نحو فهم ظاهرة الحركات السياسية الإسلامية المعاصرة

07 فبراير 2018
+ الخط -
حاول حسن البنا، نهاية عشرينات القرن الماضي، استئناف نظام الخلافة الإسلامية الذي تبلورت معالمه منذ سقيفة بني ساعدة واستمر حتى انهيار الدولة العثمانية. وقراءة موضوع الخلافة وفهمه مسألة نسبية، فلا توجد أفهام على مستوى واحد ومتشابه. وعلى الرغم من القراءات المختلفة، إلا أن الخلافة الإسلامية هي المحور الرئيس الذي انطلقت منه الحركات السياسية الإسلامية بتنوعها.
ويمكن القول إن نشأة الحركات السياسية الإسلامية كانت قائمة على هدف واحد، مع اختلاف الأفكار، وهذا ما يفسر تشابه التعريفات التي تناولت ظاهرة الحركات السياسية الإسلامية. ومثالا يعرّف الأكاديمي السوداني، عبد الوهاب الأفندي، هذه الظاهرة بأنها "حركات ناشطة في الساحة السياسية، وتنادي بتطبيق قيم الإسلام وشرائعه في الحياة العامة والخاصة، على حد سواء، وتناوئ في سبيل هذا المطلب الحكومات والحركات السياسية والاجتماعية الأخرى التي ترى أنها قصّرت في الإمتثال لتعاليم الإسلام أو خالفتها". ويرى زعيم حركة النهضة التونسية، راشد الغنوشي، أن الحركة الإسلامية هي "بمثابة نشاط حركي منبعث بدوافع الإسلام لتحقيق أهدافه، وتحقيق التجدد المستمر له، من أجل ضبط الواقع وتوجيهه دائماً". وهناك تعريفات غربية تناولت هذه الظاهرة بعنوان آخر، وهو الإسلام السياسي. ويعتبر المستشرق الفرنسي، فرانسوا بورغات، أنها "اللجوء إلى مفردات الإسلام التي تقوم به في بداية الأمر الطبقات الإجتماعية التي لم تستفد من مظاهر التحديث الإيجابية، والتي تعبر عن طريق مؤسسات الدولة، أو في الغالب ضدها، عن مشروع سياسي بديل لسلبيات التطبيق الحرفي للتراث الغربي". ويعرّفها الباحث الفرنسي، أوليفيه روا، بأنها "حركة اجتماعية سياسية، تقوم على الإسلام بوصفه إيديولوجيا سياسية بمقدار ما هو دين".
المتشابه في المفاهيم السابقة أكثر من المختلف، لأن الإسلام هو الذي يشكل هوية تلك
 الحركات، وبالتالي يحدد مسارها السياسي. وعلى الرغم من أهمية تلك المحاولات التي فنّدت الحركات السياسية الإسلامية، إلا أننا بحاجة إلى فهم أبرز الاختلافات التي تميز كل حركة عن الأخرى، سواء على المستوى الإيديولوجي أو الحركي. صحيح أن عنوان تلك الحركات متشابه، إلا أن تفريعاته ومكوناته لا تتشابه على الإطلاق، وبحاجة ماسة إلى وضعه في حقل دراسي وبحثي خاص، حتى يساعد فهم تطور هذه الظاهرة وما تحمله من اختلافات.
تُشكل ظاهرة الحركات السياسية الإسلامية مكونات عديدة، وكل مكون شهد تغييرات وتحولات سياسية وفكرية، فبالنسبة لحالة جماعة الإخوان المسلمين التي ترتكز، في المقام الأول، على رسائل حسن البنا وأفكار سيد قطب ومراجعات حسن الهضيبي؛ فقد تجاوزتها عدة تيارات إسلامية، ففي شمال أفريقيا، تجاوزت حركة النهضة التونسية أفكار "الإخوان المسلمين" منذ ثمانينات القرن الماضي، في مراجعات عديدة، في مقدمتها ما جاء في كتابات راشد الغنوشي، فضلاً عن النقد الفكري الداخلي الذي أدى إلى تأسيس حركة اليسار الإسلامي. وفي حوار بحثي أجريته مع الغنوشي، قال فيه "تملكتني الحيرة بين حبي لسيد قطب وحبي لمالك بن نبي، ووجدتني في نهاية الأمر منحازاً لمالك بن نبي". وذكر الغنوشي في كتابه "من تجربة الحركة الإسلامية في تونس" أن الأفكار المشرقية المستوردة لا تعين على الـتأقلم مع واقع المجتمع والثقافة التونسية.
ويُلاحظ التجاوز نفسه في تجربة حزب العدالة والتنمية المغربي، عبر إنتاج فكري خاص (كتابات أحمد الريسوني وسعد الدين العثماني وآخرين)، ساعدها على التأقلم مع خصوصية البيئة المغربية. ويؤكد ذلك أمينه العام السابق (ورئيس الوزراء السابق)، عبدالإله بنكيران، في منتدى الجزيرة التاسع، رداً على سؤال ما إذا كان الحزب يمثل الإخوان المسلمين، عندما قال "إن حزب العدالة و التنمية تجاوز أفكار الإخوان المسلمين".
ومظاهر التجاوز الفكرية (فيما يتعلق بالتجديد أو الفجوة الجيلية) أحد الأسباب الرئيسة التي 
نتجت عنها انشقاقات عديدة من تنظيم الإخوان المسلمين، سواء في مصر أو الأردن، والتي أفضت إلى تأسيس حركات سياسية أخرى، تمثل مفهوما آخر، يصفها الباحث آصف بيات بمرحلة "ما بعد الإسلام السياسي"، وهي "التحول الكبير في نماذج الإسلام الحركي من الحركة الجمعية ذات الطبيعة الثورية نحو الحركة الفردانية التي تقبل أسس الحياة الحديثة. وإذا كانت الأولى تشكلها الإيديولوجيات، فإن ما بعد الإسلام السياسي ينأى بنفسه عن الفروق السياسية والقتالية الجمعية، في الوقت الذي يؤكد فيه على الانسجام والتوازي بين الإسلام والدولة الحديثة".
ولم يكن المكون السلفي بعيداً عن التحولات السابقة، ففي الكويت، مثلا، تشظت السلفية إلى عدة تيارات إسلامية سياسية، ولكل تيار رؤية فكرية وخطاب سياسي خاصان بها. أحد هذه التيارات حزب الأمة الذي يمثل تطوراً فكرياً وسياسياً في الحالة السلفية مقارنةً بالحركات الأخرى. وهو ينادي بضرورة تعديل الدستور الكويتي، حتى يمكن إشهار الأحزاب السياسية، ويؤيد الحقوق السياسية للمرأة، والتي لم تجد لها عناية فكرية لدى التيار السلفي الكلاسيكي. ويلاحظ المتابع لخطاب السلفية السياسية التقليدية، منذ تأسيسها في مطلع ثمانينات القرن المنصرم، أن رؤى حزب الأمة أحدثت ثورة فكرية في هذا المكون وما زالت. ويمكن اعتبارها إحدى مراحل ما بعد السلفية.
والأمثلة على الانقسامات الحركية الإسلامية كثيرة، خصوصا في الوقت الراهن. ولكن ظاهرة الحركات السياسية الإسلامية لا يمكن فهمها عبر الجدال الشفهي، ولا يمكن الحكم عليها من خلال برامج تلفزيونية لا تقدم أي قراءة علمية للظاهرة. ففي الوقت الذي تتقدّم مؤسسات الغرب البحثية في دراسة هذه الظاهرة في أبحاث رصينة علمياً، ما زالت دول عربية تخصص جزءا من ميزانيتها لتسطيح هذه الظاهرة من خلال إقامة مؤتمرات وإنتاج بحوث غرضها الأول محاربة هذه الظاهرة وشيطنتها.
4B08AFB1-3D3B-425F-B17B-768E0D2CDA4E
4B08AFB1-3D3B-425F-B17B-768E0D2CDA4E
مبارك الجِرِي

باحث كويتي، له كتابان "تحولات الإسلام السياسي.. حركة النهضة التونسية نموذجاً" و"النهضة تتحول.. سلسلة حوارات مع حركة النهضة التونسية"

مبارك الجِرِي