لماذا عارض بولتون اتفاق سلام أفغانستان؟

05 مارس 2020
+ الخط -
كانت إقالة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مستشاره للأمن القومي، جون بولتون، من العوامل التي ساعدت على إبرام واشنطن "اتفاق إحلال السلام في أفغانستان" مع حركة طالبان الأفغانية، بعد قرابة ثماني سنوات من المفاوضات المتقطِّعة. وما كان للمفاوضات التي أوصلت الطرفين إلى إبرام هذا الاتفاق، في 29 فبراير/شباط الماضي، والذي عُرف باتفاق الدوحة، أن تجري لو لم يغِبْ بولتون عن دوائر صنع القرار بين العامين 2006 و2018، حين أعاده ترامب فعينه في هذا المنصب البالغ الحساسية بالنسبة لتحديد السياسة الأميركية. وكما كان متوقعاً، سارَعَ بولتون إلى انتقاد الاتفاق عبر تغريدةٍ له على "تويتر"، محذِّراً من خطورته. 
ولا يعارض بولتون، الذي يعتبر من عُتاة المحافظين الجدد، فكرة الاتفاق مع "طالبان" للوصول إلى السلام في أفغانستان بعد عقود من الحرب العبثية فيها، وبعد 18 سنة من الحرب الأميركية على هذا البلد، فحسب، بل يعارض خفض التوتر وحل النزاعات القائمة بين بلاده وبلدان عديدة، وفي مقدمتها كوريا الشمالية وكوبا وإيران. ومعروفٌ عن بولتون، منذ كان ضمن إدارة الرئيس الأسبق، جورج بوش الابن، عمله لتعزيز الوجود العسكري الأميركي في الخارج، ونشر القوات الأميركية على أوسع نطاق ممكن عبر العالم. ويُطلق على بولتون تسمية عرَّاب حرب العراق، بسبب دفعه باتجاه احتلال هذا البلد لتغيير نظام الحكم فيه، والسيطرة على ثرواته. وكان العراق وسورية وليبيا وكوبا وكوريا الشمالية وفنزويلا وإيران ضمن دائرة استهدافاته الدائمة، والتي كان يحث إدارته على غزوها أو على إضعاف أنظمتها، على أقل تقدير، من أجل تغييرها.
وحين أعاده ترامب إلى البيت الأبيض، وعيّنه مستشاراً له للأمن القومي، ضمن فريقٍ من محبّي 
الحرب، عادت أحلام المحافظين الجدد العدوانية إلى الحياة، بعد أن أخمدها الرئيس السابق، باراك أوباما. ورأى هؤلاء المحافظون، وعددٌ كبيرٌ من المراقبين والمتابعين في إعادة أحد أهم الصقور الجمهوريين محاولةً لإعادة العسكريتارية الأميركية التي سادت في أثناء حكم جورج بوش الذي استعدى جميع الدول، في محاولة لتطويعها، عملاً بمقولته التي أطلقها بعد هجمات "11 سبتمبر" في العام 2001، التي تعرضت لها بلاده، حين أعلن أن "من ليس معنا فهو ضدنا". ولكن ترامب أقال بولتون، في سبتمبر/أيلول الماضي، في خضم محادثات السلام مع "طالبان"، لمنعه من التأثير عليها وإلغائها. وترامب الذي تهيَّب كثيرون من تطرُّفه هاله تطرَّف الرجل، وتفاجأ في مدى عدوانيته، وعانى من ضغطه عليه لكي يُعلن الحروب على الدول التي تصنِّفها واشنطن مارقة، خصوصاً كوريا الشمالية وإيران. وتأتي الإقالة في ظل رؤية ترامب الحرب بين بلاده و"طالبان" المستمرة منذ 18 سنة أمراً مثيراً للسخرية، حسبما قال في أغسطس/ آب الماضي. وربما كان ملف إيران أيضاً دافعاً للرئيس لإقالته، بعدما حضَّر الأجواء لمواجهتها عسكرياً، المواجهة التي كادت أن تحدث مرتين.
وفي هذا الإطار، سيبقى تصريح ترامب حاضراً في الأذهان للدلالة على الدور التدميري الذي كان من الممكن أن يلعبه بولتون، لو بقي في منصبه وسايره الرئيس ونفّذ توصياته؛ إذ نقلت شبكة سي إن إن عن ترامب قوله لأصدقائه: "لو صار لبولتون ما أراد لكنا في حالة حرب في أماكن متعددة". كما نُقل عنه أنه كان دائماً يعمل على تهدئة بولتون المندفع نحو المواجهات العسكرية. لذلك أبعَدَ بولتون عن الاجتماعات التي تخص ملف التفاوض مع "طالبان"، وأهمها كان الاجتماع الذي عقد على أعلى مستوى في منتجع ترامب في ولاية نيوجرسي، في أغسطس/آب الماضي، لمناقشة مسودة الاتفاق، ولم يُدعَ بولتون لحضوره، على الرغم من حساسية موقعه الوظيفي.
من هنا، لم يتفاجأ أحد بتغريدة بولتون التي علَّق فيها على الاتفاق، قائلاً إنه يشكل خطراً على مواطني الولايات المتحدة داخل أميركا. ولكن كيف يمكن لاتفاق سلام أن يشكل خطراً؟ تلك واحدة من إبداعات، (أو ربما تخريفات) الرجل الذي لم تتحقق أحلامه في جر رئيسه لخوض حروب يرى من مصلحة بلاده خوضها، ويرى فيها منفعة لشعبه. فهل كان في حرب بلاده على أفغانستان منفعة لها، وهي الحرب التي كلفت الاقتصاد الأميركي أكثر من 700 مليار دولار، حسب وزارة الدفاع الأميركية. مع العلم أن هنالك من يتحدث عن أكثر من هذا الرقم، وآلاف القتلى من الجنود والمدنيين من الطرفين، في وقت لم تحقق فيه أي منفعة للأميركيين، ولم تتماشَ مع مصالح بلادهم؟
ويكفي القول إن الحرب لم تقضِ على حركة طالبان، وهو الهدف الرئيس للحرب الأطول في 
تاريخ الولايات المتحدة. بل على العكس، لو لم تتوصل الإدارة الأميركية إلى استنتاج أن هذه الحرب باتت عبثية لما عملت على خوض محادثات سلام على هامشها، ولا سعت إلى توقيع الاتفاق الذي جرى توقيعه لإنهائها. وتأتي معارضة بولتون للسلام انطلاقاً من حقيقة أن الحرب بالنسبة له عقيدة قبل أن تكون وسيلةً لتحقيق مصالح بلاده، عقيدةٌ لزيادة سيطرة أميركا على العالم، في حين يرى أن "الدبلوماسية مضيعةٌ للوقت".
ومهما قيل عن اتفاق السلام هذا، ومهما وُجِّهت إليه من انتقادات، أو جرى الحديث عن مصلحةٍ شخصيةٍ انتخابية لترامب في تحقيقه، أو أنه ليس اتفاقاً للسلام بل خطوة باتجاهه، يبقى أفضل من خيار الحرب التي لم تحقق أي هدفٍ من أهدافها. فكيف لو تسنى لبولتون تسعير هذه الحرب، أو شن حروب جديدة، كم كان سيمضي من السنين ليأتي رئيس آخر، ويتحدث عن سخافتها في محاولة لإخمادها؟ يومها ستتجاوز التكلفة تكلفة حرب أفغانستان، وستستمر سنوات ليست فترة الـ 18 سنة سوى فترة تمهيدٍ ناريٍّ قبل الاشتعال التام.
46A94F74-0E6B-4FEC-BFDA-803FB7C9ADA6
مالك ونوس

كاتب ومترجم سوري، نشر ترجمات ومقالات في صحف ودوريات سورية ولبنانية وخليجية، نقل إلى العربية كتاب "غزة حافظوا على إنسانيتكم" للمتضامن الدولي فيتوريو أريغوني، وصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.