27 مارس 2019
كأن بوتين يقول: ليت سوتشي لم يكن
يحيى العريضي
كاتب وإعلامي سوري، مستشار الهيئة العليا للمفاوضات، دكتوراة في الإعلام من جامعة جورج تاون
سوتشي، في الاسم، تَدرُجٌ من مؤتمر الشعوب السورية إلى مؤتمر حميميم، وأخيراً الرسو على تسمية "مؤتمر سوتشي للحوار الوطني". ارتباك وسوء تقدير وصلف في مقاربة كارثةٍ قارب امتدادها سبعة أعوام.
في الدعوة والمدعوين إلى "سوتشي"، رفضُ مَن يريد مناقشة رأس المنظومة التي تسببت بالكارثة، والقبول بعضوية ألف وسبعمائة من كل مكونات وأطياف "الشعوب" السورية الحكومية و "المعارضة".
في الهدف من سوتشي "حل سياسي" مبني على تشكيل لجان لمناقشة الدستور، وأخرى لمناقشة الانتخابات؛ وتغييب أي نقاش لعملية أو محور أو "سلّة" الانتقال السياسي التي نصّت عليها القرارات الدولية.
في الجهة المنظِّمة، وزارة الدفاع الروسية، لا الرئاسة، ولا وزارة الخارجية الروسية، ربما للاعتقاد أن وزارة الدفاع التي"أنجزت" عسكرياً يمكنها إكمال المشوار الروسي في سورية و"جلب السلام" بأدوات الحرب، كما جلبت "النصر" للرئيس بوتين على "الإرهاب السوري". وبذا يمكن إعطاء بوتين حقنة قوة جديدة في عيون الروس وعيون العالم "مخلّصا لسورية من الإرهاب، وحلّالا لمشكلات العالم، ومحققا للمصالح الروسية في الساحات العالمية".
حتى ولو تم إقرار اسم "مؤتمر الحوار الوطني" لما يُزمع عقده في سوتشي، إلا أن الاسم الأول الذي أطلقه بوتين يعكس موقفه وسياسته ورؤيته لسورية وللسوريين. هم بالنسبة له ليسوا إلا كتلاً بشرية تشبه "شعوب الاتحاد السوفييتي" مستلب الإرادة والمستباح، والذي كان يدور في فلك الإمبراطوية السوفييتية. من هنا، علينا تصوّر أي فعل أو قرار أو إرادة لهؤلاء الذين سيوجدون إحضارياً في سوتشي؛ وهل سيكون بإمكانهم طرح أي مسألة مخالفة لما يريده مالك أمرهم. ومن هنا أتت صراحة لافرنتييف، المبعوث الخاص للسيد بوتين؛ عندما قال "من يريد مناقشة مصير الأسد أو عملية انتقال سياسي في سورية، ليس مرحباً به في سوتشي". المفارقة في هذه المسألة تتمثل بالاستكانة لإرادة الاحتلال والانسحاق أمامها؛ فهناك مَن يتوسط ويقبّل الأيادي ليكون له حضور في مؤتمر سوتشي؛ وهناك مَن تشكّله
مخابرات النظام الأسدي ليكون حاضراً، وهناك تجار سياسة ودم وأزمات يستقتلون ليكونوا موجودين. والكل يعلم، أو لا يعلم، أن للوجود هناك غاية واحدة، تتمثل بشرعنة الاحتلال والاستبداد، بتفلّتٍ مطلق من أي قرار أو شرعية دولية. والأدهى أكثر ذلك الحديث الروسي عن "الاستفادة من مخرجات سوتشي في خدمة مسار جنيف"، تماماً كما حدث في "أستانة"، ومسرحيات خفض التصعيد الروسية؛ والتي أعطت خلالها روسيا مئات الوعود بالشؤون الإنسانية: المعتقلين، رفع الحصار، إيصال الإغاثة؛ ولم يُنفّذَ منها شيء.
حتى تكتمل المسرحية الدموية السوتشية، لا يتردد ممثلو بوتين في بث الأكاذيب من أن الأمم المتحدة تبارك الخطوة الروسية في سوتشي؛ فهذا لافرانتييبف، مبعوث بوتين، يطلق تصريحاً في آخر يومي "أستانة 8" إن المبعوث الدولي الخاص إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، سيحضر سوتشي؛ وليسارع أحد معاونيه لإبلاغ كاتب هذه السطور بأن المبعوث الدولي لم يعبّر عن استعداده للحضور أو غير ذلك، كما روى لافرانتييف.
إضافة إلى كل ما سبق، تبقى إحدى أهم عُقَدِ عَقْد مؤتمر سوتشي في الذين اعتبرتهم موسكو ضامنين في "أستانة"، حيث كان الإعلان الرسمي عن "سوتشي"، مراهنة على أن الضامن التركي سيؤمن لها حضور الفصائل التي ضمنتها؛ لكنها لم تعبأ بالشروط التي يمكن أن تضعها تركيا مقابل تيسير المطلب الروسي؛ وتحديداً "الفيتو" الذي تضعه تركيا على إشراك حزب الاتحاد الوطني (الكردي) في سوتشي. وهنا لم يفد إغراء الشركاء الضامنين إعطاؤهم أفضلية تقديم قوائم حضور لمؤتمرها، فبدأت عمليات الابتزاز المتبادل، والذي وجد ترجمته في عرقلة اتفاقية خفض التصعيد في إدلب، والدور الإيراني المشبوه الذي لعبته إيران في نسف الاتفاق؛ ليتبيّن أن المراهنة الروسية في أستانة تكاد تكون تلغيماً لمؤتمر سوتشي ذاته.
رافق القلق والتوتر الروسي تجاه مؤتمرها إرباك عكسته التصريحات الروسية تجاه الموقف الأميركي منه؛ حيث إن روسيا تعرف تماماً أن أي ملمح إيجابي أميركي تجاه سوتشي، ينجحه؛ إلا أن موسكو كانت تستشعر السلبية الأميركية تجاه خطوتها؛ فاستبقتها بتحديد "دور مراقب" لأميركا من باب "التكبُّر على المتكبِّر"، حيث إنه لا يُتَوقَّع من أميركا أن تكون مغرمةً بتحقيق روسيا أي نجاح، ولو خلّبيا؛ إلا اذا كان يخدم أغراضها؛ وهو ليس كذلك.
أوروبا المتمسكة بالقرارات الدولية بخصوص سورية، والداعمة جهود المبعوث الدولي في جنيف، لن تكون مسرورة، وهي ترى روسيا تدعس على القرارات الدولية؛ وتقفز فوقها أوتلتف عليها.
أخيرا، تبقى عقدة العقد أمام المشروع الروسي موقف ما تسمى المعارضة الرسمية بعد مؤتمر الرياض 2، وبعد وفد واحد في جنيف 8، وبعد أداء مميّز في تلك الجولة؛ أداء شاهده العالم، ولم يتمكن المبعوث الدولي إلا أن يشيد به أمام مجلس الأمن والعالم. شكلت هذه المعارضة عقدة لموسكو التي تفننت بمحاولات نسف مصداقيتها، ولا تنفكّ عن القيام بذلك، عبر وصفها أخيرا بالتعنت والراديكالية، وتتحدث عن ضرورة غربلة بعض الأشخاص منها آملةً ببعثرتها. ولكن موسكو، بغفلةٍ أو تغافلٍ، تتجاهل المد الشعبي السوري الرافض لمشروعها في سوتشي، والذي لا يمكن لهيئة التفاوض أن تقفز عنه؛ فهو وحركتها الدبلوماسية الدولية ما يمدّها بالموقف القوي الذي لا تستطيع موسكو نسفه، حتى ولو عادت إلى عنفٍ غير مسبوق في الغوطة والشمال السوري.
في صيغته الحالية، سوتشي تجمّعُ "مصالحةٍ" مكبّر مهين للسوريين وحقوقهم؛ يحاول القفز على القرارات الدولية؛ تحول دون نجاحه جملةٌ من التعقيدات، تتقدمها منهجية روسيا العسكرية في مقاربة القضية السورية في إيجاد حل سلمي لسورية، يمكّن بوتين من القول إنه أنجز سياسياً، وهذا غير ممكن. مصير الخطوة الروسية إما التأجيل والتفكير بكل ما سبق، وجعله فعلاً مساهماً بحل سياسي، لا يشترط عدم مناقشة مصير الأسد، والانتقال السياسي، وتشكيل لجان فاعلة لإنجاز ذلك، أو الانعقاد كذراع واهية، تدور في فراغٍ بلا قيمة أو تأثير قد تساهم بتعقيد الأمور أمام روسيا أكثر، وتحرمها من فرصة أي جنى سياسي؛ فلا يمكن لروسيا ادّعاء نيل الجنى العسكري، وشرف الإنجاز السياسي بالأدوات ذاتها.
في الدعوة والمدعوين إلى "سوتشي"، رفضُ مَن يريد مناقشة رأس المنظومة التي تسببت بالكارثة، والقبول بعضوية ألف وسبعمائة من كل مكونات وأطياف "الشعوب" السورية الحكومية و "المعارضة".
في الهدف من سوتشي "حل سياسي" مبني على تشكيل لجان لمناقشة الدستور، وأخرى لمناقشة الانتخابات؛ وتغييب أي نقاش لعملية أو محور أو "سلّة" الانتقال السياسي التي نصّت عليها القرارات الدولية.
في الجهة المنظِّمة، وزارة الدفاع الروسية، لا الرئاسة، ولا وزارة الخارجية الروسية، ربما للاعتقاد أن وزارة الدفاع التي"أنجزت" عسكرياً يمكنها إكمال المشوار الروسي في سورية و"جلب السلام" بأدوات الحرب، كما جلبت "النصر" للرئيس بوتين على "الإرهاب السوري". وبذا يمكن إعطاء بوتين حقنة قوة جديدة في عيون الروس وعيون العالم "مخلّصا لسورية من الإرهاب، وحلّالا لمشكلات العالم، ومحققا للمصالح الروسية في الساحات العالمية".
حتى ولو تم إقرار اسم "مؤتمر الحوار الوطني" لما يُزمع عقده في سوتشي، إلا أن الاسم الأول الذي أطلقه بوتين يعكس موقفه وسياسته ورؤيته لسورية وللسوريين. هم بالنسبة له ليسوا إلا كتلاً بشرية تشبه "شعوب الاتحاد السوفييتي" مستلب الإرادة والمستباح، والذي كان يدور في فلك الإمبراطوية السوفييتية. من هنا، علينا تصوّر أي فعل أو قرار أو إرادة لهؤلاء الذين سيوجدون إحضارياً في سوتشي؛ وهل سيكون بإمكانهم طرح أي مسألة مخالفة لما يريده مالك أمرهم. ومن هنا أتت صراحة لافرنتييف، المبعوث الخاص للسيد بوتين؛ عندما قال "من يريد مناقشة مصير الأسد أو عملية انتقال سياسي في سورية، ليس مرحباً به في سوتشي". المفارقة في هذه المسألة تتمثل بالاستكانة لإرادة الاحتلال والانسحاق أمامها؛ فهناك مَن يتوسط ويقبّل الأيادي ليكون له حضور في مؤتمر سوتشي؛ وهناك مَن تشكّله
حتى تكتمل المسرحية الدموية السوتشية، لا يتردد ممثلو بوتين في بث الأكاذيب من أن الأمم المتحدة تبارك الخطوة الروسية في سوتشي؛ فهذا لافرانتييبف، مبعوث بوتين، يطلق تصريحاً في آخر يومي "أستانة 8" إن المبعوث الدولي الخاص إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، سيحضر سوتشي؛ وليسارع أحد معاونيه لإبلاغ كاتب هذه السطور بأن المبعوث الدولي لم يعبّر عن استعداده للحضور أو غير ذلك، كما روى لافرانتييف.
إضافة إلى كل ما سبق، تبقى إحدى أهم عُقَدِ عَقْد مؤتمر سوتشي في الذين اعتبرتهم موسكو ضامنين في "أستانة"، حيث كان الإعلان الرسمي عن "سوتشي"، مراهنة على أن الضامن التركي سيؤمن لها حضور الفصائل التي ضمنتها؛ لكنها لم تعبأ بالشروط التي يمكن أن تضعها تركيا مقابل تيسير المطلب الروسي؛ وتحديداً "الفيتو" الذي تضعه تركيا على إشراك حزب الاتحاد الوطني (الكردي) في سوتشي. وهنا لم يفد إغراء الشركاء الضامنين إعطاؤهم أفضلية تقديم قوائم حضور لمؤتمرها، فبدأت عمليات الابتزاز المتبادل، والذي وجد ترجمته في عرقلة اتفاقية خفض التصعيد في إدلب، والدور الإيراني المشبوه الذي لعبته إيران في نسف الاتفاق؛ ليتبيّن أن المراهنة الروسية في أستانة تكاد تكون تلغيماً لمؤتمر سوتشي ذاته.
رافق القلق والتوتر الروسي تجاه مؤتمرها إرباك عكسته التصريحات الروسية تجاه الموقف الأميركي منه؛ حيث إن روسيا تعرف تماماً أن أي ملمح إيجابي أميركي تجاه سوتشي، ينجحه؛ إلا أن موسكو كانت تستشعر السلبية الأميركية تجاه خطوتها؛ فاستبقتها بتحديد "دور مراقب" لأميركا من باب "التكبُّر على المتكبِّر"، حيث إنه لا يُتَوقَّع من أميركا أن تكون مغرمةً بتحقيق روسيا أي نجاح، ولو خلّبيا؛ إلا اذا كان يخدم أغراضها؛ وهو ليس كذلك.
أوروبا المتمسكة بالقرارات الدولية بخصوص سورية، والداعمة جهود المبعوث الدولي في جنيف، لن تكون مسرورة، وهي ترى روسيا تدعس على القرارات الدولية؛ وتقفز فوقها أوتلتف عليها.
أخيرا، تبقى عقدة العقد أمام المشروع الروسي موقف ما تسمى المعارضة الرسمية بعد مؤتمر الرياض 2، وبعد وفد واحد في جنيف 8، وبعد أداء مميّز في تلك الجولة؛ أداء شاهده العالم، ولم يتمكن المبعوث الدولي إلا أن يشيد به أمام مجلس الأمن والعالم. شكلت هذه المعارضة عقدة لموسكو التي تفننت بمحاولات نسف مصداقيتها، ولا تنفكّ عن القيام بذلك، عبر وصفها أخيرا بالتعنت والراديكالية، وتتحدث عن ضرورة غربلة بعض الأشخاص منها آملةً ببعثرتها. ولكن موسكو، بغفلةٍ أو تغافلٍ، تتجاهل المد الشعبي السوري الرافض لمشروعها في سوتشي، والذي لا يمكن لهيئة التفاوض أن تقفز عنه؛ فهو وحركتها الدبلوماسية الدولية ما يمدّها بالموقف القوي الذي لا تستطيع موسكو نسفه، حتى ولو عادت إلى عنفٍ غير مسبوق في الغوطة والشمال السوري.
في صيغته الحالية، سوتشي تجمّعُ "مصالحةٍ" مكبّر مهين للسوريين وحقوقهم؛ يحاول القفز على القرارات الدولية؛ تحول دون نجاحه جملةٌ من التعقيدات، تتقدمها منهجية روسيا العسكرية في مقاربة القضية السورية في إيجاد حل سلمي لسورية، يمكّن بوتين من القول إنه أنجز سياسياً، وهذا غير ممكن. مصير الخطوة الروسية إما التأجيل والتفكير بكل ما سبق، وجعله فعلاً مساهماً بحل سياسي، لا يشترط عدم مناقشة مصير الأسد، والانتقال السياسي، وتشكيل لجان فاعلة لإنجاز ذلك، أو الانعقاد كذراع واهية، تدور في فراغٍ بلا قيمة أو تأثير قد تساهم بتعقيد الأمور أمام روسيا أكثر، وتحرمها من فرصة أي جنى سياسي؛ فلا يمكن لروسيا ادّعاء نيل الجنى العسكري، وشرف الإنجاز السياسي بالأدوات ذاتها.
دلالات
يحيى العريضي
كاتب وإعلامي سوري، مستشار الهيئة العليا للمفاوضات، دكتوراة في الإعلام من جامعة جورج تاون
يحيى العريضي
مقالات أخرى
04 مارس 2019
12 فبراير 2019
29 يناير 2019