أشباح حراكات "الربيع العربي" في الأردن

05 مارس 2017

احتجاج في عمان ضد ارتفاع أسعار سلع أساسية (24/2/2017/الأناضول)

+ الخط -
لم يحتفل الأردنيون بمرور الذكرى السادسة لاندلاع "النسخة الأردنية" من الربيع العربي، أي الحراكات الشعبية والاجتماعية، وقد مرّ يوم السابع من كانون الثاني/ يناير الماضي، بل لم ينتبهوا لمرورها، وهي الحدث الداخلي الأهم الذي عرفه الأردن منذ عقود، وألزمت النظام السياسي بتقديم تنازلاتٍ، واجتراح بعض الإصلاحات.
لكن أشباح حراكات عامي 2011 و 2012 طافت، خلال الأسبوعين الأخيرين فوق سماء المملكة الأردنية، منذرة بتجدّدها، وربما تصاعدها، بما لا يقاس مع ما عرفه الأردن حينذاك من احتدام الاحتجاجات والاعتصامات والتحشدات ذات الطابع الاجتماعي والمطلبي، إلى حراكاتٍ سياسيةٍ تطالب بإصلاحات جذرية.
ففي يومي الجمعة والسبت (17 و18 شباط/ فبراير الماضي) شهدت مدن أردنية اعتصامات شعبية حاشدة، كان أبرزها الذي شهده ميدان صلاح الدين في الكرك ونظمته فعاليات شبابية وشعبية، وشارك فيه آلاف من المواطنين، من بينهم نواب وقادة وفعاليات سياسية جاءوا من المحافظات الأخرى. ومع أن مدناً أخرى، بما فيها العاصمة، شهدت اعتصامات ومسيرات احتجاجية، الا أن اعتصام الكرك شكل رسالة إنذار واضحة على مدى احتدام الأزمة الوطنية المركبة (السياسية والاقتصادية والاجتماعية)، وإمكانية تجدّد الحراكات التي عرفتها سنوات "الربيع العربي".
وللتذكير فقط، عرف الأردن في عام 2012 ما مجموعه 3769 تحركاً وتجمعاً احتجاجياً 
ومطلبياً، من بينها 1967 اعتصاماً وتجمعاً و145 مسيرة شعبية و884 مهرجاناً سياسياً و773 إضراباً أو توقفاً عن العمل. وقد ارتفع عدد هذه التحركات في 2012 إلى أكثر من ذلك، حيث بلغت خلال تسعة أشهر فقط 5152 تحركاً، أي بزيادة قدرها 37% خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المذكور، علماً أن هذه الأرقام تعود إلى مصادر الأمن العام الأردني.
ولا تتمثل أهمية هذه التحركات في ضخامة أعدادها فقط، بل في تنوع مكوناتها الاجتماعية وانتشارها الجغرافي في مختلف المحافظات، واتساع مشاركة الشباب فيها، وإفرازها مجموعةً واسعةً من الحراكات التي تعكس كل منها إفرازاتٍ تنظيميةً للتحديات البنيوية المزمنة التي تواجه المجتمع الأردني.
ولعل أبرز ما أظهرته تلك الحراكات ابتعادها عن اللغة السياسية الناعمة للنخب الحزبية والاجتماعية، ودعوتها الصريحة إلى إصلاحاتٍ نوعيةٍ عميقةٍ في بنية النظام السياسي، وإلى محاسبة المسؤولين المتورّطين في جرائم الفساد وتفكيك مؤسسات القطاع العام وبيعها، كما ومطالبتها بتطوير النظام السياسي من خلال قيام حكومات برلمانية، وفصل تام بين السلطات.
وكما بدأت حراكات الأردن الشعبية عام 2011 بالمطالبة برحيل حكومة سمير الرفاعي الذي كان قد مر على تشكيل حكومته الثانية أقل من شهرين، فإن اعتصام الكرك الشعبي، وغيره من الفعاليات الشعبية، رفعت شعاراتٍ تطالب بإسقاط حكومة هاني الملقي، وإلغاء السياسات والاجراءات الخاصة برفع الأسعار، وبالدعوة إلى إجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية تطول رموز الفساد في البلد. وهو ما دفع كتاب أعمدة في الصحف الأردنية إلى مناقشة إمكانية وجدوى رحيل حكومة هاني الملقي علناً.
وفي ضوء توقع تصاعد المطالبة برحيل حكومة الملقي، إذا ما استمرت في تبني سياسة تحميل المواطنين أعباء سد العجز في الموازنة المالية للدولة، فإن معلقين عديدين يتساءلون عما إذا كان رحيل حكومة الملقي سوف يغير من الأمور شيئاً. والواقع أنه إذا كان صحيحاً أن الملقي يحصد ما زرعته الحكومات السابقة، إلا أنه ليس مبرأ من هذه السياسات والقرارات، فهو جاء من النخبة البيروقراطية والتكنوقراطية نفسها للدولة الأردنية، ولو جاء رئيساً للوزراء قبل عبدالله النسور فإنه كان سيبرم الاتفاق نفسه مع صندوق النقد الدولي، والذي تسببت ترجمته في رفع الأسعار وتحريك الاحتجاجات الشعبية.
وفضلاً عن ذلك، كانت لدى الملقي الفرصة لتبني سياساتٍ ذات مضامين اقتصادية واجتماعية مختلفة عن التي اعتمدها هو والحكومات السابقة، سياسات تضع حداً لمحاباة الطبقات الثرية وأصحاب الامتيازات، من خلال الصمت على أشكال التهرب الضريبي، وأشكال الفساد والهدر للمال العام، والعمل على الحد من الإنفاق العام لصالح الإنفاق الاستثماري.
لكن حكومة هاني الملقي اعتمدت السياسات نفسها التي كانت وراء عودة الدولة الأردنية إلى حظيرة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والخضوع لوصفاتها القاسية على المواطنين، بعد أن كانت قد "تخرّجت" من إعادة التأهيل التي خضعت إليها مدة تقارب العشرين عاماً، بعيد أزمة عام 1988/1989 الشهيرة.
هذا، وقد تجدّدت الاعتصامات والتظاهرات الشعبية يوم الجمعة الماضي (24 فبراير/شباط) حيث تمثلت في اعتصامين في العاصمة الأردنية، ومسيرات أخرى في مدن السلط والطفيلة
والمزار الجنوبي وذيبان. أما في معان، فقد أعلن ممثلو الفعاليات الشعبية فيها عن إلغاء المسيرة الاحتجاجية المقرّرة "لأسبابٍ تصب في مصلحة الوطن والمدينة"، حسب تعبير رئيس بلديتها، الأمر الذي يوضح أن السخط الشعبي قد تصاعد، من دون أن تظهر في الأفق بوادر حل. ولعل مدخل هذا الحل مراجعة الاتفاق المبرم مع صندوق النقد الدولي الذي يزور وفد منه عمان بعد أيام، لمراجعة تطبيق الاتفاق المذكور بمناسبة مرور عام على توقيعه، والقصد هو إيجاد مخارج أخرى لسد العجز في الموازنة العامة الأردنية بعيداً عن جباية مزيد من الضرائب ورفع الأسعار.
ومثلما أظهرت الأزمة الاقتصادية الراهنة عقم السياسات الحكومية وفسادها، وحتمية انفجار نتائج هذه السياسات دورياً، (وهو ما يجبر الحكومات الأردنية على طلب مساعدة صندوق النقد، من أجل وقف تدهور مكانة الأردن في الأسواق المالية والمؤشرات الدولية ذات العلاقة)، فإن أداء كل من البرلمان الأردني والأحزاب السياسية لا يبشّر بالخير، ولا يقدم بدائل عملية ناجحة للسياسات الرسمية، وهو ما تظهره شعارات المتظاهرين التي تكتفي بالتنديد بالفساد وسوء الإدارة الحكومية والمطالبة بالعودة عن سياسة رفع الأسعار.
وليس مصادفةً أن تُظهر ثلاثة استطلاعات للرأي أعلنت نتائجها، في مطلع فبراير/ شباط الماضي، عن تدني الثقة الشعبية، ليس فقط بحكومة الملقي، وإنما أيضاً بالبرلمان والأحزاب السياسية، ما يعني أن الأردنيين يعيشون اليوم في دائرةٍ مغلقةٍ من الفشل المؤسسي، وانعدام الثقة بأهم المؤسسات الدستورية والسياسية، ونعني بها الحكومة ومجلس الأمة والأحزاب السياسية.
63574C85-2EAC-4D3E-BA5E-B0892FA44AC0
63574C85-2EAC-4D3E-BA5E-B0892FA44AC0
هاني حوراني

باحث وناشط سياسي أردني باحث، مؤسس مركز الأردن الجديد للدراسات منذ 1990. له مؤلفات في الأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية والتنمية الديمقراطية. يجمع، أخيراً، بين النشاط السياسي والممارسة الثقافية والفنية.

هاني حوراني