الانتخابات العراقية بين واشنطن وطهران

19 ابريل 2018
+ الخط -
يراقب الجميع سير العمليات التعبوية لأطراف التنازع الانتخابي في العراق بين مكونات العملية السياسية، وما أضيف لها من شخصيات جديدة، تتقدم خطوة وتتراجع في أخرى نحو بلوغ القناعات النهائية لارتداء حلة هذا التكتل أو ذاك، من دون أن يكون لدى الجميع، وفي هذه الانتخابات تحديدا، أية ضمانات للفوز بمقاعد البرلمان العراقي بعد الانتخابات المزمعة في 12 مايو/ أيار المقبل.
ولعل السبب الرئيس في متابعة الجميع سير الإجراءات خلال الحملات التعبوية، أو تلك التسقيطية سياسيا، قبيل الموعد الإنتخابي، مرده وضوح الخنادق للجهتين المتحكمتين بالشأن العراقي، الولايات المتحدة وإيران؛ ذاك أن العراق، وبعد وصول الرئيس الأميركي، دونالد ترامب إلى الحكم، بات تحت مجهر المصالح الأميركية بشكل مباشر، وكذلك مصالح الدول التي تشكل خلية تحالف إستراتيجي مع واشنطن، كالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر، لأسباب عديدة؛ أهمها تصاعد النفوذ الإيراني وتمدّد النفوذ الروسي بالشكل الذي بات العراق فيه تحت تأثير هذين النفوذين الآن وفي المستقبل، وهو ما يجعل الموقف الأميركي محدودا أو مهمشا في هذا البلد الذي قدمت الولايات المتحدة من أجل احتلاله آلاف القتلى والجرحى والمعاقين ومئات البليونات من الدولارات.
تراهن واشنطن وحلفاؤها بالطبع على قوى كثيرة، كان بعضها مستعدا دائما للتعاون معها 
للخلاص من السطوة الإيرانية على مقدرات العراق، وأخرى كانت وما زالت ضمن العملية السياسية المؤيدة لإيران، لكن الإرادة الأميركية ارتقت بسلم واجهتها السياسية إلى أرفع المستويات محليا ودوليا، ونجحت إلى حد ما في جعلها متردّدة لدرجة ملحوظة في تنفيذ الأجندة الإيرانية، وهو ما يجعلها تتقدم بثقةٍ ملحوظةٍ لإنتخابات مايو/ أيار المقبلة، أمام أنظار ومتابعة رفاقه من الحزب المدعوم إيرانيا، أو قيادات فصائل الحشد الشعبي وسواهم من التشكيلات والكتل ذات التوجه الموالي لولاية الفقيه، أو ذات البعد الطائفي الصريح.
كما تراهن واشنطن على قيادات وقواعد العراقيين من أبناء المدن المدمرة، بدءا من محافظة ديالى (شرق) حتى محافظة نينوى في أقصى شمال العراق، مرورا بمحافظتي الأنبار وصلاح الدين، وهي مدن كانت هدفا للمليشيات الإيرانية وحكومة رئيس مجلس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، بشكل مباشر، أو من خلال السماح لتنظيم داعش الإرهابي بدخول مدنهم وإستباحة كل شيء فيها. تضاف إلى ذلك، وبشكل يبدو جليا للعيان، قدرة الولايات المتحدة على كسب قناعات، وربما ود، قيادات عسكرية عراقية، مستغلة حالة الغضب والاشمئزاز من تصاعد دور مليشيات الحشد الشعبي، وتزايد اهتمام الدولة بها باعتبارها قوة رئيسة أولى على حساب الجيش العراقي الذي بات في المرتبة الثانية، تليه قوات البشمركة الكردية.
ويصطف العراقيون الأكراد بوضوح ضد الحضور الإيراني في هذه الانتخابات بسبب الموقف الإيراني المخيب لآمالهم في الفترة التي حاولوا فيها الانفصال عن العراق عبر استفتاء 25 سبتمبر/ أيلول 2017، واصطفاف الحكومة الإيرانية مع بغداد وأنقرة، بفرض حصار شديد على الإقليم، والتهديد باستخدام القوة في حال استمرت القيادة الكردية في إجراءات الانفصال أو إعلانه.
ولدى إيران الكثير لتؤثر به على المشهد، ولتضمن بقاءها قوة رئيسة، لها الكلمة الفصل في مجريات الأمور هناك؛ فهي تتعامل بشكل مباشر، وبصيغة آمرة ناهية، مع جل الكتل والأحزاب السياسية الشيعية وبعض الشخصيات المؤثرة من المكون السنيّ. كما تتعامل بشكل متقن مع أكثر المراجع الدينية الشيعية في العراق، بما يتناغم ورغبة المرشد الأعلى، علي خامنئي. ومن خلال هذه المراجع، تملك أداة التحكّم بقلوب كثيرين من أبناء الطائفة الشيعية هناك وعقولهم.
وتمتلك إيران أيضا أهم الفصائل المسلحة في العراق ذات الولاء المطلق للولي الفقيه (إيران). وتقول المعلومات إن هناك 73 فصيلا مسلحا في تشكيلات الحشد الشعبي، تدين 69 منها بالولاء لإيران، وتأتمر بأمرها عند الضرورة، يشكل مقاتلوها مع عوائلهم نسبة كبيرة مؤثرة في عمليات الاقتراع المقبلة، ناهيك عن قدرة هذه الفصائل على إحداث التأثير المطلوب في الترهيب والترغيب لدى أبناء المناطق التي يتحكمون بها.
وكانت قياداتٌ، إلى فترة قريبة، تعمل وفق تكتيكات إيرانية خاصة بدرجة ظهورها على ساحة العمل السياسي العراقي، تمتعت منذ عام 2003 بإطلاق يدها أمنيا وعسكريا، لتنفذ الأجندة 
المعدّة من الأجهزة الإيرانية المختصة بالملف العراقي. رشّحت هذه القيادات، وبإرادة إيرانية أيضا، نفسها قبيل الانتخابات المقبلة بعناوين كبيرة وبراقة، فيما يعلم الجميع حجم تلطخ أياديهم بدماء العراقيين، سواء في عمليات التصفية المنظمة لعلماء وضباط وسياسيين عراقيين منذ الاحتلال في عام 2003. وترشيحهم بشكل مباشر يعني بوضوح أن حمّى المواجهة بين أبناء الفريق السياسي الواحد، وكذلك مع بقية الفرقاء، وصلت إلى حد الترهيب فقط، من دون الحاجة لترغيب أحد في موضوع السطوة الإيرانية على العراق.
إلى ذلك، تتحكّم في اقتصاد السوق العراقي أيضا الإرادة الإيرانية، وهو ما يعلمه القائمون على ملفات الاقتصاد العراقي، بدءا من المصالح النفطية والبنكية، وحتى كل البضائع التي يقتات منها البيت العراقي، أو يتعامل بها أصحاب المهن والتجار، وهو ما يجعل السوق العراقي مترددا كثيرا في عملية إقصاء القرار الإيراني عن الحالة العراقية.
.. تدخل أغلب الأحزاب والشخصيات المشاركة في الانتخابات المقبلة هذا المعترك، وهي تراهن على أحد فصيلي التحكّم بالمشهد العراقي المقبل، ولعل المتغيرات التي أحدثتها القرارات الأميركية أخيرا بشأن سورية، وزيادة التصعيد الروسي الأميركي هناك، مع إصرار خليجي وإسرائيلي واضح نحو ضرورة أن تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها بتحجيم الدور الإيراني في العراق وعموم المنطقة، كلها مؤشراتٌ على أن ساحة الصراع الفعلي بين واشنطن وطهران ستكون في العراق، وأن الانتخابات المقبلة ستكون بدايته، ما سيجعل كل الاحتمالات قائمة لدى الطرفين، لبسط نفوذهما وبكل الوسائل الممكنة.
F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن