09 نوفمبر 2024
25 عاماً فلسطينياً
تُجري الشعوب مراجعاتٍ لتجاربها، تستعرض محطّات الإخفاق والنجاح، وتتوقّف أمام أسباب هذه وتلك، عندما تعبر من حقبةٍ إلى أخرى، أو مع انتقالات الزمن من مسافةٍ إلى مسافة، سواء أنجزَت هذه الشعوب ما تطلّعت إليه، أو ناضلت وكافحت من أجل الوصول إليه، أو لم تُحقّق ما أرادت، وما بذلت له من تضحياتٍ وأكلاف. تتولّى مهمة المراجعات الملحّة هذه النخبُ ذات المواقع المتقدّمة في السلطة والأحزاب، في المعارضة والموالاة، وفي مؤسّساتٍ معنيةٍ بالفكر والثقافة والإعلام... وعلى الرغم من فداحة الأهوال التي اشتدّت عليه، منذ بواكير قضيّته في مطالع القرن الماضي (أو قبلها)، إلا أن الشعب الفلسطيني، في أيّ من مؤسّساته وأحزابه وفصائله وقواه، لم يُبادر إلى عملٍ مثل هذا، باستثناء اجتهاداتٍ فرديةٍ، تاهت في غضون نقاشاتٍ عابرة، لكثيرٍ أو قليلٍ منها أهميّته، لكنها لم تُراكم منجزا مؤطّرا، يُستعاد في سياق عملية المراجعة المشتهاة. ومن مظاهر بؤسٍ ظاهرةٍ في الحالة الفلسطينية عموما أن جبهاتٍ وحركاتٍ فلسطينيةً، كانت لها أدوارها في مسار الكفاح الفلسطيني، تحرص سنويا على إقامة مهرجاناتٍ احتفاليةٍ في ذكرى يوم قيامها (أو انشقاقها)، فلا تسمع، في الأثناء، سوى عبارات التبجيل، من دون التحديق في مآلٍ تعيسٍ وشاحبٍ انتهت إليه هذه الحركة أو تلك الجبهة في لحظتها الراهنة، ومن دون تقديم جردةٍ بمنجزاتٍ ظاهرةٍ ومتحقّقةٍ في مسار تحرير فلسطين، باعتبار أن هذا هو الهدف الذي قام من أجله هذا التشكيل الفصائلي وغيرُه. ولا يجد أصحاب الشأن هؤلاء غير تقديم الشهداء مُنجزا يتباهون به. ومع كل الاحترام المؤكّد لكل شهيدٍ وجريحٍ وأسير، ولكل تضحياتهم، وبسالتهم، فإن هذا الأمر لا يجوز أن يكون ميدان تنافسٍ استعراضيٍّ بين التشكيلات الكفاحية والنضالية التي تتولّى مهمات حمْل مشروع تحريرٍ وطني، وإنما المنجزات المتحقّقة والمآلات الراهنة ما يتعيّن أن يكونا موضوع الزهو والاحتفاء والاحتفال.
هذه التوطئة للوصول إلى أن خمسةً وعشرين عاما تكتمل اليوم على توقيع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل اتفاق إعلان مبادئ، في ساحة البيت الأبيض (اتفاق أوسلو)، في احتفالٍ شهير، ما يعني أن هذه مناسبةٌ (جديدةٌ) ليسأل الفلسطينيون أنفسهم أين يقفون الآن؟ وإلى أين يمضون؟ وماذا أنجزوا في هذه المدة؟ وأين أخفقوا وفشلوا؟ ولا تخصّ هذه الأسئلة فلسطينيين دون غيرهم، أي الذين انتصروا للاتفاق المذكور، وراقَ لهم، ووجدوه نافذةً تأخذ الشعب تحت الاحتلال إلى بناء دولةٍ مستقلةٍ على الأراضي التي احتلت في 1967 وعاصمتها القدس، وإنما هي أسئلةٌ يُعنى بها الكلّ الفلسطيني، وضِمنه الذين ما قصّروا في انتقاد الاتفاق ونقده، ولعنه، والتحذير من "كارثيّته"، ومن جميع أوجه الخلل الفادحة فيه. ولا ينطلق افتراض مشاركة هؤلاء وأولئك في الإجابة على تلك الأسئلة، وفي تقديم جردة حسابٍ موضوعيةٍ تقوم على مراجعةٍ وافيةٍ للمشهد العام، بمنعطفاتِه في ربع قرنٍ انقضى، لا ينطلق من نزوعٍ وحدوي، وإنما أيضا لأن الجميع الفلسطيني انخرطوا في مخرجات "أوسلو"، فآلافٌ ممن عارضوه وخاصموه، وبينهم قياداتٌ وذوو حيثياتٍ ظاهرةٍ، أفادوا منه بالدخول إلى الوطن والإقامة في رام الله وغيرها، مع عائلاتهم وأسرهم، بل والعمل في مؤسسات السلطة الوطنية التي نشأت بموجب الاتفاق الذي لا يحتاج التدليلُ على سوئه إلى عناء.
لن تحدث هذه المراجعة المدعوّ إليها، ولا محاولات الإجابة على الأسئلة المقترحة (وغيرها)، فليس من تقاليد العمل الفلسطيني العام، طوال عقودٍ، قبل قيام منظمة التحرير، وفي غضون زمنها العتيد، ووصولا إلى الراهن، أن شيئا من هذا جرى الأخذُ به، أو تمّت محاولةٌ جدّيةٌ من أي نوعٍ بشأنه، فحصل شيءٌ من تقييمٍ يقع على أوجه القصور والإخفاق (ما أكثرها)، ولا يَغفل عن أوجه النجاح (ما أقلها). وتيسيرا لأمرٍ كهذا، شديد الإلحاح، ثمّة ما قاله محمود عباس، أحد صنّاع اتفاق أوسلو، بعد ساعاتٍ من توقيعه، قبل خمسة وعشرين عاما، إن له تحفّظاتٍ كثيرةً على الاتفاق، لكنه اتفاقٌ ".. سيكون معبر الفلسطينيين إلى الدولة المستقلة أو إلى الكارثة، ومن سيحدّد إلى أين سيقودنا نحن، وأداؤنا، ونجاحنا في بناء مؤسساتنا".
هذه التوطئة للوصول إلى أن خمسةً وعشرين عاما تكتمل اليوم على توقيع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل اتفاق إعلان مبادئ، في ساحة البيت الأبيض (اتفاق أوسلو)، في احتفالٍ شهير، ما يعني أن هذه مناسبةٌ (جديدةٌ) ليسأل الفلسطينيون أنفسهم أين يقفون الآن؟ وإلى أين يمضون؟ وماذا أنجزوا في هذه المدة؟ وأين أخفقوا وفشلوا؟ ولا تخصّ هذه الأسئلة فلسطينيين دون غيرهم، أي الذين انتصروا للاتفاق المذكور، وراقَ لهم، ووجدوه نافذةً تأخذ الشعب تحت الاحتلال إلى بناء دولةٍ مستقلةٍ على الأراضي التي احتلت في 1967 وعاصمتها القدس، وإنما هي أسئلةٌ يُعنى بها الكلّ الفلسطيني، وضِمنه الذين ما قصّروا في انتقاد الاتفاق ونقده، ولعنه، والتحذير من "كارثيّته"، ومن جميع أوجه الخلل الفادحة فيه. ولا ينطلق افتراض مشاركة هؤلاء وأولئك في الإجابة على تلك الأسئلة، وفي تقديم جردة حسابٍ موضوعيةٍ تقوم على مراجعةٍ وافيةٍ للمشهد العام، بمنعطفاتِه في ربع قرنٍ انقضى، لا ينطلق من نزوعٍ وحدوي، وإنما أيضا لأن الجميع الفلسطيني انخرطوا في مخرجات "أوسلو"، فآلافٌ ممن عارضوه وخاصموه، وبينهم قياداتٌ وذوو حيثياتٍ ظاهرةٍ، أفادوا منه بالدخول إلى الوطن والإقامة في رام الله وغيرها، مع عائلاتهم وأسرهم، بل والعمل في مؤسسات السلطة الوطنية التي نشأت بموجب الاتفاق الذي لا يحتاج التدليلُ على سوئه إلى عناء.
لن تحدث هذه المراجعة المدعوّ إليها، ولا محاولات الإجابة على الأسئلة المقترحة (وغيرها)، فليس من تقاليد العمل الفلسطيني العام، طوال عقودٍ، قبل قيام منظمة التحرير، وفي غضون زمنها العتيد، ووصولا إلى الراهن، أن شيئا من هذا جرى الأخذُ به، أو تمّت محاولةٌ جدّيةٌ من أي نوعٍ بشأنه، فحصل شيءٌ من تقييمٍ يقع على أوجه القصور والإخفاق (ما أكثرها)، ولا يَغفل عن أوجه النجاح (ما أقلها). وتيسيرا لأمرٍ كهذا، شديد الإلحاح، ثمّة ما قاله محمود عباس، أحد صنّاع اتفاق أوسلو، بعد ساعاتٍ من توقيعه، قبل خمسة وعشرين عاما، إن له تحفّظاتٍ كثيرةً على الاتفاق، لكنه اتفاقٌ ".. سيكون معبر الفلسطينيين إلى الدولة المستقلة أو إلى الكارثة، ومن سيحدّد إلى أين سيقودنا نحن، وأداؤنا، ونجاحنا في بناء مؤسساتنا".