23 أكتوبر 2024
علاقة الحب الروسية - الإيرانية ثلاثية
إحصائياً، يعد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أكثر رئيس دولة أجنبي التقاه الرئيس الإيراني، حسن روحاني، منذ استلامه السلطة في أغسطس/ آب 2013، فالقمة التي جمعتهما، أمس الثلاثاء في موسكو، هي التاسعة بينهما في أقل من أربع سنوات. في الدليل الدبلوماسي، يشير هذا إلى مدى التطور الذي طرأ على علاقة البلدين في السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد تحالفهما في سورية، لمنع سقوط نظام الرئيس بشار الأسد. ويعد تسليم موسكو منظومة صواريخ إس 300 إلى إيران، العام الماضي، دليلاً آخر على استعداد روسيا الذهاب بعيداً في علاقتها بإيران، بعد أن ظلت تراوغ في تسليم المنظومة، منذ التوقيع على عقد بيعها وتسديد إيران كامل ثمنها عام 2007. ولكن، إذا نظرنا إلى أبعد من دلالات الرقم 9 الدبلوماسية، نجد أن هناك شيئاً خاصاً جداً يميز العلاقة الإيرانية الروسية عن أي علاقة بين دولتين، حيث يسعى كل طرف إلى توظيف مختلف جوانب هذه العلاقة، بما فيها الصورة الإعلامية، لخدمة مروحة واسعة من المصالح الأخرى، في إطار براغماتي، لا يخجل الطرفان من الجهر به.
هناك من دون شك مصالح جيوسياسية واقتصادية كبرى بين إيران وروسيا، تؤكدها صفقات تسلح مليارية، وعقود بناء مفاعلات نووية، ومصلحة مشتركة في منع تركيا ودول الخليج العربية من تحقيق انتصار في سورية، وغير ذلك. لكن العلاقة مع أميركا تبقى العامل الأكثر أهميةً في تقارب البلدين، أو تباعدهما.
فبعد تاريخ طويل من الشك وانعدام الثقة، يشهد عليه تأييد موسكو جميع القرارات الأممية بحق إيران بسبب برنامجها النووي، بما فيها قرار مجلس الأمن 1929 لعام 2010، والذي فرض عقوبات قاسية على إيران، قرّر الرئيس بوتين التخلي عن كل تحفظاته، والاندفاع إلى تقارب مع طهران، بعدما فقد الأمل بوعود الرئيس أوباما فتح صفحةٍ جديدة، يتم التعامل فيها مع روسيا بنديّة واحترام. وقد زاد موقف واشنطن من الأزمة الأوكرانية، وفرضها عقوبات اقتصادية على موسكو الروس اقتراباً من طهران، كما ساهم في ذلك تحول موقف الأخيرة من الربيع العربي من مرحبٍّ في البحرين، وتونس، ومصر، وإلى حد ما في ليبيا، على الرغم من تحفظها على التدخل الأطلسي، إلى موقفٍ متحفظٍ ثم عدائي تجاهه عندما وصل إلى سورية. هنا بلغ التقارب بين البلدين ذروته، خصوصاً بعد أن لبت روسيا الدعوة الإيرانية، للتدخل عسكرياً في سورية، لإنقاذها من هزيمة محقّقة خريف العام 2015.
لكن، حتى خلال هذه المرحلة التي لعبت فيها روسيا دوراً رئيساً في إنقاذ الاستثمار الإيراني في سورية، وذلك عندما مدّت يدها لإنقاذ نظام الأسد بعد استخدامه الكيماوي صيف العام 2013، صُدمت روسيا بالكشف عن الاتصالات السرية الأميركية - الإيرانية في سلطنة عُمان، والتي أسفرت عن التوصل إلى الاتفاق النووي المؤقت في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، أي بعد أقل من أربعة أشهر على استلام روحاني السلطة. كانت موسكو تخشى من نشوء اتصالات مباشرة بين طهران وواشنطن، تحرمها من الاستمرار في توظيف العلاقة مع إيران ورقة تفاوض (Wild Card) مع الغرب، تماماً كما تفعل الصين مع كوريا الشمالية، وهو ما جرى عملياً مع تطور العلاقة الشخصية بين وزيري الخارجية في حينه، جواد ظريف وجون كيري.
مع نهاية عهد أوباما، غدا الإيرانيون في موقع يستطيعون فيه المفاضلة بين القوتين العظميين، حيث أخذت كل منهما بدورها تحاول جذب إيران إلى ناحيتها. تغير هذا الوضع كلياً في عهد ترامب الذي رحبت روسيا، وربما ساهمت، بوصوله إلى السلطة، في حين توجست إيران منه شراً. لكن ترامب الذي كاد يشرخ العلاقة الروسية-الإيرانية بطريقةٍ عكسيةٍ لما حاولت فعله إدارة أوباما – أي التقارب مع روسيا وإقصاء إيران، قد ينتهي بتعزيز هذه العلاقة، إذا فشل في التغلب على ممانعة المؤسسة الحاكمة في واشنطن للتقارب مع موسكو. هذا يفسر ابتسامة روحاني العريضة في موسكو، وهو يقرأ الخيبة في وجه بوتين من فشل رهانه على ترامب في تحقيق تقارب روسي-أميركي. لهذا، من المهم دائماً النظر إلى علاقة الحب الروسية – الإيرانية، باعتبارها علاقة ثلاثية، لا ثنائية.
هناك من دون شك مصالح جيوسياسية واقتصادية كبرى بين إيران وروسيا، تؤكدها صفقات تسلح مليارية، وعقود بناء مفاعلات نووية، ومصلحة مشتركة في منع تركيا ودول الخليج العربية من تحقيق انتصار في سورية، وغير ذلك. لكن العلاقة مع أميركا تبقى العامل الأكثر أهميةً في تقارب البلدين، أو تباعدهما.
فبعد تاريخ طويل من الشك وانعدام الثقة، يشهد عليه تأييد موسكو جميع القرارات الأممية بحق إيران بسبب برنامجها النووي، بما فيها قرار مجلس الأمن 1929 لعام 2010، والذي فرض عقوبات قاسية على إيران، قرّر الرئيس بوتين التخلي عن كل تحفظاته، والاندفاع إلى تقارب مع طهران، بعدما فقد الأمل بوعود الرئيس أوباما فتح صفحةٍ جديدة، يتم التعامل فيها مع روسيا بنديّة واحترام. وقد زاد موقف واشنطن من الأزمة الأوكرانية، وفرضها عقوبات اقتصادية على موسكو الروس اقتراباً من طهران، كما ساهم في ذلك تحول موقف الأخيرة من الربيع العربي من مرحبٍّ في البحرين، وتونس، ومصر، وإلى حد ما في ليبيا، على الرغم من تحفظها على التدخل الأطلسي، إلى موقفٍ متحفظٍ ثم عدائي تجاهه عندما وصل إلى سورية. هنا بلغ التقارب بين البلدين ذروته، خصوصاً بعد أن لبت روسيا الدعوة الإيرانية، للتدخل عسكرياً في سورية، لإنقاذها من هزيمة محقّقة خريف العام 2015.
لكن، حتى خلال هذه المرحلة التي لعبت فيها روسيا دوراً رئيساً في إنقاذ الاستثمار الإيراني في سورية، وذلك عندما مدّت يدها لإنقاذ نظام الأسد بعد استخدامه الكيماوي صيف العام 2013، صُدمت روسيا بالكشف عن الاتصالات السرية الأميركية - الإيرانية في سلطنة عُمان، والتي أسفرت عن التوصل إلى الاتفاق النووي المؤقت في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، أي بعد أقل من أربعة أشهر على استلام روحاني السلطة. كانت موسكو تخشى من نشوء اتصالات مباشرة بين طهران وواشنطن، تحرمها من الاستمرار في توظيف العلاقة مع إيران ورقة تفاوض (Wild Card) مع الغرب، تماماً كما تفعل الصين مع كوريا الشمالية، وهو ما جرى عملياً مع تطور العلاقة الشخصية بين وزيري الخارجية في حينه، جواد ظريف وجون كيري.
مع نهاية عهد أوباما، غدا الإيرانيون في موقع يستطيعون فيه المفاضلة بين القوتين العظميين، حيث أخذت كل منهما بدورها تحاول جذب إيران إلى ناحيتها. تغير هذا الوضع كلياً في عهد ترامب الذي رحبت روسيا، وربما ساهمت، بوصوله إلى السلطة، في حين توجست إيران منه شراً. لكن ترامب الذي كاد يشرخ العلاقة الروسية-الإيرانية بطريقةٍ عكسيةٍ لما حاولت فعله إدارة أوباما – أي التقارب مع روسيا وإقصاء إيران، قد ينتهي بتعزيز هذه العلاقة، إذا فشل في التغلب على ممانعة المؤسسة الحاكمة في واشنطن للتقارب مع موسكو. هذا يفسر ابتسامة روحاني العريضة في موسكو، وهو يقرأ الخيبة في وجه بوتين من فشل رهانه على ترامب في تحقيق تقارب روسي-أميركي. لهذا، من المهم دائماً النظر إلى علاقة الحب الروسية – الإيرانية، باعتبارها علاقة ثلاثية، لا ثنائية.