12 نوفمبر 2024
محاولة إسرائيلية فاشلة بشأن لبنان
يشكل مقال الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، العميد رونين منليس، والذي نُشر على مواقع إلكترونية معارضة لبنانية، أسلوباً جديداً مبتكراً، وغير مسبوق، في طريقة تعامل هذا الجيش مع تعاظم القوة العسكرية لحزب الله في لبنان، واحتمالات نشوب مواجهة عسكرية جديدة واسعة النطاق معه. فقد دأب الجيش الإسرائيلي عامة على استخدام القنوات الدبلوماسية ودول صديقة، والإعلام الإسرائيلي، من أجل إرسال تهديداته، لكنها المرة الأولى التي يتوجه فيها الجيش مباشرة إلى الجمهور اللبناني، ليحذره ويهول عليه، كما فعل الناطق بلسان الجيش، في مقاله "خيار اللبنانيين 2018".
إذا كان الناطق يعتقد حقاً أنه قادر، بمقاله المذكور، على إحداث تحول في الرأي العام اللبناني، وتنبيهه إلى مخاطر التدخل الإيراني في سياسة بلاده، وفي قرار الحرب والسلم في هذا البلد، فهو على الأرجح واهم أو ساذج. فما جاء في المقال من تعداد للمخاطر المترتبة على لبنان، جرّاء التنامي الكبير لنفوذ إيران العسكري والسياسي في لبنان، أمر يعرفه القاصي والداني، وقضية شكلت محور اهتمام معارضي حزب الله في لبنان الذين ينتمون إلى ما تبقى من محور "الاستقلاليين" الذين تفرقوا كأيدي سبأ، وتشرذمت صفوفهم بالطريقة العشوائية عينها التي
جمعهم فيها اغتيال رئيس الحكومة الأسبق، رفيق الحريري. لكن على الرغم من كل المواقف الرافضة وجود سلاح حزب الله، وللتدخل الإيراني في السياسة الداخلية اللبنانية، وعلى الرغم من أن تيار المستقبل وحلفاءه يشكلون أغلبية في مجلس النواب اللبناني الحالي، فإنهم لم يستطيعوا أن يغيروا قيد أنملة من المواقف الرسمية للدولة اللبنانية التي أظهرت دعمها المطلق لسلاح حزب الله، من خلال المواقف التي أعلنها رئيس الجمهورية، ميشال عون، وقال فيها إن سلاح حزب الله ضروري للدفاع عن لبنان وردع إسرائيل، لأن الجيش اللبناني وحده غير قادر على مواجهة أي اعتداء إسرائيلي جديد. فهل فعلاً يتوقع الناطق بلسان الجيش "إيقاظ" الرأي العام اللبناني؟ أم هو يهدف، أولاً وآخراً، إلى تخويفه وترهيبه فقط لا غير؟ أم أن المقال هو فعلاً تمهيد للتحضير لعملية عسكرية إسرائيلية ضد حزب الله في لبنان؟ أم هو مقدمة للتدخل في المعركة الانتخابية لمجلس النواب اللبناني التي يجري تحضيرها في هذه الأيام؟
هناك رأي إسرائيلي أن لنشر المقال علاقة بزيارة رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، إلى موسكو، فتصريحاته في طريقه إلى هناك، الأسبوع الجاري، حيث التقى مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هي حرفياً استعادة لما جاء في المقال، بشأن تحويل لبنان إلى قاعدة لتصنيع الصواريخ الإيرانية الموجهة ضد إسرائيل. وبهذا المعنى، هدف المقال تضخيم هذا الخطر قبل اللقاء مع الرئيس الروسي على الطريقة التي يتقنها نتنياهو في تضخيم مخاطر إيران. فيما لم تنجح إسرائيل، على الأرض، في العثور على دلائل ملموسة على وجود مصانع إيرانية لتصنيع الصواريخ في لبنان، على الرغم من تبجح الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بحيازتها معلومات دقيقة تتعلق بذلك.
وتدل إشارة الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، في مقاله، إلى مرور 11 عاماً من الهدوء على الحدود مع لبنان، على أنه لم يطرأ جديد فعلي يمكن أن يغير المعادلة الردعية التي أقامها الجيش مع حزب الله بعد حرب تموز 2006، باستثناء التطورات في سورية، والتموضع الإيراني هناك.
صحيح أن التحديثات التي أدخلتها هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي على وثيقة استراتيجية الجيش الإسرائيلي التي نشرها علناً رئيس أركان الجيش، غادي أيزنكوت، عام 2015
وضعت خطر المحور الشيعي الذي تقوده إيران في سورية ولبنان في الدرجة الأولى، قبل الخطر الفلسطيني، وأن هدف التدريبات الواسعة التي أجراها الجيش نهاية العام كان انتصار الجيش الإسرائيلي في حرب لبنان الثالثة، إلا أن جميع التقديرات العسكرية تفيد بأنه ليس لدى أي فريق من الأفرقاء النية للعبث بالهدوء الهش الذي يسود الحدود الشمالية في الوقت الراهن. لذا من الصعب فهم الحاجة الملحة التي دفعت الناطق بلسان الجيش إلى كتابة مقاله.
يقول إسرائيليون، تعليقاً على الموضوع، إن ما دفع الناطق بلسان الجيش إلى استخدام مواقع تواصل معارضة لنشر مقاله هو النجاح الذي حققه منسق الأنشطة الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، والذي يستخدم قنوات التواصل لمخاطبة الفلسطينيين، وربما أيضاً الموضة التي حملها معه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في التغريد على كل صغيرة وكبيرة. لكن يتضح من مضمون المقال أن المقصود ليس فقط الترهيب والتخويف من عملية عسكرية تحرق لبنان، بل هو محاولة إسرائيلية سافرة للتدخل في الحياة السياسية الداخلية اللبنانية، بالإشارة إلى الخطر الذي يهدد مستقبل التنقيب عن الغاز والنفط على الشواطئ اللبنانية، وما يحمله من تهديد إسرائيلي مبطن، غرضه "تطفيش" الشركات الأجنبية المستثمرة، والتلميح للجمهور اللبناني أن لديه إمكانية لتغيير الوضع من خلال الانتخابات المقبلة.
وكانت إسرائيل قد حاولت، في الماضي، التدخل في رسم صورة لبنان السياسي سنة 1982 بعد غزوها له، وفشلت فشلاً ذريعاً. وهي اليوم أيضاَ بصدد تسجيل فشل آخر، فالتغيير السياسي في لبنان لا يمكن أن يتم من الخارج، أو بواسطة مقالات تهويلية من الجيش الإسرائيلي، إنه أولاً وقبل كل شيء رهن بإرادة اللبنانيين، وقرارهم الحر، ورفضهم تحويل بلدهم إلى أداة صراع بين إسرائيل وإيران.
إذا كان الناطق يعتقد حقاً أنه قادر، بمقاله المذكور، على إحداث تحول في الرأي العام اللبناني، وتنبيهه إلى مخاطر التدخل الإيراني في سياسة بلاده، وفي قرار الحرب والسلم في هذا البلد، فهو على الأرجح واهم أو ساذج. فما جاء في المقال من تعداد للمخاطر المترتبة على لبنان، جرّاء التنامي الكبير لنفوذ إيران العسكري والسياسي في لبنان، أمر يعرفه القاصي والداني، وقضية شكلت محور اهتمام معارضي حزب الله في لبنان الذين ينتمون إلى ما تبقى من محور "الاستقلاليين" الذين تفرقوا كأيدي سبأ، وتشرذمت صفوفهم بالطريقة العشوائية عينها التي
هناك رأي إسرائيلي أن لنشر المقال علاقة بزيارة رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، إلى موسكو، فتصريحاته في طريقه إلى هناك، الأسبوع الجاري، حيث التقى مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هي حرفياً استعادة لما جاء في المقال، بشأن تحويل لبنان إلى قاعدة لتصنيع الصواريخ الإيرانية الموجهة ضد إسرائيل. وبهذا المعنى، هدف المقال تضخيم هذا الخطر قبل اللقاء مع الرئيس الروسي على الطريقة التي يتقنها نتنياهو في تضخيم مخاطر إيران. فيما لم تنجح إسرائيل، على الأرض، في العثور على دلائل ملموسة على وجود مصانع إيرانية لتصنيع الصواريخ في لبنان، على الرغم من تبجح الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بحيازتها معلومات دقيقة تتعلق بذلك.
وتدل إشارة الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، في مقاله، إلى مرور 11 عاماً من الهدوء على الحدود مع لبنان، على أنه لم يطرأ جديد فعلي يمكن أن يغير المعادلة الردعية التي أقامها الجيش مع حزب الله بعد حرب تموز 2006، باستثناء التطورات في سورية، والتموضع الإيراني هناك.
صحيح أن التحديثات التي أدخلتها هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي على وثيقة استراتيجية الجيش الإسرائيلي التي نشرها علناً رئيس أركان الجيش، غادي أيزنكوت، عام 2015
يقول إسرائيليون، تعليقاً على الموضوع، إن ما دفع الناطق بلسان الجيش إلى استخدام مواقع تواصل معارضة لنشر مقاله هو النجاح الذي حققه منسق الأنشطة الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، والذي يستخدم قنوات التواصل لمخاطبة الفلسطينيين، وربما أيضاً الموضة التي حملها معه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في التغريد على كل صغيرة وكبيرة. لكن يتضح من مضمون المقال أن المقصود ليس فقط الترهيب والتخويف من عملية عسكرية تحرق لبنان، بل هو محاولة إسرائيلية سافرة للتدخل في الحياة السياسية الداخلية اللبنانية، بالإشارة إلى الخطر الذي يهدد مستقبل التنقيب عن الغاز والنفط على الشواطئ اللبنانية، وما يحمله من تهديد إسرائيلي مبطن، غرضه "تطفيش" الشركات الأجنبية المستثمرة، والتلميح للجمهور اللبناني أن لديه إمكانية لتغيير الوضع من خلال الانتخابات المقبلة.
وكانت إسرائيل قد حاولت، في الماضي، التدخل في رسم صورة لبنان السياسي سنة 1982 بعد غزوها له، وفشلت فشلاً ذريعاً. وهي اليوم أيضاَ بصدد تسجيل فشل آخر، فالتغيير السياسي في لبنان لا يمكن أن يتم من الخارج، أو بواسطة مقالات تهويلية من الجيش الإسرائيلي، إنه أولاً وقبل كل شيء رهن بإرادة اللبنانيين، وقرارهم الحر، ورفضهم تحويل بلدهم إلى أداة صراع بين إسرائيل وإيران.
مقالات أخرى
20 أكتوبر 2024
06 أكتوبر 2024
21 سبتمبر 2024