حرب إسرائيلية؟ لا

01 أكتوبر 2018
+ الخط -
"كعادته" في كلماته في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حمل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خريطة. وهذه المرة خريطة مواقع لأسلحة دقيقة لحزب الله في ضواحي بيروت وبالقرب من المطار الدولي، وفقاً له. أوحى نتنياهو، وفقاً لكثيرين، وكأنه في المنعطف الأخير، عبر "استجداء" المجتمع الدولي لردع حزب الله، قبل شنّه ضربات استباقية. هذا ما فُهم من خطاب نتنياهو للوهلة الأولى. ولكن الأمور ليست بهذه السهولة.

بداية، يبدو نتنياهو الساعي إلى البقاء في منصبه في الانتخابات الإسرائيلية العام المقبل في وضعٍ جيد نسبياً في الداخل الإسرائيلي، وليس في حاجة لشنّ اعتداءاتٍ لا على قطاع غزة، ولا على لبنان. في القطاع، هناك من يعمل لضمان تكريس تهدئة بين القطاع والإسرائيليين. المصريون يقومون بذلك، ويستقبلون وفوداً من حركتي فتح وحماس لهذا الصدد. مسيرات العودة لن تؤدي إلى نشاطٍ عسكري لجيش الاحتلال في غزة، بل ستبقى الأمور على حالها، حتى بروز خطة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والمعروفة بعنوان "صفقة القرن" خلال شهرين أو ثلاثة على الأكثر، كما أعلن ترامب في الأمم المتحدة. نتنياهو، وإن كان "متوجسّاً" من فكرة "حلّ الدولتين"، إلا أنها لن تمسّ لاءاتٍ إسرائيلية، وهي "حق العودة" و"القدس مقسّمة إلى عاصمتين فلسطينية وإسرائيلية". ترامب لن يخاطر بأي خطة للسلام الفلسطيني ـ الإسرائيلي، بمعزلٍ عن الأهداف الإسرائيلية.

لا يبدو الوضع الداخلي في لبنان مريحاً. لم يعد لبنان كما في السابق، ونتنياهو لن يقوم بهجومٍ ضد بلادٍ تعاني من تدهور اقتصادي، وتردٍ سياسي، وتضعضع اجتماعي. أي هجوم على لبنان لن يؤدي سوى إلى مزيد من الضغوط على الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة. نتنياهو يعرف ذلك، فالوضع في لبنان مختلفٌ عن الوضع في سورية، في ظلّ غاراتٍ عدة للإسرائيليين ضد مواقع إيرانية ولحزب الله ولقوات النظام السوري. في سورية هناك ضابط اسمُه "العنصر الروسي" قادر على تأمين الحماية للإسرائيليين، كما فعل عبر إبعاده القوات الإيرانية عن الجولان، وفقاً لما أفاد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أخيراً.

قد يتمنى البعض حصول حرب، سواء لـ"ضرب حزب الله" أو لـ"إزالة إسرائيل"، لكن المفهومين ليسا في الوارد. ونتنياهو، بإشارته إلى تلك الخريطة، جعل عملياً المعركة بين لبنان والعالم. حصل مرة أن رفع خريطةً أشارت إلى اقتراب إيران من الحصول على القنبلة النووية، وفقاً له. سرعان ما سقط الاتفاق من الجهة الأميركية، وحالياً باتت إيران أسيرة عقوباتٍ أميركية، حتى أن مسؤوليها باتوا في وضعية الانتظار حتى نهاية عهد ترامب، حتى "تعود الأمور إلى نصابها"، وربما تسجيل عودة أميركية إلى الاتفاق، غير أنه، حتى ذلك الحين، وفي ظلّ نية أميركية، من ترامب تحديداً، بعدم استعمال القوة العسكرية في عهده، يبدو أن السجال بين طهران وواشنطن مستمرٌ على أن يتصاعد مع بدء العمل بالعقوبات النفطية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. بالتالي، يمكن لإسرائيل، في الوضع الحالي، استنفار جيشها من دون توجيه ضربات إلى لبنان، بل التركيز على "المخاطر التي يُشكّلها حزب الله في لبنان بالنسبة إلى العالم".

سنشعر بالطبع بتصاعد النبرة الحربية، لكنها لن تُترجم إلى حربٍ غير محسوبة، لأنها لن تشبه الاعتداءات السابقة على لبنان، ولا حرب تموز 2006، بل إن أي حرب ستكون مختلفة ومغايرة ولا قدرة لأحد للسيطرة عليها. حتى أن منطق "الضربات المحدودة" ستُصنّف على أنها "إيذان بالحرب". أكثر من ذلك، هل سيتحمّل الأوروبيون استقبال قوافل من اللاجئين اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين، خصوصاً قبل الانتخابات الأوروبية في الربيع المقبل، والتي بات فيها اليمين المتطرّف مرشحاً أساسياً؟ وضع نتنياهو لبنان عملياً في مواجهةٍ مع العالم الدولي، وهو ما سيتبلور في الفترة المقبلة، وهو ما علينا التعامل معه، سواء كحالةٍ عابرةٍ أو واقعٍ ثابت.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".