الأمن الأوروبي.. فوق كل اعتبار

24 يونيو 2017
+ الخط -
عام واحد كان كافياً لأن تتغيّر أوروبا قليلاً. لم تعد القارة قادرًة على تأمين ظهرها عبر حليف أميركي قوي. كان الرئيس دونالد ترامب واضحاً في مسألة "أميركا أولاً". اختار الأوروبيون الاستعانة بقدراتهم الذاتية عسكرياً، على وقع احتكاكاتٍ طفيفةٍ في بحر الشمال، بينهم وبين الروس. فقد كشفت المفوضية الأوروبية، يوم الأربعاء، عن "خطةٍ غير مسبوقة لتمويل الدفاع الأوروبي المشترك لمساعدة أوروبا على أن تصبح قوة عسكرية عالمية". وذلك عبر إنشاء صندوق قيمته 5.5 مليارات يورو سنوياً عقب اقتراح فرنسي ألماني، لـ"التركيز على الأمن والدفاع وتحديد أهدافه مجدّداً، عقب قرار بريطانيا العام الماضي الخروج من الاتحاد الأوروبي".
تسمية "صندوق الدفاع" تبدو لطيفة قياساً على الحلم الأوروبي، بتشكيل "جيش أوروبي". الأمر الذي بوشر بحثه منذ نحو 30 شهراً. وكان رئيس الوزراء البريطاني السابق، ديفيد كاميرون، قد طلب العام الماضي، قبل استقالته من الحكومة، أن تبقى الفكرة سريّةً "لأن البريطانيين لا يرغبون في الانضمام إلى جيشٍ أوروبي موحّد". انتهى عهد كاميرون، وخرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وتبدو فكرة الجيش الأوروبي حالياً، مدخلاً، لسياسةٍ أمنيةٍ تعاونيةٍ بين الأوروبيين والبريطانيين، بصفتهم "خارج أوروبا"، وبسبب التحدّيات الأمنية التي تشهدها لندن. وهو ما قد يُدشّن عهداً من الشراكة العسكرية، شبيهاً بـ"الشراكة الاقتصادية" التي تقيمها أوروبا مع عددٍ من دول البحر الأبيض المتوسط.
وإذا كان الأوروبيون يعملون على تحصين ساحتهم الأمنية، فمن هم الأعداء المفترضون؟ من الطبيعي أن "داعش" الذي يتجه إلى الانهيار الميداني في سورية والعراق، هو أحد الأعداء الأساسيين، سواء في الشرق الأوسط، أو من خلال عمليات "الذئاب المنفردة" التي نفّذها في أوروبا.
"العدو الثاني" هو روسيا التي لم تخف نياتها في بسط نفوذها على امتداد المنطقة الشرقية من أوروبا، خصوصاً أن الأمور لم تتوقف عند النزاع الأوكراني، ولا في مناورات البلطيق، بل تخطّتها إلى الامتعاض الروسي من السلطات في مولدافيا ومونتينيغرو، لتجاوزهما الرغبة الروسية في أن يكونا من حلفاء موسكو، لا بل تعمل شيسيناو وبريشتينا على تمكين علاقتهما مع الأميركيين وحلف شمال الأطلسي.
مع ذلك، يستبعد مدير "معهد إيغمونت.. المعهد الملكي البلجيكي للعلاقات الخارجية"، سفن بيسكوب، أن "تشكل روسيا خطراً على أوروبا"، لأن روسيا باعتقاده "أضعف مما تبدو عليه". ويؤكد الخبير البلجيكي أن "جيوش دول الاتحاد الأوروبي، التي يبلغ عدد أفرادها 1.5 مليون جندي، أقوى من الجيش الروسي، غير أنها ليست قويةً بما فيه الكفاية، فعندما يتعلق الأمر بتنفيذ مهماتٍ خارج حدود أوروبا، لا بد من الاعتماد على الدعم الأميركي. يعود ذلك إلى أننا لم نستثمر في منظومات النقل والإمداد لمثل تلك المسافات البعيدة، ولا بالطائرات بلا طيارين أو بالأقمار الصناعية أو تزويد الطائرات بالوقود في الجو".
يكشف بيسكوب فعلياً عن الحاجة الأوروبية إلى توسيع نطاق عملها خارج أوروبا، خصوصاً في المناطق الساخنة. قد تكون ليبيا إحداها التي فشل فيها الأوروبيون عام 2011، ما استدعى تدخّل "الأطلسي"، والولايات المتحدة أساساً، في العمليات الأمنية هناك. بالنسبة للأوروبيين، كانت ليبيا "فشلاً ذريعاً". وهو ما سمح لاحقاً للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بأن يطلب منهم تخصيص ميزانية دفاعية أكثر في منظومة الأطلسي.
ليست مشكلة أوروبا حالياً في تخصيص المبالغ المالية لتحديث المستويات الأمنية، بل في تحفيز المواطنين الأوروبيين عسكرياً. وهو أمرٌ لم يعتده الأوروبيون، في عهد ما بعد الحرب الباردة (1947 ـ 1991)، خصوصاً أن شبح الفشل، مع ابتعاد الأميركيين، يبقى أقوى بالنسبة إليهم. وقد انعكس ذلك في اضطراب الساحة الداخلية، مع اتجاه مقاطعة كاتالونيا مثلاً إلى إجراء استفتاء للانفصال عن إسبانيا في 1 أكتوبر /تشرين الأول المقبل. يشير ذلك إلى أن السباق، مع الوقت، بين تحصين أوروبا الموحّدة وتشتتها بات أسرع مع خروج بريطانيا، وسيكون أسرع في الأشهر المقبلة.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".