هذا العدوان الثلاثي على قطر

27 يونيو 2017
+ الخط -
يشابه عنوان هذا المقال العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على مصر عام 1956 مع العدوان الجاري على دولة قطر في أنهما غير قانونيين وغير أخلاقيين. والفرق بينهما أن ذلك على مصر كان من أعداء ومستعمرين، فيما العدوان الثلاثي على قطر أشد إيلاماً وأعمق جرحاً، لأنه يصدر من إخوة وأشقاء وذوي قربى. وإذا كان للعدوان الغربي - الصهيوني على مصر مبرر سياسي استعماري ضعيف الحجة، فإننا لا نجد أي مبرر سياسي للعدوان الثلاثي الخليجي الحالي على دولة قطر. وبمتابعة تسلسل الأحداث ومسلسل الافتراءات والاتهامات الإعلامية الباطلة على وسائل إعلام دول العدوان الثلاثي وردود قطر الرسمية عليها، يتبين أن قطر الصادقة وهم الكاذبون والمفترون.
يمكن تقدير ثلاثة دوافع وراء الاعتداء على قطر ومحاصرتها اقتصاديا وجغرافيا. الأول جشع النظام السعودي وطمعه التاريخي المتجدّد بالاستيلاء على ثروات قطر ومواردها الطبيعية. والثاني سعي هذا النظام إلى إخضاع قطر لنفوذه وسياساته الإقليمية التدميرية، لا سيما اعتباره إيران العدو الأول لدول الخليج وللعرب كافة، في موازاة الجنوح إلى التعاون الاقتصادي والسياسي مع العدو الأول الحقيقي للأمة العربية، دولة إسرائيل. والثالث محاولة تدمير نموذج التنمية المستدامة القطري الناجح الذي يحقق مستويات معيشة ورفاه مستدامة مرتفعة لمواطنيها وللمقيمين على أراضيها، ويشغل مرتبات متقدمة على دليل التنمية البشرية العالمية ومؤشراته، وكذلك على دليل السلم العالمي، وغيرها من مؤشرات التقدم، فنموذج قطر التنموي الناجح يجعل، عن غير قصد بالمقارنة، نموذج التنمية السعودي شديد البؤس، مع استمرار انتشار الفقر والفقر المدقع بين قطاع عريض من الشعب السعودي، وارتفاع البطالة بين الشباب السعودي، بمستوى دول متوسطة الحال، كالمغرب وتونس والأردن، وتدني الدخل القومي للفرد في بلد يمتلك ثروات هائلة، يجري تبذير معظمها على مجالات غير إنتاجية، وعلى حروب عبثية كالحرب في اليمن. وهناك استمرار النظام السعودي في إقامة السدود الفكرية والقانونية في وجه مبادرات تحديث المجتمع.
لمصلحة من هذا الحصار؟ أولاً، مؤكّدٌ أنه لا مصلحة إطلاقا للشعب السعودي أو الإماراتي أو البحريني في معاداة قطر وحصارها. وبعيدا عن وسائل الإعلام المملوكة لهذه الدول، والمأجورة لحسابها، أظهر رصد وسائط الإعلام الاجتماعي المختلفة رفض الغالبية العظمى من الخليجيين هذا الحصار الظالم، ووقوفهم إلى جانب قطر وشعبها، إلى حد دفع حكومات دول العدوان الثلاثي إلى كم أفواه شعوبها، بفرض غرامات مالية باهظة وعقوبات سجن مشددة على كل من يتعاطف مع دولة قطر، في خطوة أبعد ما تكون عن الديمقراطية التي لا يفهم سياسيو هذه الحكومات المعنى العلمي لها، ويبتعدون عنها بعد الأرض عن المريخ.
ثانيا، الإجراء الثلاثي المتهور في حال استمراره يعرّض منطقة الخليج بأكملها لأخطارٍ لا تحمد عواقبها، كما قال أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، ورجل السياسة والدبلوماسية الحكيم والمحنك، فدولة قطر تفكر بعقل راجح في الموقف من إيران ومن العلاقة معها، وأي سياسي عاقل ومتزن يعرف أن جرّ دول الخليج العربية إلى حربٍ مع إيران سيدمر المنطقة، ويخرج الجميع منها خاسرين وشعوبهم منكوبة، ودرس إشعال الحرب العراقية الإيرانية وعواقبها ماثلان للعيان.
كلمة أخيرة. النظام السعودي آخر من يحق له المزايدة على دولة قطر، وتوجيه الاتهامات لها وتهديدها تحت مقولة دعم الإرهاب وتمويله، فوثائق أميركية وأوروبية تحفل بالإشارات إلى ما تعتبره تمويلاً من النظام للإرهاب، وترى المملكة منبع الفكر الإرهابي ومغذيه. كما أن سجل النظام في مجال انتهاك حقوق الإنسان وحرية التعبير والقمع الفكري معلوم. أما سجل النظام السياسي فهو حافل بمعاداة الحركة القومية العربية، وفي مقدمها الناصرية، وكذا حركات التحرير الوطنية العربية وحركات المقاومة العربية والفلسطينية. وفي الوقت الراهن، نجد أن وزير خارجية المملكة يدمغ حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالإرهاب.
ننصح النظامين، السعودي والبحريني، بأن يلتفتا إلى لملمة أوضاعهما الداخلية، وأن يهتما بحل مشكلاتهما المتفاقمة مع شعبيهما، وفي مقدمها مشكلة القمع السياسي والإفقار الاقتصادي والتمييز الديني البغيض، وكبت الحريات الفردية، وقمع المرأة، بدلا من التدخل في الصراع الداخلي في اليمن، والتدخل في سياسة دولة قطر الخارجية، ومحاولة إخضاعها لسياستهما وسياسة دولة الإمارات العدوانية، ولمشاريع هذا الثلاثي الهدامة في منطقة الخليج. وقطر ستنتصر على الحصار المرتكز على ذرائع واهية، وعلى أطماع غير مشروعة، ببساطة، لأنها على حق.
avata
باسم سرحان

كاتب واستاذ جامعي وباحث فلسطيني