28 ديسمبر 2021
صفقة انفضاح الخداع... والمسؤولية الفلسطينية
يختزل العهد الأول لدونالد ترامب، رئيسا للولايات المتحدة، الأكثر قربا من إسرائيل، الكيان الكولونيالي الاستيطاني في فلسطين، أكثر من 71 عاما على نشوء المسألة الفلسطينية، كي يقر بما حاولت الإدارات الأميركية المتعاقبة أن ترسيه من وقائع كولونيالية، تحفظ لكيان الاحتلال الاستيطاني وجوده وتفوّقه فوق أرض الوطن الفلسطيني، بكل ما تحمّله شعب هذا الوطن من نكبات وتشريد ومجازر واعتداءات ومظالم عدوانية ضد الأرض والناس والهوية والثقافة والحقوق الوطنية والإنسانية؛ وهو ما لم ولا ولن ينسجم مع قيم المجتمعات البشرية السوية وأخلاقياتها وشرائعها، وإن شهدت المجتمعات السياسية الدولية تحيّزات لا حصر لها، تنسجم مع المصالح والتطلعات المنحازة للعلاقات الزبائنية، الأمر الذي أوجد وما زال فروقا فاضحة، بين ما ينبغي أن تكون عليه الأوضاع العامة، على الصعد المحلية والإقليمية والدولية، وما مضت إليه تلك الأوضاع من اختلالات واختراقات في التوازنات التي أفقدت عالمنا نصاعة المبادئ والقيم والأخلاقيات، وقد لوثتها قيم العنصرية وأنظمة الاستبداد والديكتاتوريات، و"إمبرياليات" التخلف الصغرى، وعوالم رجعيات المال والأعمال، والفساد والنهب المنظم وغير المنظم لثروات الشعوب.
خلال عام، أنجزت إدارة ترامب معظم ما أناط اليمين الشعبوي العنصري العالمي، وفي طليعته الأميركي، من مهام تحقيق تطلعات كيان الاحتلال الكولونيالي في فلسطين، من الاعتراف بالقدس عاصمة له، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بسيادة الاحتلال على الجولان، والدعوة إلى إلغاء وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين
الفلسطينيين (أونروا)، بما يعنيه ذلك من إنهاء قضية حق عودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم. وهذا كله من دون أن تدفع إسرائيل أي ثمن في المقابل؛ بل وأكثر من ذلك هناك محاولات لجعل معظم أراضي الضفة الغربية جزءا من مخطط الاستيطان والضم والإلحاق وإتمام عملية الأسرلة، وهذا هو جوهر الرؤية اليمينية الإسرائيلية، وخطة ترامب لتصفية القضية الوطنية الفلسطينية، وإبعادها عن منظورها الوطني ودوائرها المفترض أن تستظل بها درعا حاميا وسندا لها يرد كيد الأعادي، ولكن الدرع والسند، في هذا الوقت بالتحديد، ونتيجة الانقلابات الدولية والإقليمية المفاجئة، تحول إلى درع وسند لإسرائيل لا لفلسطين، في ظل استفراد أميركي بات يتضح كل يوم، أنه "سيد المواقف" التي يُراد لكل القوى الإقليمية تبنيها واللحاق بها، والخضوع لأمر عمليات ذاك الاستفراد، وهو يندفع، في هجومه المالي والسياسي والاقتصادي والتجاري، تجاه العالم.
أما في الواقع الوطني الفلسطيني، فهناك ما يمكن توصيفه بأكثر من الاستهتار، واللاأدرية، وغياب الحضور أو التزام المسؤولية العليا بما تحتّمه من ضرورة توحيد عناصر المقاومة الشعبية والسياسية والجماهيرية والتنظيمية، وتأطيرها في جبهة متراصّة، تقاوم كل ما يراد للقضية الوطنية الفلسطينية أن تصبح عليه من هباء منثور في فضاءات عالم لم يعد يبالي بغير مصالحه الذاتية الخاصة، حتى أشقاء للفلسطينيين، باتوا يغرّدون في سرب الأعداء، نافضين عن كواهلهم كل مسؤولية وطنية أو قومية، وكأن الفلسطينيين باتوا من شعوب عالم رابع، لا تربطهم أي رابطةٍ بعرب اليوم، فقد نجح استبداديونا وديكتاتوريو أنظمتنا الرسمية في تحقيق نقلتهم الأخيرة من "جيرة الدار الواحدة" إلى حيرة "الانتماءات الواعدة"، انعكاسا لوحدة حال أصحاب المال وسلطة الاستبداد والفساد؛ الحيرة المحسومة سلفا للأقوى في المنطقة والعالم، حيث الهيمنة والنفوذ لم يعودا يتساوقان مع العدالة والنزاهة وقيم الحقوق والمنطق الإنساني الأرقى، قدر انحيازهما لقيم الزبائنية المنحطّة، كما بدت وتتبدّى اليوم في عصر معولم ومخادع.
وعلى سيرة الخداع الذي يجري في صلب الصفقة الترامبية، وعلى هامشها، تساءل تسفي برئيل (هآرتس 19/6/2019) عما هو الخداع الإسرائيلي: مهارة مكتسبة أم صفة منذ الولادة؟ ليقرّر أنه يمكن الاتفاق على أمر واحد .. إنه خديعة تكبر وتنمو وتتحول إلى سياسة. هذا هو الأساس الذي بنى عليه المستوطنون نظرية تمدّدهم التي استندت إلى بناء البؤر الاستيطانية غير القانونية، وعلى الفصل المشوّه بين سرقة أراض منهجية تسمى "استيطانا"، وسرقة عرضية تسمّى "بؤراً استيطانية". ولكن الآن جاء دور مهرجان الكذب الجديد، ذروة الإنجازات لتنظيم الاستيطان وهي ضم مناطق ج. وربما أبعد من ذلك؛ بمعنى ضم معظم الضفة الغربية تحت المسمّى التوراتي: "يهودا والسامرة".
وعلى المنوال المخادع نفسه، تنسج إدارة ترامب خططها ومخططاتها، مستندة لسياسات اليمين الإسرائيلي المتطرّف، وقد أحال مجموع مواقفه إلى مواقف إسرائيلية – أميركية مشتركة
ومتماهية، على أمل النجاح في توفير بيئةٍ تساعد على نجاح المواقف أو الرؤى أو التوجهات والتوجيهات، وصولا إلى الفوز بحل لاسياسي، هو جوهر الصفقة التي يعد بها ترامب وأركان إدارته. ويبدو أن "ورشة البحرين" لن تتعدّى كونها أكثر من بروفة سياسية - اقتصادية فاشلة، قبل أن تبدأ، وحتى بعد أن انتهت، الأمر الذي لا يمكنه أن ينجح في التمهيد لما هو سياسي في مضمون الصفقة، فما بني على الخداع والخديعة لن ينتج غير مزيد من الخدع الكولونيالية، وهي التي عادة لا تجد من يستجيب لها وينخدع بها؛ سوى الذين يحلمون أو يتوهمون أنهم يمكن أن يتوصلوا إلى تحقيق "حلول سياسية" بطرق غير سياسية، ولا دبلوماسية ولا تفاوضية حتى.
لذلك وعلى خلفية المشهد المائع، ليس عبثا قول المبعوث الأميركي، جيسون غرينبلات، في مؤتمر صحيفة جيروزاليم بوست في نيويورك يوم السادس عشر من يونيو/ حزيران الجاري، إنه يمكن أن يتأجل الإعلان عن الجانب السياسي من الصفقة الترامبية إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية في سبتمبر/ أيلول المقبل، وتشكيل حكومة إسرائيلية جديدة، وهكذا يستمر مسلسل التأجيل، نظرا للقناعة الراسخة بعدم جدوى الوصول إلى حلول ناجعة ممكنة، في حال انعقد "مؤتمر الصفقة" في موعدٍ قد يتفق عليه. ولكن ونظرا لحال قوى اليمين الإسرائيلي وتشتتها وإمكانية فشلها مرة أخرى في التوصل إلى تشكيل حكومة يمينية منسجمة، ربما تفقد القدرة على تحديد موعد نهائي وأخير، كما أن واشنطن ليست في صدد المغامرة بعقد صفقةٍ ليست أكيدة من نجاحها، وهي غير قادرة على إنجاحها، نظرا إلى عدم قدرة الحليف الإسرائيلي على "التضحية" ولو ببعض الفتات لمصلحة الطرف الفلسطيني، غير القادر، للأسف، على تجميع قواه وتنسيق مواقفه مع بعض أشقائه العرب؛ أقله كما تنجح السلطة في تنسيق قواها مع الاحتلال في الضفة، وكما تنجح حركة حماس في تنسيق قواها مع النظام المصري.
من هنا يفتقد طرفا الانقسام الفلسطيني قابلية إدارة الصراع مع الاحتلال، كما إدارة سياساتهما تجاه واقع حال سلطتيهما وإدارتهما شؤونهما؛ ما أفقد الطرفين ويفقدهما قدرتهما وإمكانات
مواجهتهما مهام اللحظة السياسية الوطنية التي تتطلب وحدة قوى سياسية وطنية على قاعدة استراتيجيا كفاحية تحرّرية، بات يفتقدها الوضع الوطني الفلسطيني منذ تداعيات "أوسلو" وحتى اللحظة التي دشنها الانقسام، وها هو يدشن لحظة مأساوية أخرى في مواجهة مخطط التصفية الترامبي، وهو ينجح اليوم في ضم حلفاء التبعية الإقليمية إلى صفه وصف المشروع التوراتي، وهو يحقق اختراقا تاريخيا بفعل استبداد وهيمنة سلطويات وقوى المال والثروة والثورة المضادّة التي باتت تقود مسلسل النكوص والتراجعات، والانكشاف المفضوح لـ "الانتماءات الواعدة" إلى صف قوى الهيمنة والاستتباع، وهي تغذّي جبهة الأعداء بكل ما يساعدها ويدعمها في معاركها المصيرية ضد أوطان الشعوب المنهوبة والمجتمعات المنكوبة، المقهورة والمقبورة هنا، كما في المنافي والبلاد البعيدة.
خلال عام، أنجزت إدارة ترامب معظم ما أناط اليمين الشعبوي العنصري العالمي، وفي طليعته الأميركي، من مهام تحقيق تطلعات كيان الاحتلال الكولونيالي في فلسطين، من الاعتراف بالقدس عاصمة له، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بسيادة الاحتلال على الجولان، والدعوة إلى إلغاء وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين
أما في الواقع الوطني الفلسطيني، فهناك ما يمكن توصيفه بأكثر من الاستهتار، واللاأدرية، وغياب الحضور أو التزام المسؤولية العليا بما تحتّمه من ضرورة توحيد عناصر المقاومة الشعبية والسياسية والجماهيرية والتنظيمية، وتأطيرها في جبهة متراصّة، تقاوم كل ما يراد للقضية الوطنية الفلسطينية أن تصبح عليه من هباء منثور في فضاءات عالم لم يعد يبالي بغير مصالحه الذاتية الخاصة، حتى أشقاء للفلسطينيين، باتوا يغرّدون في سرب الأعداء، نافضين عن كواهلهم كل مسؤولية وطنية أو قومية، وكأن الفلسطينيين باتوا من شعوب عالم رابع، لا تربطهم أي رابطةٍ بعرب اليوم، فقد نجح استبداديونا وديكتاتوريو أنظمتنا الرسمية في تحقيق نقلتهم الأخيرة من "جيرة الدار الواحدة" إلى حيرة "الانتماءات الواعدة"، انعكاسا لوحدة حال أصحاب المال وسلطة الاستبداد والفساد؛ الحيرة المحسومة سلفا للأقوى في المنطقة والعالم، حيث الهيمنة والنفوذ لم يعودا يتساوقان مع العدالة والنزاهة وقيم الحقوق والمنطق الإنساني الأرقى، قدر انحيازهما لقيم الزبائنية المنحطّة، كما بدت وتتبدّى اليوم في عصر معولم ومخادع.
وعلى سيرة الخداع الذي يجري في صلب الصفقة الترامبية، وعلى هامشها، تساءل تسفي برئيل (هآرتس 19/6/2019) عما هو الخداع الإسرائيلي: مهارة مكتسبة أم صفة منذ الولادة؟ ليقرّر أنه يمكن الاتفاق على أمر واحد .. إنه خديعة تكبر وتنمو وتتحول إلى سياسة. هذا هو الأساس الذي بنى عليه المستوطنون نظرية تمدّدهم التي استندت إلى بناء البؤر الاستيطانية غير القانونية، وعلى الفصل المشوّه بين سرقة أراض منهجية تسمى "استيطانا"، وسرقة عرضية تسمّى "بؤراً استيطانية". ولكن الآن جاء دور مهرجان الكذب الجديد، ذروة الإنجازات لتنظيم الاستيطان وهي ضم مناطق ج. وربما أبعد من ذلك؛ بمعنى ضم معظم الضفة الغربية تحت المسمّى التوراتي: "يهودا والسامرة".
وعلى المنوال المخادع نفسه، تنسج إدارة ترامب خططها ومخططاتها، مستندة لسياسات اليمين الإسرائيلي المتطرّف، وقد أحال مجموع مواقفه إلى مواقف إسرائيلية – أميركية مشتركة
لذلك وعلى خلفية المشهد المائع، ليس عبثا قول المبعوث الأميركي، جيسون غرينبلات، في مؤتمر صحيفة جيروزاليم بوست في نيويورك يوم السادس عشر من يونيو/ حزيران الجاري، إنه يمكن أن يتأجل الإعلان عن الجانب السياسي من الصفقة الترامبية إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية في سبتمبر/ أيلول المقبل، وتشكيل حكومة إسرائيلية جديدة، وهكذا يستمر مسلسل التأجيل، نظرا للقناعة الراسخة بعدم جدوى الوصول إلى حلول ناجعة ممكنة، في حال انعقد "مؤتمر الصفقة" في موعدٍ قد يتفق عليه. ولكن ونظرا لحال قوى اليمين الإسرائيلي وتشتتها وإمكانية فشلها مرة أخرى في التوصل إلى تشكيل حكومة يمينية منسجمة، ربما تفقد القدرة على تحديد موعد نهائي وأخير، كما أن واشنطن ليست في صدد المغامرة بعقد صفقةٍ ليست أكيدة من نجاحها، وهي غير قادرة على إنجاحها، نظرا إلى عدم قدرة الحليف الإسرائيلي على "التضحية" ولو ببعض الفتات لمصلحة الطرف الفلسطيني، غير القادر، للأسف، على تجميع قواه وتنسيق مواقفه مع بعض أشقائه العرب؛ أقله كما تنجح السلطة في تنسيق قواها مع الاحتلال في الضفة، وكما تنجح حركة حماس في تنسيق قواها مع النظام المصري.
من هنا يفتقد طرفا الانقسام الفلسطيني قابلية إدارة الصراع مع الاحتلال، كما إدارة سياساتهما تجاه واقع حال سلطتيهما وإدارتهما شؤونهما؛ ما أفقد الطرفين ويفقدهما قدرتهما وإمكانات