بين شهبور بختيار وحسين عرنوس

14 يونيو 2020
+ الخط -
في يناير/ كانون الثاني 1979، كانت الثورة الإيرانية ضدّ حكم الشاه قد بلغت أوجها، فلعب الشاه آخر سهمٍ في جعبته، وعيّن محاميا وأكاديميا محترما، كان له دور في تاريخ إيران من خلال عمله مع السياسي الإيراني الوطني محمد مصدق، خلال الحكومة القصيرة التي شكلها بين 1951 و1953: إنه شهبور بختيار. وحين عاد الشاه بعد انقلاب عسكري دموي على حكومة مصدّق، عاد بختيار إلى الحياة الخاصة وعمل في المحاماة، قبل أن يعتقله الشاه بسبب نشاطاته السياسية المعارضة لحكم الشاه، وسجن ست سنوات، أفرج عنه بعدها، ورقّي إلى منصب نائب رئيس الجبهة القومية، كما كان عضوا قياديا في حزب إيران.
كان شهبور بختيار رجلا محترما، مثقفا وسياسيا حكيما. وعلى الرغم من أنه كان معارضا للشاه، ودفع ثمن معارضته سنوات في السجن، فإنه لم يؤيّد الثورة الإيرانية، لأنه لم يرَ فيها تجسيدا لطموحاته الليبرالية والعلمانية. وفي الفترة القصيرة قبل سقوط حكومته، بوصول آية الله روح الله الخميني من منفاه في باريس، قام بإجراءاتٍ إصلاحيةٍ، كان يمكن أن تؤسس لإيران بديلة، تتخلّص من الحكم البغيض للشاه من دون أن تقع في مطب الطائفية البغيضة والحكم الديني الظلامي، الذي صدّر الثورات والآلام في كلّ المنطقة. من إصلاحاته حلَ "السافاك"، جهاز 
البوليس السري الأشد فتكا ورعبا في تلك المرحلة وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ورفع الرقابة عن الصحافة، والترخيص لصحف معارضة عديدة. غير أن آية الله الخميني أبى، حين عاد من منفاه في فرنسا، في أول فبراير/ شباط فبراير 1979، السير في خطّ معتدل ومتدرّج، وهو الذي دخل طهران دخول الفاتحين، حاملا برنامجا راديكاليا لم يكن يحاول أن يخفيه أو حتّى أن يزيّنه بألوان برّاقة. ورفض الخميني التعامل مع رجلٍ علماني، ما أدّى إلى انهيار حكومة بختيار. وفي يوم من أيام إبريل/ نيسان 1979، اختفى بختيار، وتبيّن أنه استطاع الفرار إلى فرنسا، كما سيفعل بعد ذلك ليبرالي معتدل آخر، هو أبو الحسن بني الصدر، أول رئيس جمهورية لإيران، بعد أقلّ من سنتين.
سيؤسّس شهبور بختيار في باريس حركة المقاومة الوطنية في المنفى، وسينجو من محاولتي اغتيال، قبل أن يستطيع العميل الإيراني علي وكيلي راد (بأوامر من مرشد الثورة الإيرانية) أن يرديه قتيلا بعدّة طعناتٍ في صدره في بيته في ضاحية سورسين بباريس. حُكِم على راد بالسجن المؤبّد، ولكن الحكومة الفرنسية ستطلق سراحه في 1994 وتسلّمه إلى إيران في مقابل إطلاق سراح أكاديمية فرنسية اتهمت بالتجسّس على إيران.
في 10 يونيو/ حزيران الحالي، لعب دكتاتور آخر لعبة مشابهة. إنه بشّار الأسد الذي أعفى رئيس وزرائه، عماد خميس، بحركة مسرحية قبل شهر واحد فقط من انتخابات مجلس الشعب، ثم أخرج من جعبته رئيس وزراء جديدا، هو حسين عرنوس، وكلّفه برئاسة الحكومة نفسها حتى انعقاد الانتخابات.
ثمّة بين المثَلين أوجه شبه. كان الشاه يريد لعب آخر سهمٍ في جعبته ليحافظ على ما يمكّن هيكلية حكمه. كان يعرف أن أيامه تقترب من نهايتها، ولسوف يغادر بالفعل بعد أيام إلى مصر حيث سيقيم بضيافة صديقه أنور السادات حتى وفاته. وقد قدّم تنازله الأخير أملا في أن ينقذ هذا التنازل بقايا حكمه، أو يضمن له ربما عودة قريبة إذا ما غادر البلاد.
لا يتمتّع بشّار الأسد بذكاء شاه إيران، ولا بقوّة شخصيته، ولعلّه لا يدرك بعد حجم الكارثة الذي أوصل نفسه إليها بعد أن دمّر بلده وقتل وهجّر وشرّد الملايين منه. ولكن سورية ليست إيران، وبينما كان شاه إيران صاحب قرار، فإن الأسد ليس كذلك، وثمّة من يخطّط سياسة البلاد نيابة عنه.
وجه الشبه برأيي أن حسين عرنوس مثل بختيار، سيكون آخر رئيس وزراء لسورية الأسد، 
ولسوف يبحث عن منفى له، لن يكون فرنسا بالتأكيد، ولا أحد يعلم كيف ستكون نهايته، ولكنها قد لا تكون بعيدة جدا عن نهاية بختيار. وفي المقابل، ثمة اختلافات كثيرة بين المثلين. والاختلاف الأساس يأتي من الفرق بين شخصيتي رضا بهلوي وبشّار الأسد. وإذا صدّقنا دروس التاريخ، فإن الأسد ليس سوى نسخة هزلية من مأساة البهلوي. ولذلك، بينما أتى الأصل برجل محترم، أكاديمي ومحامٍ وله تاريخ طويل في العمل السياسي المعارض له، جاء الأسد بكاريكاتور ليس له، في الأوضاع الطبيعية، من القدرة ما يمكّنه من تسيير الأمور في بلد طبيعي، فيه اقتصاد عادي وحياة طبيعية وأسواق ووزراء ومسؤولون، حتى لو لم يكن فيه انتخابات وصحافة حرّة وتداول للسلطة، فكيف سيستطيع هذا الرجل الضعيف أن ينقذ بلدا من قاع الهاوية الذي رماه فيه رئيسه وعائلته وحلفاؤه وداعموه الدوليون والإقليميون؟
لقد أراد الأسد أن يوحي أن سبب المشكلة هي رئيس وزرائه عماد خميس، فأقاله ووضع مكانه حسين عرنوس. لم يكن لخميس حوْل ولا طول في قيادة البلاد، سياسيا واقتصاديا وأمنيا، فذلك كله كان في أيدي العائلة الحاكمة وقادة الأجهزة الأمنية وحكومتي روسيا وإيران، فطرده الأسد ووضع مكانه دمية أخرى، لا حوْل لها ولا طَول، وسيكون مصيرها أسوأ من مصير خميس.
ليس لحسين عرنوس، برأي من تحدّثت معهم من خبراء ببواطن الأمور ودواخل النفوس، تاريخ 
في الفساد، ولكنه لا يتمتّع بأي حسّ قيادي، وليس له، مثل معظم أسلافه، أي كاريزما يمكن أن يستغلها في الخروج من عنق الزجاجة. ويكفي أنه كان وزيرا في حكومة الأسد حين كان معلّمه يقصف أهله وإخوته في محافظة إدلب، من دون أن يحرّك فيه ذلك عضلةً واحدة. مثله في ذلك مثل سلفه الذي جاء من بلدة سقبا في غوطة دمشق، وكان وزيرا في حكومة وائل الحلقي حين كان الأسد يدمّر أهل بلدته والبلدات المجاورة في ريف دمشق. وحين اعتقل ابن أخت له أول أيام الثورة، رفض حتى أن يتوسّط من أجله في زيارة.
بصراحة، أشعر ببعض التعاطف مع حسين عرنوس، على الرغم من أنْ لا شيء فيه يستدعي التعاطف، فأن تختار شخصا لتعيّنه رئيسا لوزراء سورية في اليوم الذي سيدخل فيه قانون قيصر حيّز التنفيذ، لا يشبه شيئا أكثر من أن تختار رجلا لتضعه أمامك، حين يوجّه أحدهم مسدّسه صوبك. يعتقد بشّار الأسد أنه باختيار دريئةٍ جديدةٍ قد يؤجّل حكم التاريخ عليه، ولكنْ لاتَ ذاتَ مناص، أو كما يقول أهلنا في سورية "كان غيرك أشطر"!
8B0BB846-CF42-461B-9863-1B914FC64782
8B0BB846-CF42-461B-9863-1B914FC64782
وائل السواح

باحث سوري في قضايا المجتمع المدني وحقوق الإنسان. عضو في المكتب التنفيذي لرابطة الكتاب السوريين ورئيس تحرير موقع "سيريان أبزرفر" ومسؤول تحرير في موقع الأوان.

وائل السواح