05 أكتوبر 2024
شعبوية ترامب وتراجع القوة الأميركية
بشار نرش
منذ خطابه الأول بعد تسلمه الرئاسة في الولايات المتحدة، رفع ترامب شعار "أميركا أولاً"، والذي عبّر عن توجهات اليمين الشعبوي الأميركي، ذي المفاهيم العرقية والقومية، والناقم على النخب السياسية والمؤسسات المرتبطة بها.
اتسم هذا النمط الجديد من القيادة بالارتجال والديماغوجية، وجاء مستنداً إلى عدائه وهجومه على المؤسسات والنخبة التقليدية من الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، متخطياً نظام الثنائية الحزبية، وقافزاً على الأعراف والتقاليد السياسية التقليدية ليؤسس لمرحلة "ثلاثية" تعبر عن أفكار اليمين الشعبوي المتطرّف، في مواجهة اليمين التقليدي المحافظ، الذي يمثله الحزب الجمهوري، واليسار التقدمي الليبرالي، الذي يمثله الحزب الديمقراطي.
وشهدت سنوات رئاسته تجاذبات سياسية واقتصادية واجتماعية كثيرة في الداخل الأميركي، وفي سياسته الخارجية، والتي هزّت الداخل الأميركي والعالم، من إلغاء نظام "أوباما كير"، والانسحاب من اتفاقية المناخ، والانسحاب من منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو)، وتعديل نظام الهجرة، ومنع دخول مواطني عدّة دول مسلمة الولايات المتحدة، وبناء الجدار مع المكسيك، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، والانسحاب من معاهدة الصواريخ الباليستية مع روسيا، والانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وتعديل اتفاق "نافتا" مع كندا والمكسيك، وقد أثارت هذه الإجراءات الداخلية والخارجية حالاتٍ من الارتياب والتساؤل عن الأسلوب الذي تدار به دفّة السلطة في الولايات المتحدة، وعن الدور الجديد لأميركا في العالم.
ويمكن القول إنّ ترامب، في سياسته الخارجية، يتبنّى عقيدة تستند إلى مفهوم براغماتي مصلحي، نابعة من عقلية رجل الأعمال الذي يتعامل بمنطق الربح والخسارة، تقوم على مبدأ الصفقة في
التعامل مع القضايا الخارجية، وخصوصا مع الحلفاء، بحيث تربط بين حجم الانخراط في القضايا الخارجية ومقدار المنافع الاقتصادية التي يجلبها هذا الانخراط للولايات المتحدة الأميركية، فكلما كانت المنافع أكبر كان الانخراط أكبر وأعمق. وبهذه العقيدة، يتجه الرئيس ترامب نحو بناء نظام سياسي إقليمي ودولي يستند إلى مبدأ إعادة صياغة التحالفات القديمة، وبناء تحالفات جديدة تكون فيها الولايات المتحدة في موقع المنتفع المجاني، بحيث يتحمّل الحلفاء والشركاء ما يتطلبه استمرار تلك التحالفات والشراكات من موارد تعزّز القوة الأميركية وتدعمها، وهذا ما طبقه ترامب مع دول الخليج، وخصوصا مع العربية السعودية التي طالبها أكثر من مرة بالدفع مقابل التحالف والحماية، وكذلك مطالبة اليابان وكوريا الجنوبية بتحمّل تكاليف الحماية الأميركية لهما، ومطالبة دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) بزيادة إنفاقهم العسكري في مقابل الاستمرار بالعمل معهم، وبالتالي هي محاولة من ترامب لتحويل العلاقات الدولية إلى مجرّد تعاملات نقدية.
يأتي هذا الأسلوب الابتزازي الذي يتعامل به ترامب ترجمة لكتابه الذي نشره عام 1987 مع الصحافي الأميركي توني شوارتز، "فنّ الصفقة"، ركّز فيه على الأفكار الكبيرة التي تؤدي إلى أعمال كبيرة تجذب أموالاً كثيرة، وهو ما يحاول ترامب تنفيذه، من خلال شعبويته التي تفضّل العمل بشكلٍ منفرد، لإعادة إحياء الحلم الأميركي الذي اعتبره، في خطاب إعلان ترشحه للرئاسة الأميركية، قد مات. حيث أظهرت السياسات التي اتبعها ترامب منذ توليه الرئاسة التزاماً جاداً بشعبوية أميركية جديدة، لم يقتصر تأثيرها على المؤسسات السياسية التي يتشكّل منها النظام السياسي الرئاسي في الولايات المتحدة، وإنما تخطاه ليشمل المؤسسات الدولية، وشكّل خروجا عن القواعد التي استقر عليها النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، وترك آثاره بشكلٍ واضحٍ على العديد من هياكل المؤسسات الإقليمية والدولية ذات الوظائف السياسية والاقتصادية والبيئية، بل
وامتدت تأثيراته أيضاً لتطاول النظام الدولي ككل، بما فيه الحلفاء التقليديون للولايات المتحدة في أوروبا والخليج العربي، الأمر الذي شكّل نقطة تحوّل مهمة، ليس على صعيد الولايات المتحدة فحسب، وإنما على الصعيد العالمي، من خلال دخول عصر جديد من عصور القومية الشعوبية التي تعبّر عن خطاب سياسي انتهازي، يهز عواطف المواطنين من أجل كسب ولائهم ودعمهم.
لكن هذه الشعوبية الترامبية، ومن خلال ما أحدثته خلال السنوات الثلاث التي مضت، يتّضح أنّها أضرّت كثيراً بمكانة الولايات المتحدة الأميركية، وضربت الاستراتيجيات الأميركية الكبرى التي تم اعتمادها منذ بداية التسعينيات، وأدّت إلى تراجع ثقة العالم بالولايات المتحدة وهدمت مصداقيتها، وهو ما أشار إليه جوزيف ناي، أحد أشهر أساتذة العلوم السياسية في أميركا، عندما حذّر من أن أخطاء الرئيس ترامب في حال تم انتخابه لأربع سنوات جديدة سيكون من الصعب تصحيحها، لأنّ دول العالم لن تنتظر أربع سنوات جديدة على هذه السياسات الشعبوية التي يتبناها ترامب، وستسعى إلى إيجاد أطر بديلة، بعيداً عن الولايات المتحدة التي تتعامل مع العالم وقضاياه بمنطق انتهازي.
وعليه، شكّلت توجهات الرئيس ترامب، والسياسات التي نفذها، منذ تسلّمه الرئاسة، وفضّلت العمل بشكلٍ منفرد، وعدم الثقة بالمؤسسات الدولية وبالتعاقدات متعدّدة الأطراف، تحدياً للأسس التي قام عليها النظام السياسي الدولي، والتحالفات السياسية والعسكرية، والقانون الدولي، وحماية حقوق الانسان، وهو ما عدّ تراجعاً في مركز القيادة الأميركية للنظام الدولي الليبرالي، وتراجعاً في القوة الأميركية، وخصوصا في القوة الناعمة، في ظل استمرار ترامب باستخدام الخطاب الانعزالي الشعبوي.
وشهدت سنوات رئاسته تجاذبات سياسية واقتصادية واجتماعية كثيرة في الداخل الأميركي، وفي سياسته الخارجية، والتي هزّت الداخل الأميركي والعالم، من إلغاء نظام "أوباما كير"، والانسحاب من اتفاقية المناخ، والانسحاب من منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو)، وتعديل نظام الهجرة، ومنع دخول مواطني عدّة دول مسلمة الولايات المتحدة، وبناء الجدار مع المكسيك، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، والانسحاب من معاهدة الصواريخ الباليستية مع روسيا، والانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وتعديل اتفاق "نافتا" مع كندا والمكسيك، وقد أثارت هذه الإجراءات الداخلية والخارجية حالاتٍ من الارتياب والتساؤل عن الأسلوب الذي تدار به دفّة السلطة في الولايات المتحدة، وعن الدور الجديد لأميركا في العالم.
ويمكن القول إنّ ترامب، في سياسته الخارجية، يتبنّى عقيدة تستند إلى مفهوم براغماتي مصلحي، نابعة من عقلية رجل الأعمال الذي يتعامل بمنطق الربح والخسارة، تقوم على مبدأ الصفقة في
يأتي هذا الأسلوب الابتزازي الذي يتعامل به ترامب ترجمة لكتابه الذي نشره عام 1987 مع الصحافي الأميركي توني شوارتز، "فنّ الصفقة"، ركّز فيه على الأفكار الكبيرة التي تؤدي إلى أعمال كبيرة تجذب أموالاً كثيرة، وهو ما يحاول ترامب تنفيذه، من خلال شعبويته التي تفضّل العمل بشكلٍ منفرد، لإعادة إحياء الحلم الأميركي الذي اعتبره، في خطاب إعلان ترشحه للرئاسة الأميركية، قد مات. حيث أظهرت السياسات التي اتبعها ترامب منذ توليه الرئاسة التزاماً جاداً بشعبوية أميركية جديدة، لم يقتصر تأثيرها على المؤسسات السياسية التي يتشكّل منها النظام السياسي الرئاسي في الولايات المتحدة، وإنما تخطاه ليشمل المؤسسات الدولية، وشكّل خروجا عن القواعد التي استقر عليها النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، وترك آثاره بشكلٍ واضحٍ على العديد من هياكل المؤسسات الإقليمية والدولية ذات الوظائف السياسية والاقتصادية والبيئية، بل
لكن هذه الشعوبية الترامبية، ومن خلال ما أحدثته خلال السنوات الثلاث التي مضت، يتّضح أنّها أضرّت كثيراً بمكانة الولايات المتحدة الأميركية، وضربت الاستراتيجيات الأميركية الكبرى التي تم اعتمادها منذ بداية التسعينيات، وأدّت إلى تراجع ثقة العالم بالولايات المتحدة وهدمت مصداقيتها، وهو ما أشار إليه جوزيف ناي، أحد أشهر أساتذة العلوم السياسية في أميركا، عندما حذّر من أن أخطاء الرئيس ترامب في حال تم انتخابه لأربع سنوات جديدة سيكون من الصعب تصحيحها، لأنّ دول العالم لن تنتظر أربع سنوات جديدة على هذه السياسات الشعبوية التي يتبناها ترامب، وستسعى إلى إيجاد أطر بديلة، بعيداً عن الولايات المتحدة التي تتعامل مع العالم وقضاياه بمنطق انتهازي.
وعليه، شكّلت توجهات الرئيس ترامب، والسياسات التي نفذها، منذ تسلّمه الرئاسة، وفضّلت العمل بشكلٍ منفرد، وعدم الثقة بالمؤسسات الدولية وبالتعاقدات متعدّدة الأطراف، تحدياً للأسس التي قام عليها النظام السياسي الدولي، والتحالفات السياسية والعسكرية، والقانون الدولي، وحماية حقوق الانسان، وهو ما عدّ تراجعاً في مركز القيادة الأميركية للنظام الدولي الليبرالي، وتراجعاً في القوة الأميركية، وخصوصا في القوة الناعمة، في ظل استمرار ترامب باستخدام الخطاب الانعزالي الشعبوي.
دلالات
مقالات أخرى
28 سبتمبر 2024
31 اغسطس 2024
16 اغسطس 2024