12 نوفمبر 2024
لماذا تضخّم إسرائيل الخطر الإيراني عليها؟
إسرائيل كيان سياسي مصطنع، لا يستطيع العيش من دون خطر وجودي يتهدّدها، سواء أكان حقيقياً أم متوهماً. وهي بعد مرور 70 عاماً على قيامها، وتوسعها الجغرافي وامتلاكها قدرة عسكرية هائلة، ما تزال تغذيّ على الدوام هذا التهديد الذي أصبح جزءاً من عقيدتها الدفاعية وسياساتها الأمنية.
لكن منذ وقت طويل، تحول الترهيب من خطر يتهدّد وجود إسرائيل إلى أداة توضع في خدمة أهداف لا علاقة لها دائماً بالتهديدات الأمنية، وأصبح وسيلةً تخدم أهدافاً سياسية داخلية، ذات طابع انتخابي دعائي أو تحريضي، أو أهدافاً لها علاقة بالمخصصات المالية، مثل المطالبة بزيادة ميزانيات الجيش الإسرائيلي، أو لتبرير عدم تقديم تقدمات اقتصادية للطبقات الاجتماعية الفقيرة، والأهم وسيلة للمحافظة على درجة معينة من القلق على المصير، في سبيل تعبئة الجمهور الإسرائيلي في مواجهة المخاطر. كما يخدم التهويل من خطر وجودي سياسة إسرائيلية خارجية تقليدية، تسعى إلى استدرار عطف المجتمع الدولي، من خلال تصوير إسرائيل دولة صغيرة محاطة ببحر من الدول العربية المعادية لها.
ضمن هذا السياق، يمكن أيضاً إدخال الحملة الإسرائيلية ضد تعاظم الوجود العسكري الإيراني في سورية، وبناء إيران قواعد عسكرية هناك، وتمركز مليشيات شيعية تابعة لإيران، بالقرب من الحدود في هضبة الجولان.
قبل ذلك ببضع سنوات، شهدنا حملة إسرائيلية مسعورة ضد خطر حصول إيران على القنبلة
النووية. ولا يستطيع أحد أن ينسى خطاب بنيامين نتنياهو في الدورة 67 للأمم المتحدة، وهو يحمل رسماً لقنبلة نووية إيرانية، محذّراً العالم من خطورة تحول إيران إلى دولة نووية. لكن جميع هذه التهويلات لم تنفع، فإذا بالعالم يوقع في 2015، أي بعد ثلاث سنوات فقط على خطاب نتنياهو التهويلي اتفاقاً نووياً مع إيران.
هذه المرة، يتركز التهويل الإسرائيلي من خطر الوجود العسكري الإيراني في سورية على أمرين أساسيين: بناء قواعد عسكرية إيرانية في سورية؛ ونشر منظومة صاروخية إيرانية متطورة هناك، بحيث تغطي مع الترسانة الصاروخية التي يملكها حزب الله في لبنان جميع الأراضي "الإسرائيلية"، ما يغير الواقع السابق، ويخلق توازناً ردعياً جديداً.
تدرك إسرائيل أن نظام بشار الأسد خرج منتصراً من الحرب الأهلية في سورية، وأن الرابح الأكبر في هذه الحرب هما إيران وروسيا. وهي تعترف اليوم، على لسان أكثر من خبير وباحث إسرائيلي، بأنها الخاسرة في هذه الحرب، ليس بسبب صمود بشار الأسد في منصبه، فهو في رأيها يبقى "شيطاناً" تعرفه أفضل من شياطين لا تعرفها، بل بسبب ما يترتب عن هذا الصمود الذي يدين له الأسد، قبل كل شيء، إلى الإيرانيين والمليشيات الشيعية التي تأتمر بأوامرها، من صعود للنفوذ الإيراني العسكري والسياسي في المنطقة، وانعكاسات ذلك على ثلاث ساحات مواجهة مستقبلية أساسية، من وجهة نظر إسرائيل، سورية ولبنان وغزة.
بحسب القيادة الأمنية في إسرائيل، الجبهة الشمالية مصدر الخطر الأكبر الذي يتهدد إسرائيل في 2018، خصوصا بسبب تعاظم الوجود العسكري الإيراني في سورية ولبنان، وإمكانية استخدام هذا الوجود أداة ردعية ضد أي عملية عسكرية إسرائيلية مستقبلية، تستهدف المنشآت النووية الإيرانية. لكن ما لا يذكره هؤلاء المسؤولون أن التنسيق الإسرائيلي- الروسي في سورية يفرض على هذا الوجود الإيراني قيوداً وكوابح غير مرئية. وأبرز دليل على ذلك غض النظر الروسي عن الغارات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، وآخرها الهجوم قرب دمشق الذي استهدف، بحسب مصادر صحافية إسرائيلية، معسكراً عسكرياً إيرانياً.
لكن إذا كانت الهجمات الجوية ضد مواقع إيرانية هي من باب التحذير والتصعيد المضبوط، هذا مع العلم أن الوجود العسكري الإيراني قد يشكل عاملاً يهدّد الاستقرار الداخلي في أكثر من
دولة عربية أكثر بكثير مما يهدد فعلاً إسرائيل. صحيحٌ أن احتمال نشر منظومة صاروخية إيرانية متطورة في سورية بالقرب من الحدود في الجولان سيخلق توزاناً جديداً للردع هناك، لكن من المستبعد أن يشكل في أي حال ذريعة لاندلاع مواجهة إسرائيلية- إيرانية في سورية أو في لبنان. بدليل السلوك الإسرائيلي تجاه تعاظم القوة الصاروخية لحزب الله على الحدود الجنوبية مع "إسرائيل" خلال العقد الأخير، واكتفاء إسرائيل بالتهديد بحربٍ مدمرةٍ ضد لبنان، إذا استخدم الحزب هذه الصواريخ، من دون أن تقدم على تدمير القدرة الصاروخية لحزب الله، لإدراكها الثمن الدموي الهائل الذي سيدفعه المدنيون الإسرائيليون جرّاء ذلك.
مرة أخرى، يبدو أن التهويلات الإسرائيلية من الوجود العسكري الإيراني في سورية مبالغات وتضخيمات تضعها إسرائيل في خدمة سياساتها الخارجية والداخلية والأمنية. تدرك إسرائيل أنها أمام واقع استراتيجي جديد في المنطقة، يتطلب منها مقاربة عسكرية جديدة للمخاطر المستحدثة. لكن على ما يبدو، هي ما تزال تستخدم أدوات قديمة، منها التهويل بخطر وجودي، من أجل مواجهة التغيرات التي طرأت.
لكن منذ وقت طويل، تحول الترهيب من خطر يتهدّد وجود إسرائيل إلى أداة توضع في خدمة أهداف لا علاقة لها دائماً بالتهديدات الأمنية، وأصبح وسيلةً تخدم أهدافاً سياسية داخلية، ذات طابع انتخابي دعائي أو تحريضي، أو أهدافاً لها علاقة بالمخصصات المالية، مثل المطالبة بزيادة ميزانيات الجيش الإسرائيلي، أو لتبرير عدم تقديم تقدمات اقتصادية للطبقات الاجتماعية الفقيرة، والأهم وسيلة للمحافظة على درجة معينة من القلق على المصير، في سبيل تعبئة الجمهور الإسرائيلي في مواجهة المخاطر. كما يخدم التهويل من خطر وجودي سياسة إسرائيلية خارجية تقليدية، تسعى إلى استدرار عطف المجتمع الدولي، من خلال تصوير إسرائيل دولة صغيرة محاطة ببحر من الدول العربية المعادية لها.
ضمن هذا السياق، يمكن أيضاً إدخال الحملة الإسرائيلية ضد تعاظم الوجود العسكري الإيراني في سورية، وبناء إيران قواعد عسكرية هناك، وتمركز مليشيات شيعية تابعة لإيران، بالقرب من الحدود في هضبة الجولان.
قبل ذلك ببضع سنوات، شهدنا حملة إسرائيلية مسعورة ضد خطر حصول إيران على القنبلة
هذه المرة، يتركز التهويل الإسرائيلي من خطر الوجود العسكري الإيراني في سورية على أمرين أساسيين: بناء قواعد عسكرية إيرانية في سورية؛ ونشر منظومة صاروخية إيرانية متطورة هناك، بحيث تغطي مع الترسانة الصاروخية التي يملكها حزب الله في لبنان جميع الأراضي "الإسرائيلية"، ما يغير الواقع السابق، ويخلق توازناً ردعياً جديداً.
تدرك إسرائيل أن نظام بشار الأسد خرج منتصراً من الحرب الأهلية في سورية، وأن الرابح الأكبر في هذه الحرب هما إيران وروسيا. وهي تعترف اليوم، على لسان أكثر من خبير وباحث إسرائيلي، بأنها الخاسرة في هذه الحرب، ليس بسبب صمود بشار الأسد في منصبه، فهو في رأيها يبقى "شيطاناً" تعرفه أفضل من شياطين لا تعرفها، بل بسبب ما يترتب عن هذا الصمود الذي يدين له الأسد، قبل كل شيء، إلى الإيرانيين والمليشيات الشيعية التي تأتمر بأوامرها، من صعود للنفوذ الإيراني العسكري والسياسي في المنطقة، وانعكاسات ذلك على ثلاث ساحات مواجهة مستقبلية أساسية، من وجهة نظر إسرائيل، سورية ولبنان وغزة.
بحسب القيادة الأمنية في إسرائيل، الجبهة الشمالية مصدر الخطر الأكبر الذي يتهدد إسرائيل في 2018، خصوصا بسبب تعاظم الوجود العسكري الإيراني في سورية ولبنان، وإمكانية استخدام هذا الوجود أداة ردعية ضد أي عملية عسكرية إسرائيلية مستقبلية، تستهدف المنشآت النووية الإيرانية. لكن ما لا يذكره هؤلاء المسؤولون أن التنسيق الإسرائيلي- الروسي في سورية يفرض على هذا الوجود الإيراني قيوداً وكوابح غير مرئية. وأبرز دليل على ذلك غض النظر الروسي عن الغارات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، وآخرها الهجوم قرب دمشق الذي استهدف، بحسب مصادر صحافية إسرائيلية، معسكراً عسكرياً إيرانياً.
لكن إذا كانت الهجمات الجوية ضد مواقع إيرانية هي من باب التحذير والتصعيد المضبوط، هذا مع العلم أن الوجود العسكري الإيراني قد يشكل عاملاً يهدّد الاستقرار الداخلي في أكثر من
مرة أخرى، يبدو أن التهويلات الإسرائيلية من الوجود العسكري الإيراني في سورية مبالغات وتضخيمات تضعها إسرائيل في خدمة سياساتها الخارجية والداخلية والأمنية. تدرك إسرائيل أنها أمام واقع استراتيجي جديد في المنطقة، يتطلب منها مقاربة عسكرية جديدة للمخاطر المستحدثة. لكن على ما يبدو، هي ما تزال تستخدم أدوات قديمة، منها التهويل بخطر وجودي، من أجل مواجهة التغيرات التي طرأت.
دلالات
مقالات أخرى
20 أكتوبر 2024
06 أكتوبر 2024
21 سبتمبر 2024