13 نوفمبر 2024
عن ترامب... وذكائه
انشغلت وسائل إعلام أميركية عديدة، خلال الفترة الأخيرة، بقياس مستوى ذكاء الرئيس دونالد ترامب. الإعلام الليبرالي عدَّ الرجل الأقل ذكاءً بين 24 رئيساً أميركياً، تمت المقارنة بينهم في دراسة. ذهب الإعلام المحافظ في الاتجاه المعاكس، ووجد أن ترامب يتقدّم على سلفه، باراك أوباما، في مستوى الذكاء، علماً أن الأخير يعد من الرؤساء الأميركيين "الأكثر ذكاءً". بغض النظر عن الحرب المستعرة حول مستوى ذكائه، يبدو ترامب ملمّاً بالوضع الاستراتيجي الدولي العام، لا بل يعطيك أحياناً انطباعا بأنه متقدّم على "الاستبلشمنت"، على الأقل في ميله إلى الفعل السياسي المتحرّر من الأيديولوجيا. في هذه النقطة تحديداً، يبدو ترامب سياسياً أكثر من أي سياسي آخر في واشنطن، لا بل يغدو "حيوانًا سياسيًا" بهذا المعنى.
يرى ترامب، وقيل إن وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر رأى له ذلك، في لقاء جمعهما بعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أن المشهد الاستراتيجي الدولي يميل ببطء إلى غير صالح الولايات المتحدة، وهو ما أكدته دراسةٌ موسعةٌ صدرت، أخيراً، عن مجلس الاستخبارات الوطنية، وهو هيئة بحثية تابعة لمكتب مدير الاستخبارات الوطنية. وفق المعطيات الراهنة، لا تزال أميركا القوة الاقتصادية والعسكرية الأولى في العالم، لكن مؤشراتها الحيوية إلى انحدار، فالدين العام بلغ 20 تريليون دولار، متجاوزا الحجم الكلي للاقتصاد الأميركي، كما أن حصة أميركا من الناتج الإجمالي العالمي لا تزيد اليوم عن 18% بعد أن كانت 50% قبل نصف قرن، وبالنسبة نفسها تقريباً انخفض نصيبها من التجارة العالمية.
وفي الوقت الذي تجاهد فيه أميركا للتحكم بوتيرة الانحدار، تصعد قوى أخرى السُلَّم، في مقدمتها الصين، وهي دولة عظيمة الموارد البشرية (عدد سكانها 4 أضعاف عدد سكان الولايات المتحدة، وإن كانت بمساحتها تقريباً)، وثاني اقتصاد في العالم بناتج إجمالي يزيد عن 11 تريليون دولار (60% تقريباً من الناتج الأميركي، بعد أن كان نحو 6% فقط مع نهاية الحرب الباردة). وهي تحتل المرتبة الثانية أيضاً في حجم الإنفاق العسكري (215 مليار دولار، أي أكثر بقليل من ثلث الموازنة العسكرية الأميركية). لا شك أن الصين تواجه عقبات كبيرة في طريق الصعود، لكن هذا لا يمنع أنها تمثل التحدي الأكبر للولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن "الاستبلشمنت" تشاطر ترامب مخاوفه من الصين، إلا أنها تخاف روسيا بالدرجة نفسها. هنا، يختلف ترامب مع المؤسسة، إذ يرى روسيا دولةً في طور الأفول، فعدد سكانها يبلغ ثلث عدد سكان الولايات المتحدة وفي تناقص، واقتصادها 10% من الاقتصاد الأميركي وينكمش، وإنفاقها الدفاعي يمثل عشر الإنفاق الأميركي، وهي في نهاية المطاف دولة ريعية، تعتمد على استخراج النفط والغاز وبيعهما.
مع ذلك، وعلى الرغم من الفروق الكبيرة في القدرات، تمثل الولايات المتحدة، إلى جانب الصين وروسيا، قوةً في النظام الدولي، يرى ترامب (أو كيسنجر) أن تحالف اثنين من أضلاعه يؤدي بالثالث إلى الانكسار. الأسوأ طبعاً هو السماح بقيام تحالف صيني – روسي، يستند إلى مرتكزات إقليمية، مثل إيران في الشرق الأوسط، باكستان في شبه القارة الهندية، وكوريا الشمالية في شرق آسيا.
يرى ترامب أن أوباما كان أحمق عندما دفع بوتين إلى أحضان رئيس الصين شي جين بينغ، وألقى المرشد الإيراني في حجر القيصر الروسي، وترك باكستان تنجرف باتجاه محور-الصين-روسيا –إيران، وأنه يحاول تفكيك هذا المزيج الخطر، قبل أن ينفجر في وجه أميركا، لكنه لا يعرف كيف. حاول التقارب مع روسيا لإبعادها عن الصين وإيران، لكن "الاستبلشمنت"، الاستخبارات خصوصا، عارضته. وتعقدت الأمور أكثر عندما ألجأته الأزمة مع كوريا الشمالية إلى طلب مساعدة الصين التي يعدها خصماً استراتيجياً أكبر. سيستمر ترامب، على الأرجح، في المحاولة، عندما يلتقي بوتين على هامش قمة دول المحيط المتجمد الشمالي في هلسنكي في شهر سبتمبر/ ايلول المقبل.
قد يكون ترامب شعبوياً، عديم الثقافة، قليل القراءة، متوسط، أو حتى متدني، الذكاء، لكنه يبدو مدركاً ما يدور حوله، وما ينبغي فعله، ومستمرا في محاولة فعله، بعكس كثيرين في عالمنا العربي وفي العالم، لا يدركون، وإن أدركوا لا يفعلون، وإن فعلوا لا يُخلِصون.
يرى ترامب، وقيل إن وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر رأى له ذلك، في لقاء جمعهما بعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أن المشهد الاستراتيجي الدولي يميل ببطء إلى غير صالح الولايات المتحدة، وهو ما أكدته دراسةٌ موسعةٌ صدرت، أخيراً، عن مجلس الاستخبارات الوطنية، وهو هيئة بحثية تابعة لمكتب مدير الاستخبارات الوطنية. وفق المعطيات الراهنة، لا تزال أميركا القوة الاقتصادية والعسكرية الأولى في العالم، لكن مؤشراتها الحيوية إلى انحدار، فالدين العام بلغ 20 تريليون دولار، متجاوزا الحجم الكلي للاقتصاد الأميركي، كما أن حصة أميركا من الناتج الإجمالي العالمي لا تزيد اليوم عن 18% بعد أن كانت 50% قبل نصف قرن، وبالنسبة نفسها تقريباً انخفض نصيبها من التجارة العالمية.
وفي الوقت الذي تجاهد فيه أميركا للتحكم بوتيرة الانحدار، تصعد قوى أخرى السُلَّم، في مقدمتها الصين، وهي دولة عظيمة الموارد البشرية (عدد سكانها 4 أضعاف عدد سكان الولايات المتحدة، وإن كانت بمساحتها تقريباً)، وثاني اقتصاد في العالم بناتج إجمالي يزيد عن 11 تريليون دولار (60% تقريباً من الناتج الأميركي، بعد أن كان نحو 6% فقط مع نهاية الحرب الباردة). وهي تحتل المرتبة الثانية أيضاً في حجم الإنفاق العسكري (215 مليار دولار، أي أكثر بقليل من ثلث الموازنة العسكرية الأميركية). لا شك أن الصين تواجه عقبات كبيرة في طريق الصعود، لكن هذا لا يمنع أنها تمثل التحدي الأكبر للولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن "الاستبلشمنت" تشاطر ترامب مخاوفه من الصين، إلا أنها تخاف روسيا بالدرجة نفسها. هنا، يختلف ترامب مع المؤسسة، إذ يرى روسيا دولةً في طور الأفول، فعدد سكانها يبلغ ثلث عدد سكان الولايات المتحدة وفي تناقص، واقتصادها 10% من الاقتصاد الأميركي وينكمش، وإنفاقها الدفاعي يمثل عشر الإنفاق الأميركي، وهي في نهاية المطاف دولة ريعية، تعتمد على استخراج النفط والغاز وبيعهما.
مع ذلك، وعلى الرغم من الفروق الكبيرة في القدرات، تمثل الولايات المتحدة، إلى جانب الصين وروسيا، قوةً في النظام الدولي، يرى ترامب (أو كيسنجر) أن تحالف اثنين من أضلاعه يؤدي بالثالث إلى الانكسار. الأسوأ طبعاً هو السماح بقيام تحالف صيني – روسي، يستند إلى مرتكزات إقليمية، مثل إيران في الشرق الأوسط، باكستان في شبه القارة الهندية، وكوريا الشمالية في شرق آسيا.
يرى ترامب أن أوباما كان أحمق عندما دفع بوتين إلى أحضان رئيس الصين شي جين بينغ، وألقى المرشد الإيراني في حجر القيصر الروسي، وترك باكستان تنجرف باتجاه محور-الصين-روسيا –إيران، وأنه يحاول تفكيك هذا المزيج الخطر، قبل أن ينفجر في وجه أميركا، لكنه لا يعرف كيف. حاول التقارب مع روسيا لإبعادها عن الصين وإيران، لكن "الاستبلشمنت"، الاستخبارات خصوصا، عارضته. وتعقدت الأمور أكثر عندما ألجأته الأزمة مع كوريا الشمالية إلى طلب مساعدة الصين التي يعدها خصماً استراتيجياً أكبر. سيستمر ترامب، على الأرجح، في المحاولة، عندما يلتقي بوتين على هامش قمة دول المحيط المتجمد الشمالي في هلسنكي في شهر سبتمبر/ ايلول المقبل.
قد يكون ترامب شعبوياً، عديم الثقافة، قليل القراءة، متوسط، أو حتى متدني، الذكاء، لكنه يبدو مدركاً ما يدور حوله، وما ينبغي فعله، ومستمرا في محاولة فعله، بعكس كثيرين في عالمنا العربي وفي العالم، لا يدركون، وإن أدركوا لا يفعلون، وإن فعلوا لا يُخلِصون.