مؤتمر شباب السيسي.. لا إبداع ولا انطلاق

06 اغسطس 2017

مؤتمر الشباب في الاسكندرية.. تبرير القمع والفشل الاقتصادي (فيسبوك)

+ الخط -
يفصل نحو عام بين المؤتمر الأول للشباب في مصر الذي عقد في أكتوبر/ تشرين الأول 2016 والمؤتمر الرابع الذي عقد أخيرا في الإسكندرية. لم تتغير تقريبا الموضوعات التي طرحتها السلطة، ولا طبيعة خطابها ومضمونه. بدأ المؤتمر الرابع بعرض مشاهد من المؤتمرات السابقة، بوصفها إنجازا في حد ذاتها، بينما ركز المؤتمر على عرض السلطة التنفيذية (مؤسستا الرئاسة والحكومة) لقضيتين أساسيتين: الإصلاح الاقتصادي والإرهاب. حرص الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على توجيه عدة رسائل، ترجمت طريقة إدارة الدولة ومنهجها فى التعامل مع الأزمات، واتسم الخطاب الرسمي في المؤتمر بطابع تبريري، فالأزمة الاقتصادية ميراث من أنظمة سابقة. وزادت مع زيادة عدد السكان الضخم الذي يلتهم الموارد. وبذلك برّأ النظام نفسه من آثار ممارساته الاقتصادية التقشفية، بل اعتبارها خطوات جريئة لم يسبقه أحد فى تطبيقها، وهو محقٌّ فلم تشهد مصر سياسات اقتصادية بهذه الدرجة من القسوة والعنف، وزاد الأمر صعوبة أن تلك القرارات تزامنت معها ممارسة قمعية أودعت آلافا خلف السجون.
خلال المؤتمر، وصف النظام الإجراءات الاقتصادية القاسية والمعادية للفقراء، كتخفيض الدعم الموجه للخدمات والسلع بأنها خطوةٌ تتصف بالشجاعة والجرأة، ويبدو أن شجاعة النظام لا تستخدم إلا ضد الفقراء، وتتوارى هذه الشجاعة أمام حيتان المال وكبار المستثمرين الذين نهبوا الأراضي والثروات، ويحل محلها التصالح أو التناسي أو التغاضي عن هرب المجرمين، أمثال وزير الداخلية الأسبق، حبيب العادلي جلاد الشعب. وتختفي شجاعة الدولة أمام كبار المستثمرين الذين لا يدفعون ضرائب تتناسب مع نسب أرباحهم، وكذلك اختفت الشجاعة في مواجهة البورصجية، فتراجعت الدولة عن قرار تحصيل ضريبة ضئيلة على أرباحهم المليونية. وتختفي الشجاعة ايضا منذ زمن مع محتكري السلع والمتاجرين بقوت الشعب، كما لا نلحظ للشجاعة وجودا في السياسات الخارجية والقضية الفلسطينية والأوامر الأميركية.
إذ أردنا ذكر الشجاعة، فالتاريخ سيحدّثنا عن قادة انتموا إلى شعوبهم، وسعوا إلى تحقيق 
العدالة، لا انتهاكها، قادة واجهوا مجموعات المصالح والطغم المالية محليا وعالميا، والتاريخ يظهر لنا قادة سعوا إلى تحرير إرادة أوطانهم، وتصدّوا لأعدائهم، وبنوا أوطانهم بالحرية والعلم والتصنيع. إذن، ليس مقياس الشجاعة والجرأة تطبيق سياسات التقشف، لأن ذلك ليس شجاعة بأي حال، بل هو ظلم وانتهاك للحقوق، وإفقار لأغلبية الشعب.
لم يغب عن الخطاب الرسمي إلقاء التهم على الثورة، بوصف أنها السبب في الأزمة الاقتصادية، بل اعتبرت الثورة أحداثا لها طابع تآمري "كادت تعصف بالبلد في 2011"، وأنها مخطط لإفشال الدولة وإسقاطها. ويمثل هذا الرأي الثورة المضادة بامتياز، ويتبنى خطابها، وقد سبق أن تم استدعاء هذا الخطاب مراتٍ، لهجاء الثورة وتخويف قطاعات المجتمع من المطالبة بحقوقها أو التصدّي للانتهاكات التى تمارس ضدها.
بالإضافة إلى النقاط السابقة، كرّر النظام مطالبه السلطوية بأن يكون الإعلام والفنون ومختلف أشكال التعبير في خدمته تروج مقولاته، وتسانده وتترجم أفكاره. وهذا يشير إلى أن النظام في مصر لا يرى في وسائل الإعلام والفنون سوى أداة لخدمة النظام، لا مساحة وأدوات تعكس حرية التعبير والتنوع والاختلاف، ومتنفسا وساحةً لطرح المشكلات والحلول من وجهات نظر مختلفة. ببساطة، يريد نفي ما دونه، وأن تعكس كل وسائل التعبير وجهة نظره، وتأييد المواقف والسياسات التي يتخذها. لم يكتف الرئيس بطلب التأييد، بل طلب من الإعلاميين إيجاد حالة فوبيا – خوف مرضي تجاه مصير الدولة. وهنا، يستمر النظام فى استخدام سياسة الترهيب والتخويف لإحكام سيطرته على العقول، كما يحكم السيطرة على الأجساد داخل السجون، كما يستهدف إيجاد فوبيا سقوط الدولة، الربط بين النظام والدولة. يحاول النظام إخافة كل من يعارضه أو ينتقده بأنه يسعى إلى إفشال الدولة وهدمها. وهكذا، يصبح المختلف مع السلطة عدوا للوطن، خائنا وممولا ضمن مخططات إفشال الدولة، إنهم يريدون فوبيا تخفينا من التفكير والنقد والكلام والكتابة والحركة، فالحركة تهزّ ثبات النظام، إنها إعادة مقولات حسني مبارك عن الاستقرار، بوصف أنه هدف في حد ذاته، لا التقدم أو التغيير إلى الأفضل، الأهم ألا نصبح سورية أو العراق، ليس مهما أبدا أن نطمح أن نصبح مثل ماليزيا أو الأرجنتين.
إجمالا، يمكن القول إن مؤتمر الشباب الذي أقيم أخيرا تحت شعار "انطلق أبدع" لم يتضمن إبداعا أو انطلاقا، فقد صمم لأغراض دعائية، وعُقد بترتيبات أمنيةٍ لا تسمح بالانطلاق أو
حرية الرأي، ولا تسمح بالإبداع، بل تطالب بتأميم الفن لصالحها. لم يخرج المؤتمر عن كونه أداة دعائية وآلية لحشد التأييد للنظام، في ظل تراجع نسبة مؤيديه. كما هدفت السلطة من مؤتمرات الشباب إلى تكوين مجموعات شبابية مؤيدة لها، ويمكن النظر إلى هذه المؤتمرات استعدادات مبكرّة لانتخابات الرئاسة المقبلة في العام 2018. وعلى الرغم من الدعاية التي بذلت في إظهار أن النظام يسعى إلى التحاور مع الشباب، والاستماع إلى مطالبهم، إلا إن ذلك تبدّد حين دخلت النقاشات في المؤتمر الأول إلى تعديل قانون التظاهر والإفراج عن المعتقلين من دون جريمة، بل لم تشارك الأصوات التي طرحت هذه المطالب في المؤتمر الجديد قبل أيام، وهذا مؤشر يوضح ضيق النظام من الحوار، حتى مع مؤيديه أصحاب الآراء الإصلاحية الساعية إلى تحسين أداء النظام من أجل استمراره. ومن هنا، يتجلى أن مؤتمرات الشباب تشكل دورا وظيفيا للدعاية وتأييد النظام المطلق.
من جانب آخر، تغنت وسائل الإعلام، على تنوعها، بما دار في المؤتمر، بوصفه برنامج عمل وخطة للدولة نتاج حوار الرئيس مع الشباب. وخصصت الصحف صفحاتها لحملة جديدة انطلقت بعنوان "تثبيت الدولة"، ومناهضة من يسعون إلى إفشالها وإسقاطها. ولم يلتفت حاملو الدفوف إلى أن مصر تبيى سجونا، بدلا من المصانع، وتنتهك العدالة الاجتماعية، بدلا من تطبيقها، وأن الشباب الذين يتغنون بهم، ويسعون إلى رضاهم، تنتهك كرامتهم عبر البطالة ورحلات البحث عن عمل وسكن ورغبة فى تكوين أسرة. ولأبسط الأسباب، قد يقبض على شاب ربما بتهم نشر رأي على "فيسبوك"، بل يحول النظام مشجعي كرة القدم (التراس زملكاوي) إلى محاكمات عسكرية بتهم رفع لافتات مسيئة، فهل يمكن أن نصدّق أن النظام يريد التحاور مع الشباب، ويرفع شعار "انطلق وأبدع"، بينما هو يسجن ويفقر.
D75BB17B-0520-4715-86EC-B6995DA95615
عصام شعبان

باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية بجامعة القاهرة، أحد مؤسسي الجمعية الوطنية للتغيير، عضو المجلس الأعلى للثقافة لدورتين متتالتين، عضو شعبة العلوم الاجتماعية. أحد كتاب الرأى في صحيفة وموقع "العربي الجديد".يقول: "نفعل كما يفعل السجناء، نربي الأمل".