلى التبرّج والتجمّل والظهور بمظهر مثير، حتى صرن دمية ترمى إلى النفايات، ما أن تنتهي صلاحية استخدامها.
كل هذا ونحن نودّع الرائعة صباح، متذكّرين أنها هوجمت، لأنها شاخت، واستمرت مع ذلك متعلّقةً بالحياة، أكثر مما هوجمت بسبب حريتها وكسرها القوالب والتقاليد، كل هذا ونحن نودّع "الصحة"، لنستقرّ في سرطاننا الطويل.

 


 

نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"