من أجل إحباط "خطة حسم" الإسرائيلية

16 سبتمبر 2017
+ الخط -
ما سمّاها، قبل أيام، أحد أبرز ممثلي اليمين الإسرائيلي "خطة حسم" لضم الضفة الغربية المحتلة إلى الدولة العبرية وحل السلطة الوطنية الفلسطينية، لا تعدو أن تكون تسميةً للأشياء بأسمائها. فقد أعلن عضو الكنيست من "البيت اليهودي"، بتسلئيل سموتريتش، عن مشروعه القاضي بتصفية السلطة الفلسطينية، "لأنه لا يمكن أن يعيش شعبان يملكان تطلعاتٍ وطنيةً نحو أرض واحدة على الأرض نفسها"، على حد تعبيره. والحل برأيه هو فرض سيادة الاحتلال الإسرائيلي على الضفة الغربية، وتشجيع الفلسطينيين على الهجرة و"شراء منازلهم بأسعار منصفة"، وحل السلطة واستبدالها بأربعة أو خمسة مجالس محلية، وعلى من يرفض ذلك أن يقبل الحرب.
في واقع الأمر، هذه هي السياسة التي تعتمدها وتنفذها حكومة نتنياهو بصورة جوهرية. مع اختلافٍ طفيفٍ، في بعض التفاصيل والمظاهر، عما يطرحه عضو "البيت اليهودي". بل إن نتنياهو لم يتورع عن دعم "خطة الحسم" هذه التي صادقت عليها حركة الاتحاد الوطني (من مكونات "البيت اليهودي")، وقد بعث بتحية مسجلة لمؤتمر الحركة خلال مناقشة الخطة والتصديق عليها.

لم تعد مشاريع التطهير العرقي (الترانسفير) لتثير حرج أصحابها الذين يعتبرونها مشاريع سياسية. ففي هذه الحقبة من الإنهيار الأخلاقي للسياسة الدولية في عالمنا، اختفت الحدود بين ما هو أخلاقي وغير أخلاقي، بين ما هو عنصري وما هو سياسي. والصهاينة هم رواد هذا النهج البراغماتي، شديد الابتذال، يرون فيه تحقيقا لمصالحهم التوسعية على حساب الغير، واهتبالا للفرص لتحقيق مكاسب غير مشروعة، ما دام يمكن اللجوء إلى القوة العارية الغاشمة، وإلى تغليف هذا النهج بعبارات صفراء عن ديمقراطية مزعومة.. ديمقراطية المستعمر الغازي، فالزعيم الصهيوني الصاعد يؤكد أن إسرائيل سوف تبقى مع تنفيذ هذا المشروع دولة ديمقراطية، ومن يتبقون من الفلسطينيين على أرضهم سوف يعيشون حياة طيبة.
أعاد الاحتلال، منذ أواخر العام 2015، العمل إلى "الإدارة المدنية" في الضفة الغربية، وكانت هذه قائمة قبل إنشاء السلطة الفلسطينية. وهي إدارة يتولاها عسكريون خلافا لاسمها، ومهمتها، حسب التسمية الإسرائيلية، "تنسيق أعمال الحكومة في المناطق"، وضبط حياة الفلسطينيين وتنظيمها، وتقديم "خدماتٍ" لهم وبصورة أسرع من التي تقدمها السلطة عبر التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال. وهي، وعلى هذا النحو، تمثل إدارة موازية، إن لم تكن بديلةً للسلطة ولوزاراتها ومؤسساتها. ويجري حاليا توسيع هذه الإدارة وتزويدها بأعداد أكبر من العاملين. وتشمل خدمات هذه الإدارة المواطنين الفلسطينيين والمستوطنين في الضفة الغربية. وتمثل في المحصلة (بالإضافة إلى الوجود العسكري والاستيطاني) واجهة للاحتلال، وعنوانا له. وإذ يمثّل وجود هذه الإدارة ذراعا للاحتلال، وإلغاء عمليا لما تبقى من التزامات اتفاق أوسلو، فإن أمام السلطة الفلسطينية أن تفعل الكثير لمواجهة هذا الأمر الواقع، ابتداء من شن حملةٍ سياسية ودبلوماسية وإعلامية على إدارة الاحتلال هذه، ومرورا بوضع إلغاء هذه الإدارة على جدول أعمال التحرّكات الدولية، وليس انتهاء بدعوة المواطنين إلى مقاطعة هذه الإدارة. علماً أن تحليلات شتى تذهب إلى أن إحياء هذه الإدارة يهدف إلى ملء الفراغ، في حال حل السلطة الفلسطينية، حسب دعوات اليمين المتطرّف المؤتلف في حكومة نتنياهو.
والأمر الذي يستحق الالتفات إليه، ومنحه كل الاهتمام، أن الحكومة الحالية في تل أبيب تضع نصب أعينها تصفية القضية الفلسطينية، والاستيلاء على كامل الضفة الغربية، وعلى المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، والتمدد الاستيطاني على الأراضي الخاصة المملوكة لفلسطينيين كما على أراضٍ أميرية. وترى هذه الحكومة في الظروف الحالية الإقليمية والدولية ظروفاً مثالية لبلوغ أهدافها. وذلك وسط الانفضاض عن القضية الفلسطينية، والتخلي عن جهود التسوية. وفي وقتٍ أصبحت فيه استباحة حياة المدنيين، والتنكيل بهم وتهجيرهم من مناطقهم من الوقائع الاعتيادية في الشرق الأوسط، والتي تنظر إليها مراكز القرارات الدولية في موسكو وواشنطن وبكين بغير ما اكتراث. بما يجعل الدعوات إلى تطهير عراقي في الأراضي الفلسطينية أمرا مألوفا، وحيث تتركز الحملات والجهود على "الإرهاب الإسلامي السني"، مع تجاهل متعمدٍ لأي إرهاب من أي مصدر آخر، وخصوصا الرسمي الذي ترعاه وتنفذه دول قائمة، ومنها الدولة العبرية التي تستبيح أراضي الغير وتصادرها، وتستبيح مقدساتهم وتقوم بتغيير معالمها، ولا تكتم عزمها الاستيلاء عليها. وسط صمت دولي يكشف عن حجم الخواء
الأخلاقي الذي باتت تسم به السياسة الدولية في العقدين الأخيرين. وحيث مبادئ السلم والأمن والاستقرار باتت تتعلق بدول وأنظمة سياسية في الشرق والغرب، لا بشعوب، وخصوصا الشعوب المستضعفة.
وإذ تنهمك السلطة الوطنية في رام الله وسلطة حركة حماس في غزة بما تسمى جهود إنهاء الانقسام، فإن جهود الاحتلال تنصب على ابتلاع الضفة الغربية، وتغيير هويتها، والعمل على ضمها بالتدريج للدولة الإسرائيلية، وتجويف السلطة وسلبها صلاحياتها وولايتها على شعبها، ما يُملي منح اهتمام أكبر لأولوية تثبيت الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية، وخصوصا أن قطاع غزة (الذي ينوء بمشكلات كبيرة واجبة الحل) غير مشمول بالأطماع الإسرائيلية. وأمام هذا التحدي، فإن السلطة الوطنية مدعوّة إلى إجراء انتخابات تشريعية في الضفة الغربية، لملء الفراغ التشريعي، ولاستكمال مؤسسات السلطة، وتعزيز كيانها السياسي والقانوني، وحتى لا تظهر السلطة مجرّد جهاز خدماتي، يقوم بخدمات ناقصة تكملها الإدارة المدنية الإسرائيلية، بما يؤدي إلى الاضمحلال التدريجي للسلطة. أجل انتخابات تشريعية في الضفة الغربية، مع ترك مقاعد فارغة لقطاع غزة، فالأولوية تكمن في مواجهة الاستباحة الإسرائيلية الحثيثة للوجود الوطني في الضفة الغربية. ومع الأخذ في الاعتبار أن الاحتلال سوف يضع عقبات وعراقيل أمام إجراء انتخابات تشريعية، إلا أن هذه المعركة السياسية المصيرية تستحق أن تُخاض، على أن تتلو الانتخابات التشريعية انتخابات رئاسية. وبما يعيد الحيوية للمجتمع السياسي وللحياة العامة. وإذ تبرز مخاوف مشروعة من تكريس الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة وتقنينه، إلا أن خطر تبديد الوجود الوطني في الضفة الغربية يظل أخطر وأكبر، وأدعى لمواجهته بإجراءاتٍ تعيد الحياة والحيوية إلى الكيان السياسي، علماً أن تدارك الانقسام يظل ممكنا ومتاحا، متى ما توافرت الإرادة السياسية، بينما تصعب مواجهة مفاعيل تبديد الوجود الوطني، متى ما قطع أشواطا إضافية على أرض الواقع وفي تشريعات الاحتلال.
دلالات