40 يوماً على قمّةٍ عربيةٍ خذلت فلسطين
اجتمع، في 11 الشهر الماضي (نوفمبر/تشرين الثاني) قادة 57 دولة عربية وإسلامية في الرياض فيما عرفت باسم "القمّة الطارئة" على بعد خمسة أسابيع من المجازر الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة، وسط آمال وأحلام عريضة للجماهير العربية بأن ثمّة تحرّكًا من الأشقّاء سوف يردع الاحتلال عن جرائمه.
اليوم تكون 40 يومًا كاملة قد انقضت على عقد (وفضّ) القمّة التي حضرتها طهران، صاحبة القدر الأكبر من الوعيد للعدو الصهيوني بالتصدّي له بالقوة المسلحة إن تجاوز الخط الأحمر، الذي هو التوغّل البرّي في قطاع غزّة، وكان لافتًا ذلك الترحيب الخاص من رئيس القمّة بالرئيس الإيراني، على نحو بدا معه وكأن لحظة تاريخية لتجاوز الخلافات المذهبية والسياسية قد حانت من أجل فلسطين.
عشرون بندًا اشتمل عليها البيان الختامي للقمّة، 18 منها يمكن وصفها بالحكي الفاضي الذي لا يخرُج من شرنقة الإدانة والتنديد والشجب والاستنكار والمطالبة والمناشدة، فيما جاء بندان وحيدان يحملان ملامح إجراءات عملية ممكنة، وإن كانت دون الحدّ الأدنى من تطلعات الجماهير في الدول العربية والإسلامية، وفي المجتمع الإنساني كله، الذي انتفض ولا يزال منتفضًا مطالبًا بوقف الجريمة الإسرائيلية في غزّة.
جاء البند الثالث من مقرّرات القمة كالتالي: (كسر) الحصار على غزّة و(فرض) إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري، ودعوة المنظمات الدولية إلى المشاركة في هذه العملية، وتأكيد ضرورة دخول هذه المنظمات إلى القطاع، وحماية طواقمها وتمكينها من القيام بدورها بشكل كامل، ودعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا". فيما نص البند الرابع على "دعم كل ما تتخذه جمهورية مصر العربية من خطواتٍ لمواجهة تبعات العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزّة، وإسناد جهودها لإدخال المساعدات إلى القطاع بشكل فوري ومستدام وكاف".
ماذا تغيّر بعد 40 يومًا من هذه المقرّرات؟ هذا سؤالٌ مستحقّ للجماهير العربية التي طالبت بالقمّة الطارئة منذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول، فجاءت الاستجابة في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني. ... ماذا أنجزت القمّة لإيقاف شلال الدم الفلسطيني المسفوك، علمًا أن عدد الشهداء عشية انعقاد القمّة كان أكثر بقليل من عشرة آلاف شهيد فلسطيني؟
اليوم بعد أربعين يوما من القمّة الطارئة تضاعف عدد الشهداء، ليقترب من العشرين ألفًا من الأطفال والنساء والشيوخ والأجنّة في بطون الأمهات، وهذه الحسبة ينبغي على كل مسؤول شارك في القمّة أن يضعها أمامه، ويجري تقييمًا عادلًا ونزيهًا لدوره وحجمه في هذا العدوان الصهيوني المجنون، الذي تواصله تل أبيب مطمئنّة إلى أنه ليس ثمّة موقف رسمي عربي يمكن أن يعيقها أو يخفّض من وتيرة عدوانها، بل ربما عكس ذلك هو الحاصل، بالنظر إلى أنه، حتى على مستوى الكلام والتصريحات التي بلا أي مضمونٍ حقيقي، لم يعد أحدٌ يتحدّث إلا في النادر، وإن تحدّث فإنه لا يأتي بما يثير غضب إسرائيل أو قلقها أو حتى امتعاضها، بل ثمّة إمعانٌ في إهانة المقاومة، مبدأ وطنيًا وحقًا مشروعًا، وتكثيف القصف الإعلامي لها عن طريق منصّات مرتبطة ببعض الحكومات العربية.
فيما يخصّ البند الثالث المتعلق بكسر الحصار وفرض إدخال قوافل المساعدات، فلا شيء منه تحقق، بل زاد الحصار على غزّة إحكامًا، وبات أقصى من لدى العرب من نوعية سامح شكري هو الإقرار المرتعش بأن كل شيء مرهون بإرادة الاحتلال الصهيوني. وللموضوعية، لديهم أكثر من ذلك مما رأيناه متحققًا على أرض الواقع، مثل محاصرة مجموعة من الناشطين الدوليين داخل أسوار مبنى وزارة الخارجية المصرية واعتقالهم وحبسهم في مركز للشرطة، لأنهم جاءوا إلى الوزارة حاملين لافتاتٍ تطالب بتسهيل دخولهم إلى غزّة، عن طريق معبر رفح، بعد أن صدّقوا ما ورد في بيان القمّة عن "... ودعوة المنظمات الدولية إلى المشاركة في هذه العمليّة، وتأكيد ضرورة دخول هذه المنظمات إلى القطاع، وحماية طواقمها وتمكينها من القيام بدورها بشكل كامل". من هؤلاء كان أربعة ناشطين من فرنسا والأرجنتين وأستراليا ومعهم الأميركي المناهض للعدوان على غزّة، وهو مرشّح سابق للكونغرس، جون باكر، قضوا ليلة سعيدة في حجز قسم شرطة بولاق بالقاهرة، قبل ترحيلهم إلى بلادهم صباح اليوم التالي.
بالإجمال، يمكن القول إنها كانت قمّة لالتقاط الصور والرطانة الخطابية، انعقدت ذرًا للرماد في العيون، من دون أن يكون لدى أطرافها الرغبة في فعل شيء، ذلك أن ما ترتّب عليها من خسائر للشعب الفلسطيني أكبر بكثير من خسائره قبلها.