23 اغسطس 2024
عن انسحاب الإمارات من اليمن
تتوالى تصريحات إعلامية عن سحب الإمارات قواتها العاملة ضمن ما يسمّى التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن، وكلها المباشرة وغير المباشرة، حققت هدفها المقصود منها سريعاً، وهو إشاعة هالة إعلامية كبيرة بشأن الحدث وإعطائه حجماً إعلامياً أكبر من حجمه وحقيقته. ماذا وراء هذه التصريحات؟ وما حقيقة الانسحاب؟ ولماذا في هذا التوقيت؟ وما علاقته بالتصعيد الإيراني في المنطقة، وما تأثير ذلك كله على سير الحرب والسلام في اليمن، وما تداعياته على مسمى التحالف العربي، وهل ثمّة علاقة ما لهذه التصريحات باحتمال اتفاق إماراتي إيراني من خلف الكواليس.
يجرى الحديث عن انسحاب عسكري إماراتي من اليمن، وكأن ثمّة فعلاً قوات إماراتية عسكرية كبيرة في اليمن، مع أن الأمر لا يتعدى مجرد وجود أعداد قليلة، ضباط ومدربين واستشاريين في غير ميدان المعركة، وإنما في قواعد عسكرية محصنة وآمنة، وخصوصاً بعد حادثة صرواح التي راح ضحيتها نحو 45 عسكرياً إماراتياً في سبتمبر/ أيلول 2015، بفعل ضربة صاروخية للانقلابيين لمعسكر صحن الجن في مأرب، وعلى إثرها خففت الإمارات وجودها بشكل كبير حينها، فضلاً عن إعلان الإمارات انسحابها من اليمن قبل عام، قبل أن تنفي ذلك حينها.
وفي المجمل، يمكن القول إن هذه التصريحات تأتي في ظروف حسّاسة، تمر بها المنطقة، في
مقدمتها التصعيد الأميركي الإيراني، وتهديدات طهران التي قابلها برود أميركي واضح، ينبئ عن تراجع في الدور الأميركي كثيراً في منطقة الخليج في عهد الرئيس الحالي ترامب، وقبله أوباما، في مقابل تعاظم الدور الإيراني، وأذرعها في المنطقة.
وقبل هذا كله، لا يخفى على المراقب مدى العلاقات الإيرانية الإماراتية، وما قد يترتب عليها من ترتيب مسبق لطبيعة الأدوار التي تلعبها أبوظبي، خصوصاً أن طبيعة هذه العلاقات ظلت فاعله وطبيعية، ولم يشبها أي تصعيد، على الرغم من الحرب في اليمن، فقد ظلت العلاقات الاقتصادية قائمة، باعتبار الإمارات منفذاً مهماً للاقتصاد الإيراني على العالم، كما أن حجم التبادل التجاري بين البلدين، والذي يتجاوز العشرين مليار دولار سنوياً، فضلاً عن حجم الجالية الإيرانية في الإمارات، والتي يفوق عددها نصف مليون إيراني، والذين يلعبون دوراً اقتصادياً وسياسياً كبيراً هناك.
تؤكّد هذه المعلومات أن ثمة تواصلاً ما بين الإمارات وإيران فيما يتعلق بالملف اليمني تحديداً، تمثل بعدم وجود أي توتر إعلامي، وبحالة التخادم القائمة بين مليشيات الطرفين في اليمن، وفي مقدمتها ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي، وكان ذراعاً إيرانياً بداية في الجنوب، تم تدريب أفراده في معسكرات المليشيات في صعدة قبل الانقلاب، فضلاً عن وجود تحالف سياسي بين جماعة الحوثي والحراك الانفصالي الذين رحّبوا كثيراً بالانقلاب وباركوه، ووقفوا موقف المتفرج من مليشيات الحوثي، وهي تجتاح الجنوب، ولم يقاتلهم ويقاومهم حينها سوى السلفيين والإصلاحيين، وحراكيين قليلين، فينا ظل الانفصاليون في حياد تجاه الحوثي.
إذن، ثمّة علامات استفهام بشأن موضوع الانسحاب المتحدث عنه، خصوصاً أن وجود الإمارات لم يكن بتلك القوة العسكرية الكبيرة، وأنها (الإمارات) عملت، طوال الفترة الماضية، على تدريب مليشيات مسلحة، وكلها تعمل خارج كيان مؤسسات الدولة اليمنية الأمنية والعسكرية، كالنخب والأحزمة الأمنية التي لا تعترف بشرعية الدولة اليمنية التي تشكّل التحالف العربي لاستعادتها. ما يعني أن تصريحات أبوظبي الإعلامية عن انسحاب ليست سوى مرحلة جديدة للسياسات الإماراتية في اليمن، تدشنها بحديث عن الانسحاب العسكري، فيما الحقيقة أنها مرحلة فوضى، ستطلقها الإمارات، من خلال مليشياتها وأتباعها الذين بدأوا بتدشين مرحلتهم
بالسيطرة والاستحواذ على مؤسسات الدولة في العاصمة المؤقتة عدن وغيرها. وتمثل تدشين هذه المرحلة أيضاً بالحديث عن التحول من استراتيجية الحسم العسكري أولاً إلى خطة السلام أولاً، بحسب متحدث إماراتي، وهو ما يعني أن الإمارات، بهذه الخطة، وضعت الرياض في مأزق حقيقي، فيما يتعلق بتحمّلها كل تداعيات الحرب والسلام في اليمن، وهروب الإمارات من تحمّل هذه التداعيات التي ارتكبتها سياسات الإمارات، والمتمثلة بعدم السماح للحكومة اليمنية بالعودة إلى عدن، وتمكينها من مؤسساتها الأمنية والعسكرية والمدنية من مطارات وموانئ ومنافذ وغيرها، فقد كانت السياسات الإماراتية واضحة منذ لحظة البداية، أنها ضد كل ما له علاقة بالشرعية اليمنية، وتمثل ذلك في دعم وإنشاء مليشيات خارج مؤسسات الدولة، جنوباً وشمالاً، والحديث اليوم عن خطة الانسحاب ليس سوى تدشين مرحلة الفوضى العارمة، والهروب من أي تحمّل للمسؤولية، ومحاولة التنصل المبكر من التداعيات، خصوصاً وأن سمعة الإمارات غدت سيئة محلياً وخارجياً، بفعل سياساتها العبثية والعدوانية تجاه كل ما له علاقة بثورات الحرية والكرامة والديمقراطية.
هل سيكون لإعلان أبوظبي الانسحاب أي تداعيات على الحرب والسلام في اليمن؟ قضية الحرب والسلام داخلية بحتة، على الرغم من أنه تم تحويلها إلى صراع إقليمي، وإذا ما رفع الفاعلون الإقليميون أيديهم عن المشهد في اليمن، فذلك لا يعني انتهاء الحرب، بالنظر إلى أن القضية اليمنية واضحة في أنها قضية انقلاب طائفي أقلوي، ضد شرعية شعبية دستورية، وأن عدم اسقاط الانقلاب يعني استمرار الحرب وتعقدها.
أما التحالف العربي فلم يعد منه سوى العربية السعودية، بعد إعلان الإمارات انسحابها، وهذا يعد فشلاً سعودياً كبيراً، وقعت فيه المملكة، بفعل تسليمها الإمارات إدارة الحرب، وتحديد أدواتها طوال الأعوام الماضية، ما سهّل للإمارات أن تتحكّم بمسار المعركة، ومسار الوصول إلى هذه النهاية التي وضعت السعودية في مأزقٍ كبير أمام أمنها القومي وأمام اليمنيين وأمام المجتمع الدولي ككل.
يجرى الحديث عن انسحاب عسكري إماراتي من اليمن، وكأن ثمّة فعلاً قوات إماراتية عسكرية كبيرة في اليمن، مع أن الأمر لا يتعدى مجرد وجود أعداد قليلة، ضباط ومدربين واستشاريين في غير ميدان المعركة، وإنما في قواعد عسكرية محصنة وآمنة، وخصوصاً بعد حادثة صرواح التي راح ضحيتها نحو 45 عسكرياً إماراتياً في سبتمبر/ أيلول 2015، بفعل ضربة صاروخية للانقلابيين لمعسكر صحن الجن في مأرب، وعلى إثرها خففت الإمارات وجودها بشكل كبير حينها، فضلاً عن إعلان الإمارات انسحابها من اليمن قبل عام، قبل أن تنفي ذلك حينها.
وفي المجمل، يمكن القول إن هذه التصريحات تأتي في ظروف حسّاسة، تمر بها المنطقة، في
وقبل هذا كله، لا يخفى على المراقب مدى العلاقات الإيرانية الإماراتية، وما قد يترتب عليها من ترتيب مسبق لطبيعة الأدوار التي تلعبها أبوظبي، خصوصاً أن طبيعة هذه العلاقات ظلت فاعله وطبيعية، ولم يشبها أي تصعيد، على الرغم من الحرب في اليمن، فقد ظلت العلاقات الاقتصادية قائمة، باعتبار الإمارات منفذاً مهماً للاقتصاد الإيراني على العالم، كما أن حجم التبادل التجاري بين البلدين، والذي يتجاوز العشرين مليار دولار سنوياً، فضلاً عن حجم الجالية الإيرانية في الإمارات، والتي يفوق عددها نصف مليون إيراني، والذين يلعبون دوراً اقتصادياً وسياسياً كبيراً هناك.
تؤكّد هذه المعلومات أن ثمة تواصلاً ما بين الإمارات وإيران فيما يتعلق بالملف اليمني تحديداً، تمثل بعدم وجود أي توتر إعلامي، وبحالة التخادم القائمة بين مليشيات الطرفين في اليمن، وفي مقدمتها ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي، وكان ذراعاً إيرانياً بداية في الجنوب، تم تدريب أفراده في معسكرات المليشيات في صعدة قبل الانقلاب، فضلاً عن وجود تحالف سياسي بين جماعة الحوثي والحراك الانفصالي الذين رحّبوا كثيراً بالانقلاب وباركوه، ووقفوا موقف المتفرج من مليشيات الحوثي، وهي تجتاح الجنوب، ولم يقاتلهم ويقاومهم حينها سوى السلفيين والإصلاحيين، وحراكيين قليلين، فينا ظل الانفصاليون في حياد تجاه الحوثي.
إذن، ثمّة علامات استفهام بشأن موضوع الانسحاب المتحدث عنه، خصوصاً أن وجود الإمارات لم يكن بتلك القوة العسكرية الكبيرة، وأنها (الإمارات) عملت، طوال الفترة الماضية، على تدريب مليشيات مسلحة، وكلها تعمل خارج كيان مؤسسات الدولة اليمنية الأمنية والعسكرية، كالنخب والأحزمة الأمنية التي لا تعترف بشرعية الدولة اليمنية التي تشكّل التحالف العربي لاستعادتها. ما يعني أن تصريحات أبوظبي الإعلامية عن انسحاب ليست سوى مرحلة جديدة للسياسات الإماراتية في اليمن، تدشنها بحديث عن الانسحاب العسكري، فيما الحقيقة أنها مرحلة فوضى، ستطلقها الإمارات، من خلال مليشياتها وأتباعها الذين بدأوا بتدشين مرحلتهم
هل سيكون لإعلان أبوظبي الانسحاب أي تداعيات على الحرب والسلام في اليمن؟ قضية الحرب والسلام داخلية بحتة، على الرغم من أنه تم تحويلها إلى صراع إقليمي، وإذا ما رفع الفاعلون الإقليميون أيديهم عن المشهد في اليمن، فذلك لا يعني انتهاء الحرب، بالنظر إلى أن القضية اليمنية واضحة في أنها قضية انقلاب طائفي أقلوي، ضد شرعية شعبية دستورية، وأن عدم اسقاط الانقلاب يعني استمرار الحرب وتعقدها.
أما التحالف العربي فلم يعد منه سوى العربية السعودية، بعد إعلان الإمارات انسحابها، وهذا يعد فشلاً سعودياً كبيراً، وقعت فيه المملكة، بفعل تسليمها الإمارات إدارة الحرب، وتحديد أدواتها طوال الأعوام الماضية، ما سهّل للإمارات أن تتحكّم بمسار المعركة، ومسار الوصول إلى هذه النهاية التي وضعت السعودية في مأزقٍ كبير أمام أمنها القومي وأمام اليمنيين وأمام المجتمع الدولي ككل.