إلى "مجموعة العشرين"
منذ اعتماد قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، يحتفل العالم سنوياً في هذا التاريخ باليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين. ومع ذلك، لا تزال هناك حاجة إلى تعبئة دولية واسعة النطاق، حيث يبقى الإفلات من العقاب السمة الأساسية التي تطبع أكثر من 90٪ من الجرائم المرتكبة ضد المراسلين، سواء في البلدان التي تشهد حالة حربٍ، أو في التي تنعم بالسلم. ولا أدلّ على الضرورة الملحّة لخوض هذه المعركة من الاغتيالات التي تستأثر باهتمامٍ خاص، سواء بسبب ملابساتها أو المسؤولين عنها أو ضحاياها.
اغتيال جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول يندرج ضمن فئةٍ كان يُعتقد أنها أضحت في طي النسيان. ذلك أن الأمر يتعلق بـ"جريمة دولة"، نفذتها مجموعة من رجال النظام السعودي، بتكليفٍ من جهةٍ تحرص الإجراءات الرسمية الذي انطلقت في الرياض على عدم كشف المستوى الذي تمثله في الهرم السياسي. جريمةٌ تضع على جبين هذا النظام وصمة عارٍ لن تُمحى إلا إذا ثبت تحمّله جميع العواقب المترتبة عن هذا الاغتيال، حيث لا يكفي إقرار ولي العهد، محمد بن سلمان، متأخرا "بمسؤوليته" عن عملية الاغتيال "التي ارتكبت تحت سلطته".
تقتضي جريمة الدولة اعتذاراً علنياً حقيقياً، كما تؤكّد المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، أنييس كالامارد. وبينما لا نزال في انتظار اعتذار من هذا القبيل، يتطلع أقارب جمال خاشقجي إلى معرفة مصير جثته، بقدر ما يتمنّون إحقاق الحق، فالمحاكمة المغلقة لا تحترم المعايير الدولية للعدالة، حيث صدرت عقوبة الإعدام ضد خمسة من الجناة المزعومين. وبغض النظر عن اعتبارها عقوبةً قاسية، فإننا نأسف لهذه الخطوة التي أقدم عليها القضاء السعودي، حيث أسكت إلى الأبد رجالاً على دراية ببعض أسرار القضية.
منذ وقوع هذه المأساة، استمرت المملكة العربية السعودية في قمع الصحافة بعنفٍ قلّ نظيره،
حيث بلغ عدد الصحافيين المحتجزين تعسفاً في سجون البلاد ما لا يقل عن 32، محترفين كانوا أو غير محترفين، أي ضعف السجناء في فترة ما قبل استلام بن سلمان مقاليد السلطة، فالخوف بات منقطع النظير في أوساط السعوديين، ليس فقط داخل شبه الجزيرة العربية، بل أينما وُجدوا على وجه الأرض. وفي سياقٍ كهذا، تستعد الرياض لتنظيم منتدى الإعلام السعودي في مطلع ديسمبر/ كانون الأول، حيث وُجهت الدعوة إلى صحافيين أجانب وخبراء إعلاميين للحديث عن حرية الصحافة واستقلاليتها، ما يثير مخاوفنا من أن يكون هذا الملتقى مجرّد أضغاث أحلام، وإنْ كنا نتمنّى عكس ذلك.
وبغض النظر عن موجة الغضب الدولي التي تردّدت أصداؤها في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فإن العقوبات التي فرضتها واشنطن وأوتاوا وباريس وبرلين على أفرادٍ مشتبه في ضلوعهم في اغتيال خاشقجي لم تكن كافيةً لثني المملكة عن سياستها القمعية، حيث وجدت ألمانيا نفسها وحيدةً عندما بادرت إلى تعليق صادرات الأسلحة إلى السعودية. وبينما اعتبر نائب الرئيس الأميركي، مايك بينس، أن من شأن الإفراج عن المدون رائد بدوي، الذي حُكم عليه بالسجن عشر سنوات وألف جلدة، أن يساعد على استعادة سمعة المملكة دولياً، إلا أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، كان قد أصر قبل ذلك ببضعة أشهر على أن يقف بن سلمان معه في الصف الأمامي خلال لحظة أخذ الصورة التذكارية لزعماء وقادة القوى العشرين الكبرى في العالم، عند انعقاد قمة أوساكا في اليابان.
قبل عامين، بدأ كفاح أبناء دافني كاروانا غاليزيا في مالطا وشقيقة جوري لانكيش في الهند وأقارب خافيير فالديز وميروسلافا بريتش في المكسيك لكشف حقيقة وفاتهم. كما مرّت ثلاث سنوات على محاولات زملاء جان بيجريمانا وبافيل شيريميت، في بوروندي وأوكرانيا، على
التوالي، لتعويض تماطل الشرطة بإجراء تحقيقاتٍ خاصة بهم، لكشف هوية مختطفي بيجريمانا والتعرّف على من وضع قنبلة في سيارة شيريميت. وهذه القائمة تطول يوماً بعد يوم، فمنذ عام 2000، شهد المكسيك سقوط ما لا يقل عن 150 صحافياً بسبب عنف مهرّبي المخدرات، وما يصاحبه من إفلات تام من العقاب.
قادة مجموعة العشرين مطالبون بالتحرّك من باب المسؤولية الملقاة على عاتقهم، فلا يمكن التعامل بالشكل الصحيح مع أيٍّ من المخاطر الكبرى التي تهدد البشرية، إلا في وجود صحافة حرّة ومستقلة وموثوقة ومتنوعة. لا يمكن لرؤساء الدول والحكومات أن يظلوا مكتوفي الأيدي يتفرّجون على قتل الصحافيين من دون أن يحرّكوا ساكناً، سيما وأن المملكة العربية السعودية تستعد لتولي رئاسة مجموعة العشرين مدة عام. وقد يشكل قبول هذه الرئاسة وكأنها مثل سابقاتها "ترخيص للقتل"، بقدر ما قد يمثل شكلاً من أشكال طمس الحقيقة وإخماد التعدّدية. وفي هذا الصدد، نطالب مجموعة العشرين بألا تدوس على ذكرى جمال خاشقجي، داعين زعماء دول المجموعة إلى الحصول على التزاماتٍ واضحةٍ من السعودية باحترام حرية الصحافة، بدءاً من إطلاق سراح الصحافيين الـ 32 المحتجزين حالياً، فكما قال خاشقجي في مقاله الأخير، "حرية التعبير هي أمس ما يحتاجه العالم العربي". وهذا ينطبق أيضاً على بقية أرجاء العالم.
تقتضي جريمة الدولة اعتذاراً علنياً حقيقياً، كما تؤكّد المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، أنييس كالامارد. وبينما لا نزال في انتظار اعتذار من هذا القبيل، يتطلع أقارب جمال خاشقجي إلى معرفة مصير جثته، بقدر ما يتمنّون إحقاق الحق، فالمحاكمة المغلقة لا تحترم المعايير الدولية للعدالة، حيث صدرت عقوبة الإعدام ضد خمسة من الجناة المزعومين. وبغض النظر عن اعتبارها عقوبةً قاسية، فإننا نأسف لهذه الخطوة التي أقدم عليها القضاء السعودي، حيث أسكت إلى الأبد رجالاً على دراية ببعض أسرار القضية.
منذ وقوع هذه المأساة، استمرت المملكة العربية السعودية في قمع الصحافة بعنفٍ قلّ نظيره،
وبغض النظر عن موجة الغضب الدولي التي تردّدت أصداؤها في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فإن العقوبات التي فرضتها واشنطن وأوتاوا وباريس وبرلين على أفرادٍ مشتبه في ضلوعهم في اغتيال خاشقجي لم تكن كافيةً لثني المملكة عن سياستها القمعية، حيث وجدت ألمانيا نفسها وحيدةً عندما بادرت إلى تعليق صادرات الأسلحة إلى السعودية. وبينما اعتبر نائب الرئيس الأميركي، مايك بينس، أن من شأن الإفراج عن المدون رائد بدوي، الذي حُكم عليه بالسجن عشر سنوات وألف جلدة، أن يساعد على استعادة سمعة المملكة دولياً، إلا أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، كان قد أصر قبل ذلك ببضعة أشهر على أن يقف بن سلمان معه في الصف الأمامي خلال لحظة أخذ الصورة التذكارية لزعماء وقادة القوى العشرين الكبرى في العالم، عند انعقاد قمة أوساكا في اليابان.
قبل عامين، بدأ كفاح أبناء دافني كاروانا غاليزيا في مالطا وشقيقة جوري لانكيش في الهند وأقارب خافيير فالديز وميروسلافا بريتش في المكسيك لكشف حقيقة وفاتهم. كما مرّت ثلاث سنوات على محاولات زملاء جان بيجريمانا وبافيل شيريميت، في بوروندي وأوكرانيا، على
قادة مجموعة العشرين مطالبون بالتحرّك من باب المسؤولية الملقاة على عاتقهم، فلا يمكن التعامل بالشكل الصحيح مع أيٍّ من المخاطر الكبرى التي تهدد البشرية، إلا في وجود صحافة حرّة ومستقلة وموثوقة ومتنوعة. لا يمكن لرؤساء الدول والحكومات أن يظلوا مكتوفي الأيدي يتفرّجون على قتل الصحافيين من دون أن يحرّكوا ساكناً، سيما وأن المملكة العربية السعودية تستعد لتولي رئاسة مجموعة العشرين مدة عام. وقد يشكل قبول هذه الرئاسة وكأنها مثل سابقاتها "ترخيص للقتل"، بقدر ما قد يمثل شكلاً من أشكال طمس الحقيقة وإخماد التعدّدية. وفي هذا الصدد، نطالب مجموعة العشرين بألا تدوس على ذكرى جمال خاشقجي، داعين زعماء دول المجموعة إلى الحصول على التزاماتٍ واضحةٍ من السعودية باحترام حرية الصحافة، بدءاً من إطلاق سراح الصحافيين الـ 32 المحتجزين حالياً، فكما قال خاشقجي في مقاله الأخير، "حرية التعبير هي أمس ما يحتاجه العالم العربي". وهذا ينطبق أيضاً على بقية أرجاء العالم.
دلالات
كريستوف ديلوار وخديجة جنكيز