06 نوفمبر 2024
هل تتراجع شعبية "النهضة" في تونس؟
على الرغم من تصدّر حزب النهضة، الإسلامي، الانتخابات التشريعية في تونس، حسب النتائج الأولية، إلا أن هذا "الفوز" النسبي لا يجب أن يخفي حقيقة أن شعبية هذا الحزب تتراجع تدريجيا في انتخابات تونس منذ الثورة عام 2011. ما يطرح أسئلة كثيرة بشأن مستقبل هذا الحزب، وما يجعله يتراجع من انتخابات إلى أخرى، وما هو تأثير هذا التراجع على أداء حركات الإسلام السياسي التي يعتبر "النهضة" نموذجها الناجح في المنطقة العربية؟
يمكن للمتتبع للشأن السياسي التونسي أن يلاحظ أن حزب النهضة خسر، منذ أول انتخابات يخوضها في تونس حتى آخرها نهاية الأسبوع الماضي، أكثر من مليون صوت خلال ثماني سنوات. ويمكن الوقوف عند هذا التآكل التدريجي لشعبية "النهضة" من استحقاق إلى آخر، حيث حصل الحزب في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي عام 2011، على 1.498.905 أصوات، أي ما يعادل 36.97% من الأصوات المعبّر عنها، ما مكنه من الحصول على 89 مقعدا داخل المجلس. وفي أول انتخابات تشريعية تتم بعد إقرار دستور 2014، حصل "النهضة" على 947014 صوتا، أي ما يعادل 27.29% من الأصوات، الأمر الذي خوّله شغل 69 مقعدا داخل مجلس النواب المنتهية ولايته. ولكن على الرغم من أن "النهضة" ظل يتسيّد مجلس النواب، إلا أنه خسر 20 مقعدا بالمقارنة بنتائج انتخابات 2011، وفقد أكثر من 551891 صوتا انتخابيا. وفيما كان ينتظر أن يحقق "النهضة" قفزة نوعية، من حيث عدد
الأصوات في أول انتخابات بلدية، منذ قيام الثورة، شهدتها تونس عام 2018، على اعتبار أنها "انتخابات قُرب"، وبالتالي فهي تجعل عدد المنخرطين فيها أكثر من تلك التشريعية التي تبقى "سياسية"، فإن النتيجة التي حصل عليها الحزب فاجأت مراقبين كثيرين، إذ حصل على 517234 صوتا، أي ما يعادل 28.64% من الأصوات المعبر عنها. وستأتي الانتخابات الرئاسية عام 2019 لتزكّي تراجع شعبية "النهضة"، عندما حل مرشحه للرئاسيات، عبد الفتاح مورو، في المركز الثالث، فأقصي من التنافس في الدورة الثانية المرتقبة الأحد المقبل. وكانت المفاجأة، مرة أخرى، في عدد الأصوات التي حصل عليها الحزب، ولم يتجاوز 434530 صوتا، أي ما يعادل 12.88% من الأصوات المعبّر عنها. ومقارنة بنتائج الانتخابات البلدية عام 2018، فإن الحزب فقد في سنة فقط 82704 أصوات. وبالنظر إلى النتائج الأولية غير الرسمية للانتخابات التشريعية نهاية الأسبوع الماضي، يُعتقد أن "النهضة" قد حصل على 494074 صوتا، أي ما يعادل 17.5% من الأصوات المعبّر عنها، ما يخوله أن يشغل نحو 40 مقعدا برلمانيا. وفيما يُعلن الحزب نفسه متصدّرا هذه الانتخابات، ونجح إلى حد ما في تحسين شعبيته، إلا أنه، بالمقارنة بانتخابات 2014 يكون قد فقد 29 مقعدا. وبالمقارنةبانتخابات 2011 يكون قد فقد 49 مقعدا، أي أكثر من نصف المقاعد التي حصل عليها في أول انتخابات حرّة تشهدها تونس بعد الثورة.
تبيّن القراءة الموضوعية لهذه الأرقام أن شعبية حزب النهضة تشهد انحسارا تدريجيا وكبيرا، استحقاقا تلو الآخر. وأسباب هذا التراجع أو الانحسار كثيرة، ولكن يمكن تلخيص أبرزها في عدة عناصر، لعل أسهلها القول إن الحزب الذي ظل في السلطة ثماني سنوات يؤدي ثمن "الاستنزاف" الذي يصيب كل من يتحمّل المسؤولية، خصوصا في الأوقات الصعبة وخلال
المراحل العصيبة مثل التي تمر بها تونس. تضاف إلى ذلك النتائج الهزيلة التي حققها "النهضة" طوال فترة وجوده في السلطة، مقارنة بالشعارات الكبيرة التي حملتها وعوده الانتخابية الكثيرة. كما أن التحالفات الهجينة التي اضطر الحزب إلى الدخول فيها، والتنازلات المبدئية التي قدّمها، وأحيانا كثيرة غير مبرّرة، وبراغماتيته المبالغ فيها، كلها عوامل جعلت متعاطفين كثيرين مع خطابه ينفرون منه. وفي أحيانٍ كثيرة، حامت حول "النهضة" شبهاتٌ ساهمت، إلى حد ما، في تشويه صورته داخل المجتمع، خصوصا التي تتهمه بالارتباط بجماعات مسلحة أو بالوقوف وراء اغتيالات سياسية. وما يُؤاخذ فعليا على "النهضة" أنه حزب، ربما يمتلك مشروعا سياسيا، وإن كان غير واضح أو غير مفصح عنه، إلا أنه بدون برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي واضح، لذلك ظل طوال السنوات الثماني الماضية يتهرّب من تحمّل المسؤولية مباشرة، مشاركا في الحكومات ومعارضا داخل البرلمان. تُضاف إلى هذا كله العلاقة الملتبسة والمتداخلة في خطابه بين ما هو سياسي وما هو دعوي، ولم يسع إلى الحسم فيها بصفة قطعية، وهو ما جعل مثقفين وسياسيين كثيرين يتعاملون معه بحذر، وفي الوقت نفسه، أفقده ثقة متعاطفين كثيرين يقاسمونه أفكاره السياسية، ويخشون من أفكاره العقائدية.
وعلى الرغم من كل ما يمكن ملاحظته على أداء هذا الحزب، إلا أن ذلك لا يعني أنه انتهى، أو أنه في طريقه إلى الاندثار، ففي ظل تشتت الساحة السياسية التونسية، وانعدام البديل السياسي، والتراجع المهول لأحزاب اليسار، وتلاشي الأحزاب المناسباتية، سيظل "النهضة" يتصدّر نتائج الانتخابات كما حصل في أحدث استحقاق، وفي الوقت نفسه، يتحول تدريجيا إلى حزب عادي، مع الاحتفاظ بمكانته رقما صعبا داخل المعادلة السياسية التونسية، إلى أن تعبر تونس مرحلة انتقالها الديمقراطي بنجاح. وفي المقابل، تحمل نتائج هذا الحزب رسالتين متضادتين إلى جهتين متنافرتين. الأولى إلى حركات تيار الإسلام السياسي في المنطقة العربية، وهي رسالة سلبية، عندما يتابع المنتمون لهذا التيار السقوط التدريجي لنموذجهم الناجح في المنطقة. والثانية إلى قوى الاستبداد وأنصار الثورات المضادة الذين يرهبون الشعوب بـ "فزّاعة" الإسلام السياسي لمصادرة حقوقها وحرّياتها، ومفادها بأن الناخب التونسي الذي بوّأ حزب النهضة الدرجة العليا عام 2011 هو نفسه الذي يعاقبه على أدائه، استحقاقا انتخابيا تلو الآخر، في تمرين انتخابي وديمقراطي سلمي، يؤكد أن إرادة الشعب هي صاحبة السيادة، وهي صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة.
تبيّن القراءة الموضوعية لهذه الأرقام أن شعبية حزب النهضة تشهد انحسارا تدريجيا وكبيرا، استحقاقا تلو الآخر. وأسباب هذا التراجع أو الانحسار كثيرة، ولكن يمكن تلخيص أبرزها في عدة عناصر، لعل أسهلها القول إن الحزب الذي ظل في السلطة ثماني سنوات يؤدي ثمن "الاستنزاف" الذي يصيب كل من يتحمّل المسؤولية، خصوصا في الأوقات الصعبة وخلال
وعلى الرغم من كل ما يمكن ملاحظته على أداء هذا الحزب، إلا أن ذلك لا يعني أنه انتهى، أو أنه في طريقه إلى الاندثار، ففي ظل تشتت الساحة السياسية التونسية، وانعدام البديل السياسي، والتراجع المهول لأحزاب اليسار، وتلاشي الأحزاب المناسباتية، سيظل "النهضة" يتصدّر نتائج الانتخابات كما حصل في أحدث استحقاق، وفي الوقت نفسه، يتحول تدريجيا إلى حزب عادي، مع الاحتفاظ بمكانته رقما صعبا داخل المعادلة السياسية التونسية، إلى أن تعبر تونس مرحلة انتقالها الديمقراطي بنجاح. وفي المقابل، تحمل نتائج هذا الحزب رسالتين متضادتين إلى جهتين متنافرتين. الأولى إلى حركات تيار الإسلام السياسي في المنطقة العربية، وهي رسالة سلبية، عندما يتابع المنتمون لهذا التيار السقوط التدريجي لنموذجهم الناجح في المنطقة. والثانية إلى قوى الاستبداد وأنصار الثورات المضادة الذين يرهبون الشعوب بـ "فزّاعة" الإسلام السياسي لمصادرة حقوقها وحرّياتها، ومفادها بأن الناخب التونسي الذي بوّأ حزب النهضة الدرجة العليا عام 2011 هو نفسه الذي يعاقبه على أدائه، استحقاقا انتخابيا تلو الآخر، في تمرين انتخابي وديمقراطي سلمي، يؤكد أن إرادة الشعب هي صاحبة السيادة، وهي صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة.