07 ابريل 2022
كورونا والأمن القومي الإسرائيلي
تْجمع مراكز الأبحاث والدراسات الإسرائيلية على أن منطقة الشرق الأوسط لن تعود بعد جائحة كورونا كما كانت قبلها، فبالإضافة إلى الإجراءات التي اتخذتها لمواجهة انتشار الوباء، تتابع إسرائيل عن كثب ما يحدث في دول المنطقة، وتداعيات كورونا على استقرار تلك الدول وآثارها الآنية والبعيدة على إسرائيل، خصوصا أن الوباء ضرب المنطقة في وقت تمر فيه معظم الدول العربية بظروف اقتصادية وسياسية صعبة. تتابع الدوائر الاستخباراتية الإسرائيلية ما يحدث في كل دولة، ويتم نقاشه ودراسته من كل الجوانب في مجلس الأمن القومي، التابع لمكتب رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وترجح تلك الدراسات انهيار أنظمة وتراجع أخرى بسبب الفيروس.
وكانت الدوائر المختلفة، مع اكتشاف أول إصابات بفيروس كورونا في إسرائيل، قد بدأت بخطةٍ بدا أنها ترجمة لاستراتيجية صيغت لمواجهة الوباء قبل فقدان السيطرة عليه، مستفيدة مما حدث في أكثر من دولة، لا سيما الصين وإيران وإيطاليا، وتضمنت الاستراتيجية معظم الجوانب ذات الصلة بتماسك الدولة ومؤسساتها، كما الحفاظ على المناعة الفردية والمجتمعية للمجتمع الإسرائيلي، حيث تمت صياغة الاستراتيجية وكأن إسرائيل مقبلة على حرب كبيرة، فقد بدا واضحا الدور الكبير للجيش الإسرائيلي وللمؤسسات الإعلامية والاقتصادية، كما الدور البارز لرئيس الحكومة، وبطبيعة الحال لوزارة الصحة.
اقتصادياً، تزامن وصول الوباء إلى إسرائيل وهي تشهد وضعا اقتصاديا قويا، من حيث زيادة الإنتاج، والناتجين القومي والفردي، ومعدلات الدخل العالية مقارنة بأغلبية دول المنطقة، كما نسبة البطالة المتدنية. وبسبب مركزية الاقتصاد وأهميته في إسرائيل، خصوصا أنه سيكون أول ضحايا وباء كورونا، بسبب تعطل مرافق اقتصادية وإنتاجية وسياحية كثيرة، وارتفاع نسبة البطالة، حيث خسر أكثر من مائة ألف إسرائيلي أماكن عملهم في الأسبوع الأول من انتشار الوباء. ومن أجل
منع انهيار الاقتصاد الإسرائيلي، قللت الحكومة ومؤسسات مالية واقتصادية نسبة الفوائد على القروض الممنوحة للمواطنين، وشجعت الاقتصاد المنزلي، وطلبت من العمال الذين فقدوا أماكن عملهم التسجيل في مؤسسات التأمين الوطني لاستلام مخصصات البطالة، وذلك للحفاظ على الاقتصاد الإسرائيلي من الانهيار، على قاعدة اعتباره أحد عناصر المناعة الإسرائيلية في مرحلةٍ لا يعلم أحد ما بعدها. وقد تعطلت الحياة التعليمية والأكاديمية في كل المؤسسات الإسرائيلية، بالتزامن مع الزيادة المضطردة في حالات الإصابة بالفيروس، على الرغم من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة ووزارة الصحة من إغلاق تام للسياحة والفنادق ومنع السفر وفرض الحجر الصحي على عشرات الألوف من الإسرائيليين.
أمنياً، كان لافتا من البداية الدور الوظيفي الذي ألقاه رئيس الحكومة، نتنياهو، على المؤسسات والأذرع الأمنية المختلفة، وفي أول كلمة له إلى المجتمع اليهودي عن انتشار الوباء، وعد ببذل كل الجهود للحيلولة دون نجاح الوباء من شل الحياة. وقال إن سلاح الجو الإسرائيلي سيحل محل النقل والشحن الجوي والبحري للبضائع، لمنع حدوث أي نقص في السلع من جهة، وللحفاظ على عجلة الاقتصاد في الجانب الآخر. وأضاف نتنياهو، في الحديث نفسه، إن الجيش الإسرائيلي سيقوم بتعقيم الحافلات العامة والقطارات والمؤسسات العامة وتطهيرها، وظهر واضحا اهتمامه بدور الجيش الإسرائيلي في حرب كورونا.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي، نفتالي بينيت، قد أعلن، في العاشر من شهر مارس/آذار الجاري، أن وزارته استدعت حوالي ألفي جندي إسرائيلي من الاحتياط دفعة أولى، لينضموا إلى الأطقم العاملة في محاربة فيروس كورونا، خصوصا أن لاستدعاء الاحتياط وقعا صعبا وخاصا على المجتمع الإسرائيلي الذي اعتاد على سماع استدعاء الاحتياط فقط في الحروب العسكرية. ولم تمض أيام قليلة حتى أعلن نتنياهو أنه سيكلف جهاز المخابرات العامة (الشاباك) بمراقبة حاملي الفيروس عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة، على الرغم من حظر محكمة العدل العليا الإسرائيلية ذلك قبل سنوات، إلا بعد تمرير ذلك بتشريعات وقوانين في البرلمان (الكنيست)، ثم موافقة شخصية من صاحب الشأن.
وأعلنت وسائل إعلام إسرائيلية، في صبيحة 19 مارس/آذار الحالي، أن جهاز المخابرات الخارجية (الموساد) قام بتهريب مائة ألف جهاز فحص فيروس كورونا من دولة عربية خليجية لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، و"الموساد" هو المسؤول عن تنفيذ آلاف عمليات الاغتيال
والخطف لناشطين وعلماء وخبراء من معظم الدول، وإشراكه في مواجهة فيروس كورونا يعطي المؤسسة الأمنية أهمية كبرى في الوعي الجمعي للمجتمع اليهودي، خصوصا في ظل مرحلة مصيرية تعيشها إسرائيل مع انتشار وباء كورونا. وبعد ذلك الإعلان بساعات قليلة فقط، أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، عن البدء بحملة عسكرية أسماها "شعاع النور"، والتي تضمنت جملة من القرارات العسكرية، حيث أعلن عن دخول وحدات من السلاح البيولوجي والجرثومي الإسرائيلي للانضمام للحرب على كورونا. وأعلن كوخافي عن رفع جاهزية الجيش، والاستعداد للتدخل بشكل أكبر وأقوى. ومن المجالات التي سيتدخل فيها الجيش مرافقة بعض وحدات القوة البشرية أطفال وأولاد الأطقم الطبية الإسرائيلية العاملة في مواجهة كورونا ورعايتهم، وإيصال وحدات عسكرية أخرى المواد الغذائية والأدوية إلى الأسر المحتاجة، وذات الاحتياجات الخاصة وكبار السن، وفرز آلاف الجنود الآخرين لتطبيق منع الحركة وتحديدها في كل أنحاء إسرائيل، وحماية جنود آخرين سائقي الحافلات العامة الذين ينقلون حاملي الفيروس لحمايتهم من إصابتهم به. بالإضافة إلى وجود أكثر من خمسة آلاف جندي إسرائيلي في الحجر الصحي، أسوة بعشرات آلاف الإسرائيليين الآخرين المحجورين صحيا، بسبب شبهات اختلاطهم بحاملين للفيروس.
تأكيد المستويات السياسية والعسكرية، وحتى الصحية، على مركزية دور المؤسسات والأجهزة الأمنية الإسرائيلية المختلفة في الحرب على كورونا، في وقت يشعر فيه المجتمع الإسرائيلي بخطر كبير جرّاء استمرار انتشار الفيروس، يعطي المؤسسة الأمنية دورا مهما في كل مجالات الحياة وتفاصيلها في إسرائيل المدنية، قبل الأمنية والعسكرية، ويعيد إنتاج الوعي الذي أراده قادة المشروع الصهيوني، من جابوتنسكي وبن غوريون وموشي ديان وغيرهم، والذين اعتبروا الأجهزة الأمنية والجيش بمثابة البقرة المقدسة والممنوع انتقادها، وأنه لا مستقبل لإسرائيل بدون جيش قوي، كما عبر عن ذلك، في أكثر من مناسبة، موشي دايان وبن غوريون الذي قال، أمام حشد من الجنود الإسرائيليين بعد حرب العام 1948، إن إسرائيل بدون البندقية والقبعة الحديدية لن تتمكّن من بناء طوبة، ولا من غرس شجرة، في إشارة إلى إدخال الأمن والجيش في كل تفاصيل الحياة الإسرائيلية، لإنتاج وعي يصف إسرائيل بالجيش الذي له دولة، وبدون الجيش لا مستقبل لإسرائيل في المنطقة نهائيا، ما عمّق مكانة الجيش والأمن ومركزيتهما في وعي المجتمع الإسرائيلي. وهذا ما أعادت إسرائيل إنتاجه، في الأيام الأخيرة، مستغلة خوف المجتمع اليهودي من كورونا، ليطمئن على إجراءات حكومته في مواجهتها الفيروس، طالما أن الجيش يقوم بالحرب عليها. وفي الوقت نفسه تفهم أي فشل مستقبلي في مواجهة كورونا وحصاره، طالما أن الجيش قاد تلك الحرب، وبذلك يعود الجيش (والأمن) ليصبح البقرة المقدسة في الوعي العام، وفي الوقت نفسه، أن يكون الجيش جدارا يحتمي خلفه القادة ونتنياهو مستقبلا في حال تم تشكيل لجنة تحقيق للإخفاق في السيطرة السريعة على الوباء.
اقتصادياً، تزامن وصول الوباء إلى إسرائيل وهي تشهد وضعا اقتصاديا قويا، من حيث زيادة الإنتاج، والناتجين القومي والفردي، ومعدلات الدخل العالية مقارنة بأغلبية دول المنطقة، كما نسبة البطالة المتدنية. وبسبب مركزية الاقتصاد وأهميته في إسرائيل، خصوصا أنه سيكون أول ضحايا وباء كورونا، بسبب تعطل مرافق اقتصادية وإنتاجية وسياحية كثيرة، وارتفاع نسبة البطالة، حيث خسر أكثر من مائة ألف إسرائيلي أماكن عملهم في الأسبوع الأول من انتشار الوباء. ومن أجل
أمنياً، كان لافتا من البداية الدور الوظيفي الذي ألقاه رئيس الحكومة، نتنياهو، على المؤسسات والأذرع الأمنية المختلفة، وفي أول كلمة له إلى المجتمع اليهودي عن انتشار الوباء، وعد ببذل كل الجهود للحيلولة دون نجاح الوباء من شل الحياة. وقال إن سلاح الجو الإسرائيلي سيحل محل النقل والشحن الجوي والبحري للبضائع، لمنع حدوث أي نقص في السلع من جهة، وللحفاظ على عجلة الاقتصاد في الجانب الآخر. وأضاف نتنياهو، في الحديث نفسه، إن الجيش الإسرائيلي سيقوم بتعقيم الحافلات العامة والقطارات والمؤسسات العامة وتطهيرها، وظهر واضحا اهتمامه بدور الجيش الإسرائيلي في حرب كورونا.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي، نفتالي بينيت، قد أعلن، في العاشر من شهر مارس/آذار الجاري، أن وزارته استدعت حوالي ألفي جندي إسرائيلي من الاحتياط دفعة أولى، لينضموا إلى الأطقم العاملة في محاربة فيروس كورونا، خصوصا أن لاستدعاء الاحتياط وقعا صعبا وخاصا على المجتمع الإسرائيلي الذي اعتاد على سماع استدعاء الاحتياط فقط في الحروب العسكرية. ولم تمض أيام قليلة حتى أعلن نتنياهو أنه سيكلف جهاز المخابرات العامة (الشاباك) بمراقبة حاملي الفيروس عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة، على الرغم من حظر محكمة العدل العليا الإسرائيلية ذلك قبل سنوات، إلا بعد تمرير ذلك بتشريعات وقوانين في البرلمان (الكنيست)، ثم موافقة شخصية من صاحب الشأن.
وأعلنت وسائل إعلام إسرائيلية، في صبيحة 19 مارس/آذار الحالي، أن جهاز المخابرات الخارجية (الموساد) قام بتهريب مائة ألف جهاز فحص فيروس كورونا من دولة عربية خليجية لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، و"الموساد" هو المسؤول عن تنفيذ آلاف عمليات الاغتيال
تأكيد المستويات السياسية والعسكرية، وحتى الصحية، على مركزية دور المؤسسات والأجهزة الأمنية الإسرائيلية المختلفة في الحرب على كورونا، في وقت يشعر فيه المجتمع الإسرائيلي بخطر كبير جرّاء استمرار انتشار الفيروس، يعطي المؤسسة الأمنية دورا مهما في كل مجالات الحياة وتفاصيلها في إسرائيل المدنية، قبل الأمنية والعسكرية، ويعيد إنتاج الوعي الذي أراده قادة المشروع الصهيوني، من جابوتنسكي وبن غوريون وموشي ديان وغيرهم، والذين اعتبروا الأجهزة الأمنية والجيش بمثابة البقرة المقدسة والممنوع انتقادها، وأنه لا مستقبل لإسرائيل بدون جيش قوي، كما عبر عن ذلك، في أكثر من مناسبة، موشي دايان وبن غوريون الذي قال، أمام حشد من الجنود الإسرائيليين بعد حرب العام 1948، إن إسرائيل بدون البندقية والقبعة الحديدية لن تتمكّن من بناء طوبة، ولا من غرس شجرة، في إشارة إلى إدخال الأمن والجيش في كل تفاصيل الحياة الإسرائيلية، لإنتاج وعي يصف إسرائيل بالجيش الذي له دولة، وبدون الجيش لا مستقبل لإسرائيل في المنطقة نهائيا، ما عمّق مكانة الجيش والأمن ومركزيتهما في وعي المجتمع الإسرائيلي. وهذا ما أعادت إسرائيل إنتاجه، في الأيام الأخيرة، مستغلة خوف المجتمع اليهودي من كورونا، ليطمئن على إجراءات حكومته في مواجهتها الفيروس، طالما أن الجيش يقوم بالحرب عليها. وفي الوقت نفسه تفهم أي فشل مستقبلي في مواجهة كورونا وحصاره، طالما أن الجيش قاد تلك الحرب، وبذلك يعود الجيش (والأمن) ليصبح البقرة المقدسة في الوعي العام، وفي الوقت نفسه، أن يكون الجيش جدارا يحتمي خلفه القادة ونتنياهو مستقبلا في حال تم تشكيل لجنة تحقيق للإخفاق في السيطرة السريعة على الوباء.