15 مايو 2024
أزمة ترامب مع النووي الإيراني
يراقب العالم، والدول الموقعة على اتفاقية النووي الإيراني تحديدا، ما سيكون عليه قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يوم 12 مايو/ أيار الجاري، إلغاء للاتفاقية، أو إضافة محاور بالغة التحجيم والمراقبة للقدرات الإيرانية، إليه، خصوصا بعد أن وضحت إلى درجة كبيرة مواقف الدول التي يعنيها شأن هذا الاتفاق، وتلك التي رعته ووقعت عليه في عام 2015 مع إيران؛ فالدول الغربية زائدا الصين وروسيا ترى أن الاتفاق ضروري لمنع إيران من صنع قنبلة نووية، ربما تقلب موازين القوى في الشرق الأوسط، يصعب معها وبها التحكّم بمجريات الأمور في وسائل وطرق استحصال دول أخرى، تشكل المشاريع الإيرانية بالنسبة لها خطرا داهما وممتدا بشكل منهجي واستراتيجي منظم.
راهن الرئيس ترامب على موقفٍ مؤيدٍ له من فرنسا وبريطانيا، وإن بدا أن الدولتين ما زالتا مترددتين كثيرا في اختيار أسلوب المواجهة مع إيران؛ ذاك أن كليهما يتفقان مع ترامب أن الاتفاق النووي مع إيران يحتاج تعديلات وإضافات كثيرة، ليس ممكنا الاطمئنان دونها إلى برامج طهران التسليحية، وكذلك امتداداتها في مناطق نفوذ بالغة الحساسية في العراق ولبنان وسورية واليمن وسواها. وقد أكد ذلك بوضوح الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في كلمته أمام الكونغرس الأميركي "هدفنا واضح في إيران، وهو ألا تمتلك أبدا سلاحا نوويا، لا الآن ولا بعد خمسة أعوام ولا بعد عشرة أعوام، أبدا"، مؤكّدا، في الوقت نفسه، أنه "يجب ألا تقودنا سياسة إيران إلى حربٍ في الشرق الأوسط". وقال وزير خارجية بريطانيا، بوريس جونسون، أمام مجلس العموم البريطاني: "إن الحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران سيتم من دون شك، على الرغم من قرار الولايات المتحدة عدم التصديق على التزام طهران بالاتفاق". ويرى وزير الخارجية الألماني، زيغمار غابرييل، أن إيران "ليست بناءة في الشرق الأوسط".
هل سيذهب ترامب وحده إلى التصعيد مع طهران؟ وهل يمكن للولايات المتحدة أن توقف
النشاط الإيراني المتصاعد في موضوع تطوير قدراتها الصاروخية، وتمدّد نفوذها الإقليمي في المنطقة، بشكلٍ بات يؤثر على النفوذ الأميركي فيها بوضوح؟ ربما سيكون الجواب: نعم، لما ساقه ترامب نفسه من أسبابٍ يجدها هو، ويجدها بعض حلفاء واشنطن في المنطقة وبعض المتنبهين للخطر الإيراني فيها، مبرّرة بما يكفي لاتخاذ هذا القرار وإعادة إيران إلى حالة العقوبات التي لم يتخلص من تبعاتها وآثارها الشعب الإيراني؛ فالرئيس ترامب يؤكد عزمه على اتخاذ إجراء حازم ضد الاتفاق النووي مع إيران "يجب ألا يشك أحدٌ في كلامي. قلت سابقا إنني لن أؤكد تطبيق إيران الاتفاق النووي، ولم أفعل ذلك، وسأفي بهذا الوعد. أدعو الدول الأوروبية المحورية إلى الانضمام إلى الولايات المتحدة في شأن تعديل العيوب الهائلة لهذه الصفقة، في خطوةٍ تعارض عدوان النظام الإيراني، وتدعم الشعب الإيراني. وإذا لم تكن الدول الأخرى قادرةً على العمل الآن، فسأنهي الصفقة مع إيران".
ولعل أبرز ما يمكن ملاحظته من مؤشرات أميركية – إسرائيلية، تتفق معها بعض دول الإقليم، هو عدم وجود رابط بين اتفاقية النووي وبرنامج إيران المتسارع في تطوير الصواريخ الباليستية، كما أن الولايات المتحدة، وتشاركها في ذلك، ضمنا أو علنا، إسرائيل وفرنسا وبريطانيا، ترى أن طهران سعت إلى تقويض الأمن والسلم في المنطقة، مستفيدةً من حالة الاسترخاء التي أصابت دول العالم تجاهها بعد توقيع الاتفاق النووي. ويرى هؤلاء أن طهران تمارس لعبةً أو خديعة كبرى، ربما سيستفيق العالم على واقع آخر ستفرضه أذرعها وأدوات نفوذها المتحرّكة سريعا في المنطقة.
الموقف كما يبدو معقد، فهو يجعل الجميع في مواجهة حالةٍ قد تدخل العالم من جديد في حساسية السباق الإيراني للحصول على أول قنبلةٍ نوويةٍ، تتغير معها كل صيغ التعامل وشروط التفاوض على مستقبل المنطقة وخريطة القوى المهيمنة فيها، ويتحول (وهم) الخطر الإيراني حقيقةً ملموسة تجاه أهم حليفين لواشنطن في الشرق الأوسط، إسرائيل والعربية السعودية. ومن هنا، يقول الرئيس الفرنسي إن بلاده لن تترك هذا الاتفاق لأنها وقعت عليه. ويضيف "علينا أن نعمل على صفقة أشمل من أربع ركائز، هي فحوى الاتفاق القائم حاليا وفترة ما بعد عام 2025، والتأكد من أنه لن يكون هناك أي نشاط نووي إيراني، واحتواء النفوذ العسكري للنظام الإيراني في المنطقة، ورصد الأنشطة الباليستية".
تتعامل طهران، بقياداتها المختلفة، السياسية والعسكرية، مع الموضوع جيدا حتى اللحظة، حيث تدير الصراع مع واشنطن عبر وجهين واضحين للموقف، أحدهما متشدّد ومهدّد لمصالح أميركا وإسرائيل، وربما بعض الدول الخليجية، والآخر دبلوماسي مرن، ويمنح آفاقا فيها قدر من الأفق المعتمد على رؤية ما يقدّم من دول الغرب، ثم النظر فيه، مع إبراز الاحتمالات الخاصة بالإجراءات الإيرانية، في حال ألغت واشنطن الاتفاق النووي معها، وهو ما أكده وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، بالقول إنه "إذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق (يعرّف بأنه خطة العمل الشاملة المشتركة)، وأعادت العقوبات التي رفعتها عن إيران مرة أخرى، سيكون بإمكان طهران استئناف برنامجها النووي بمعدل أسرع بكثير"، وهو تأكيدٌ لموقف سابق، أعلنه المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، أن طهران ستلتزم بالاتفاق مع القوى العالمية، ما دامت هذه ملتزمة به، لكنها "ستمزقه" إذا انسحبت الولايات المتحدة منه، وأن إيران مصمّمةٌ على مواصلة برنامج الصواريخ الباليستية المثير للخلاف، على الرغم من الضغط الأوروبي والأميركي لتعليقه.
لكن وفي ضوء ما تؤكّد عليه الاتفاقية النووية نفسها، فإنه "عند إجراء أي تعديل على الاتفاقية،
لا بد من موافقة كل الأطراف الموقعة عليها". ونظرا إلى عدم وجود أي إجماعٍ على التخلي عن الاتفاقية أو تعديلها لكل الدول الموقعة عليها، فإن هذا الأمر، وبحسب مراقبين استراتيجيين، قد يفتح الباب أمام إجراءات عسكرية متهورة لاحقا، بسبب نفاد الوسائل الأخرى من واشنطن وحلفائها في المنطقة، لإجبار إيران على تغيير سياساتها، والتخلي عن مشاريعها الطموحة في مشاريع الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، والذي تعتبره طهران "برنامجا دفاعيا وطنيا خارج إطار الاتفاق النووي"، وهو خطر ربما تنظر إليه روسيا والصين ودول أوروبية بجدّية.
ربما من الصعوبة القصوى أن يكون هناك خيار للمواطن العربي، أو المسلم عموما، بين أن يقف مع مشاريع نووية أو تسليحية متطوّرة لدولة إسلامية، أو مع استهدافها أو تقزيمها لمصلحة بقاء القوة المطلقة للإرادة الأخرى التي استباحت، من دون وجه حق، أرض شعب كامل في فلسطين، وأسقطت بشكل كامل دولةً قويةً في المنطقة كالعراق، ومن قبله أفغانستان. وإن كان عربٌ ومسلمون كثيرون يرون في السياسات الإيرانية مشاريع للتغيير الديموغرافي والعقائدي. ولكن مع رؤية مطالب إسرائيل الخاصة بإيران، نتيقن حجم الخطر الذي يحيط بنا، ويحجب عنا أي فرصة للتقدم وإعادة الاعتبار والحقوق لأصحابها. وليس غريبا أن ترى إسرائيل أن واشنطن يجب أن لا تكتفي بضرب إيران عسكريا، وإنما أيضا بإلغاء تدريس مادة الفيزياء في المدارس والمعاهد الإيرانية، لمنع وجود قاعدة علمية قد تستند إليها إيران مستقبلا في تطوير قدراتها النووية.
راهن الرئيس ترامب على موقفٍ مؤيدٍ له من فرنسا وبريطانيا، وإن بدا أن الدولتين ما زالتا مترددتين كثيرا في اختيار أسلوب المواجهة مع إيران؛ ذاك أن كليهما يتفقان مع ترامب أن الاتفاق النووي مع إيران يحتاج تعديلات وإضافات كثيرة، ليس ممكنا الاطمئنان دونها إلى برامج طهران التسليحية، وكذلك امتداداتها في مناطق نفوذ بالغة الحساسية في العراق ولبنان وسورية واليمن وسواها. وقد أكد ذلك بوضوح الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في كلمته أمام الكونغرس الأميركي "هدفنا واضح في إيران، وهو ألا تمتلك أبدا سلاحا نوويا، لا الآن ولا بعد خمسة أعوام ولا بعد عشرة أعوام، أبدا"، مؤكّدا، في الوقت نفسه، أنه "يجب ألا تقودنا سياسة إيران إلى حربٍ في الشرق الأوسط". وقال وزير خارجية بريطانيا، بوريس جونسون، أمام مجلس العموم البريطاني: "إن الحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران سيتم من دون شك، على الرغم من قرار الولايات المتحدة عدم التصديق على التزام طهران بالاتفاق". ويرى وزير الخارجية الألماني، زيغمار غابرييل، أن إيران "ليست بناءة في الشرق الأوسط".
هل سيذهب ترامب وحده إلى التصعيد مع طهران؟ وهل يمكن للولايات المتحدة أن توقف
ولعل أبرز ما يمكن ملاحظته من مؤشرات أميركية – إسرائيلية، تتفق معها بعض دول الإقليم، هو عدم وجود رابط بين اتفاقية النووي وبرنامج إيران المتسارع في تطوير الصواريخ الباليستية، كما أن الولايات المتحدة، وتشاركها في ذلك، ضمنا أو علنا، إسرائيل وفرنسا وبريطانيا، ترى أن طهران سعت إلى تقويض الأمن والسلم في المنطقة، مستفيدةً من حالة الاسترخاء التي أصابت دول العالم تجاهها بعد توقيع الاتفاق النووي. ويرى هؤلاء أن طهران تمارس لعبةً أو خديعة كبرى، ربما سيستفيق العالم على واقع آخر ستفرضه أذرعها وأدوات نفوذها المتحرّكة سريعا في المنطقة.
الموقف كما يبدو معقد، فهو يجعل الجميع في مواجهة حالةٍ قد تدخل العالم من جديد في حساسية السباق الإيراني للحصول على أول قنبلةٍ نوويةٍ، تتغير معها كل صيغ التعامل وشروط التفاوض على مستقبل المنطقة وخريطة القوى المهيمنة فيها، ويتحول (وهم) الخطر الإيراني حقيقةً ملموسة تجاه أهم حليفين لواشنطن في الشرق الأوسط، إسرائيل والعربية السعودية. ومن هنا، يقول الرئيس الفرنسي إن بلاده لن تترك هذا الاتفاق لأنها وقعت عليه. ويضيف "علينا أن نعمل على صفقة أشمل من أربع ركائز، هي فحوى الاتفاق القائم حاليا وفترة ما بعد عام 2025، والتأكد من أنه لن يكون هناك أي نشاط نووي إيراني، واحتواء النفوذ العسكري للنظام الإيراني في المنطقة، ورصد الأنشطة الباليستية".
تتعامل طهران، بقياداتها المختلفة، السياسية والعسكرية، مع الموضوع جيدا حتى اللحظة، حيث تدير الصراع مع واشنطن عبر وجهين واضحين للموقف، أحدهما متشدّد ومهدّد لمصالح أميركا وإسرائيل، وربما بعض الدول الخليجية، والآخر دبلوماسي مرن، ويمنح آفاقا فيها قدر من الأفق المعتمد على رؤية ما يقدّم من دول الغرب، ثم النظر فيه، مع إبراز الاحتمالات الخاصة بالإجراءات الإيرانية، في حال ألغت واشنطن الاتفاق النووي معها، وهو ما أكده وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، بالقول إنه "إذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق (يعرّف بأنه خطة العمل الشاملة المشتركة)، وأعادت العقوبات التي رفعتها عن إيران مرة أخرى، سيكون بإمكان طهران استئناف برنامجها النووي بمعدل أسرع بكثير"، وهو تأكيدٌ لموقف سابق، أعلنه المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، أن طهران ستلتزم بالاتفاق مع القوى العالمية، ما دامت هذه ملتزمة به، لكنها "ستمزقه" إذا انسحبت الولايات المتحدة منه، وأن إيران مصمّمةٌ على مواصلة برنامج الصواريخ الباليستية المثير للخلاف، على الرغم من الضغط الأوروبي والأميركي لتعليقه.
لكن وفي ضوء ما تؤكّد عليه الاتفاقية النووية نفسها، فإنه "عند إجراء أي تعديل على الاتفاقية،
ربما من الصعوبة القصوى أن يكون هناك خيار للمواطن العربي، أو المسلم عموما، بين أن يقف مع مشاريع نووية أو تسليحية متطوّرة لدولة إسلامية، أو مع استهدافها أو تقزيمها لمصلحة بقاء القوة المطلقة للإرادة الأخرى التي استباحت، من دون وجه حق، أرض شعب كامل في فلسطين، وأسقطت بشكل كامل دولةً قويةً في المنطقة كالعراق، ومن قبله أفغانستان. وإن كان عربٌ ومسلمون كثيرون يرون في السياسات الإيرانية مشاريع للتغيير الديموغرافي والعقائدي. ولكن مع رؤية مطالب إسرائيل الخاصة بإيران، نتيقن حجم الخطر الذي يحيط بنا، ويحجب عنا أي فرصة للتقدم وإعادة الاعتبار والحقوق لأصحابها. وليس غريبا أن ترى إسرائيل أن واشنطن يجب أن لا تكتفي بضرب إيران عسكريا، وإنما أيضا بإلغاء تدريس مادة الفيزياء في المدارس والمعاهد الإيرانية، لمنع وجود قاعدة علمية قد تستند إليها إيران مستقبلا في تطوير قدراتها النووية.