يحدث في صفوف الممانعة

12 فبراير 2018
+ الخط -
قصف الطيران الصهيوني مواقع في سورية قال إنها لإيران، فأطلقت الدفاعات الجوية التابعة للنظام الصواريخ تجاه الطائرات المغيرة، فأسقطت واحدة. هذا الرد أمر طبيعي من دولة تحترم سيادتها، وأكثر طبيعيةً حين يتعلق الأمر بطائراتٍ صهيونية. كان يجب أن يحدث منذ زمن طويل، حيث كانت الطائرات الصهيونية تقصف مواقع عسكرية في مناطق مختلفة من سورية. وقبل أيام قليلة، قصفت، للمرة العشرين، منطقة جمرايا. لكن وفق الممانعين، ما جرى يقع ضمن "الإستراتيجية" التي وضعها حلف الممانعة الذي قرَّر الرد، وتطوير الصراع ضد الدولة الصهيونية (ربما يجري إكمال ذلك بالقول: بعدما انتصر على الإرهاب في سورية). تكرّرت كل هذه التصريحات والطيران الصهيوني يكمل قصفه عشرات المواقع التابعة للنظام، من مطارات ومرابض الدفاعات الجوية والحرس الجمهوري، ومواقع لإيران وغيرها، طبعاً من دون رد يكمل "إسقاط" الطائرات.
لهذا الأمر معنى واحد، أن إسقاط الطائرة تنبيه فقط، أو محاولة لتأكيد خطوط حمر متوافق عليها خرقها قصف الطيران الصهيوني. وهو رد روسي في الغالب، لأن الصواريخ المستخدمة حديثة، بالتالي لا تزال تُدار من ضباط روس. هو إذن تنبيه روسي، وليس بدايةً إستراتيجيةً جديدةً قرَّرها محور الممانعة. في كل الأحوال، إسقاط طائرة صهيونية أمر جيد، وأكثر من ذلك يجب أن يتركز الصراع ضد الدولة الصهيونية التي استباحت سورية، وتستبيحها كل يوم، بدل كل هذه الغارات بكل الأسلحة الممكنة ضد الشعب السوري. وبالتالي مفرحٌ أن يجري التصدي للدولة الصهيونية، وكسر عربدتها، فصراعنا الأساسي هو معها، وإذا كنا نصارع النظام، لأنه نهب المجتمع واستبدّ طويلاً، فأفقر الشعب، وحوّل ثلث القوى العاملة إلى عاطلين عن العمل، فإنه في جزء آخر من الصراع ضده يكمن حمايته حدود الدولة الصهيونية في الجولان، وسحقه كل مقاومة تواجه الدولة الصهيونية، وترتيب وجوده انطلاقاً مما قرَّره في ثمانينات القرن
العشرين من سياسة أطلق عليها: السلاح الاستراتيجي، أي أن استراتيجيته جوهرها "السلام" مع الدولة الصهيونية. وحيث تفرّغ لفرض هيمنته الإقليمية، لكي يعزّز موقعه في العلاقات الدولية. لهذا طُرح شعار: من أجل تحرير فلسطين نريد إسقاط النظام.
لهذا يبدو رده، هذه المرة وفي مرة سابقة، نافراً. حيث انطلق التدخل العسكري الصهيوني من قصف كل ما يتعلق بحزب الله وإيران في سورية، وأحياناً قصف مواقع صواريخ سكود أو أسلحة كيميائية. ويبدو أن إحراجاً كان يقع فيه، نتيجة عدم رده على هذه الغارات التي تطاول المدافعين عن وجوده كنظام، لهذا بات يحاول الرد الخجول، وربما توافق ذلك مع ما يريده الروس. بالتالي، لا يمكن فهم ما يجري سوى أنه أمر عابر، لا يتعلق بإستراتيجية جديدة لمحور الممانعة، كما يهلل الممانعون ممن وصلوا إلى حالة الهلوسة. كنت أتمنى أن يبدأ محور الممانعة معركته من أجل فلسطين، ما دام توصل إلى أن النظام في سورية قد انتصر، ففي كل الأحوال في غاية الأهمية أن تتكسّر العنجهية الصهيونية، وأن تُصاب الدولة الصهيونية بانتكاسةٍ كبيرة. من المهم أن تسقط طائراتها، وأن تقصف مواقعها الحساسة، ويتهدّد وجودها. لكنها جعجعة ليس إلا، حتى وإنْ كانت سكرة الموت لهذا المحور فهو لن يفعلها، بل سيبقى يكرّر التهديد تلو التهديد، من دون أن يُقدم على خطوة جدية.
ويجب ملاحظة أنه حتى كاندفاعة إيرانية من أجل إحراج روسيا التي تقيم علاقاتٍ فوق الجيدة مع الدولة الصهيونية، وتتقاسم الأدوار معها، ربما لن تتعدّى بعض الاستفزازات، وحتى هذه سنشجعها. حيث ربما تفرض تصاعد التناقض الكامن بين كل من روسيا وإيران في سورية. كما أشرت، ربما كانت روسيا تريد تنبيه الدولة الصهيونية حين جرى إسقاط طائرة لها، لكنها لن تقبل بتصعيد أكبر، يزيد من عدوانية الدولة الصهيونية، ويضعها في حالة إحراج كبيرة. ربما كانت إيران تريد ذلك، فهي تخرج من سورية "بخفي حُنين"، بعد أن أكلت روسيا كل "الطبخة"، بحصولها على الحق في كل مشاريع إعادة الإعمار. لكن لروسيا "اليد العليا في
دولة البعث"، وهي في توافقٍ مع الدولة الصهيونية، ولقد باتت تشعر بعبء وجود كل المليشيات التي ترسلها إيران، والتي استخدمتها منذ دخلت أدواتٍ في إظهار انتصارها هي.
لهذا، لا معنى لكل حديث عن الانتقال إلى الهجوم في وضع سورية الحالي، حيث أن الوجود الروسي هو الذي يُبقي على النظام، والحامي لكل المليشيات الإيرانية، بما فيها حزب الله. وروسيا في "الصف الآخر"، أي أنهم حلفاء للدولة الصهيونية، وكانت قد أعلنت في قاعدة حميميم إن مسارات الطيران الصهيوني تُعطى لهم مسبقاً، حين تريد الدولة الصهيونية قصف مواقع في سورية. بهذا، فإن الوضع مضبوط، وبات الروس هم المتحكّم الأساس في مجرى الصراع، وهم ربما يوجهون رسالةً ما، لكنهم ما زالوا يسمحون للطيران الصهيوني بقصف كل مواقع حزب الله وإيران. ويمكن أن تؤدي "اللعبة الأخيرة" إلى موقف روسي أكثر ضبطاً لإيران التي يبدو أنها تحاول التمرّد، لفقدانها كل احتمالية بالحصول على مصالح في سورية.
أما الممانعون فهم كلما جرى "صدامٌ" مع الدولة الصهيونية، يطير الفرح من أفواههم، داعمين للنظام السوري، وهذا ملفت، ويدل على خواء يريدون إخفاءه. حيث يتسابقون لتأكيد أن النظام السوري ضد الدولة الصهيونية، وأنه يحاربها. وذلك كله لتأكيد أن موقفهم المتعلق بدعمه وتأييده والدفاع المستميت عنه، صحيح تماماً. إنهم يتعلقون بنتفٍ لكي يقولوا إنهم في الموقع الصحيح، وهم بحاجة دائمة إلى أن يقنعوا ذواتهم بذلك، فليس لديهم سوى هذه اللقطات، لكي يخفوا دعمهم نظاماً وحشياً، وليغطوا على وحشيته، وعلى وحشيتهم وافتقادهم أي أخلاق. ولا شك في أن الدولة الصهيونية تُستخدم لتغطية العورات، ولإخفاء العجز الذاتي، وتحويل الصراع معها إلى خطاب ديماغوجي. باتت قداسة قضية فلسطين تغطي وسخ كثيرين، هؤلاء الذين يهربون من الصراع الحقيقي إلى خطاب لفظي حامي الوطيس، فقط ضد الذين يسعون إلى تحرير فلسطين حقيقة. بالنسبة لهم هذا زمن الجعجعة.
دلالات