مريضة الإيدز "أسماء"

08 فبراير 2017
+ الخط -
عندما قادتني المصادفة إلى مشاهدة فيلم عرض أخيراً، وهو "أسماء"، من بطولة هند صبري، وفي الوقت الذي استغرقت فيه التفكير بقصة أسماء التي تناولتها أحداث الفيلم، ومدى الظلم الاجتماعي الذي تعرّضت له، ظهرت في حياتي أسماء أخرى، لكنها هذه المرة من فلسطين، حيث عثرت، في بريدي الشخصي، على رسالة منها ترجوني مساعدتها، بحكم عملي الصحافي، في نشر مأساتها من دون الإفصاح عن اسمها وهويتها، وتطلب مني مساعدتها لتوفير دواء غير متوفر وباهظ الثمن، ويستخدم لعلاج أعراض خطرة، تعاني منها، وقد تودي بحياتها، إذا لم يتم علاجها في أسرع وقت. وتتشابه هذه الأعراض الصحية مع الأعراض الأولية التي تصيب مرضى الإيدز (نقص المناعة المكتسبة) ما جعل كثيرين يحجمون عن مساعدتها، على الرغم من مناشداتها، اعتقاداً منهم أنها مصابة بهذا المرض اللعين. 
أرفقت المريضة تقريراً طبياً من طبيبٍ شهير، يشرح فيه إصابة هذه السيدة بفيروس نادر في الأمعاء الدقيقة، ما يجعلها تعاني من أعراضٍ قد تودي بحياتها خلال فترة وجيزة، إن لم يتوفر الدواء الذي أوصى به، وتشمل الأعراض التي تعاني منها، والتي أوجبت حصولها على إجازة مفتوحة من عملها، ما ضاعف من إشعال نار الإشاعة بشأنها، إصابتها بالإسهال الشديد والهزال الناتج عن فقدان الوزن السريع.

عندما بدأت الأوساط الطبية والإعلام يتحدثان عن مرض الإيدز بدءاً من عام 1981، تبارت أفلام تلك الفترة في تناول قضية المصابين به، وقد خصّت العلاقات الجنسية الشاذة والمحرّمة، وتعاطي المخدرات عن طريق الحقن الملوثة، في إظهار طرق انتقال هذا المرض الذي لم يتم التوصل إلى علاجه بعد، حتى وصل الأمر إلى أن الأهالي كانوا يرفضون بشدة سفر بناتهن للزواج في دول أجنبية من أقاربهن المقيمين هناك، مهما كانت العروض مغريةً، على اعتقاد منهم أن كل شاب يقيم في دولة أجنبية أصبح مصاباً بالمرض اللعين، وبطريقة واحدة، استقرت في أذهانهم، بسبب ما يسمعونه عن حرية العلاقات بين الجنسين هناك، وأصبحت كل حالة هزال وإسهال تصيب أحدهم، حين يزور بلده، بسبب تغير الأحوال الجوية، أكبر دليل على إصابته بالمرض.
وهكذا أصبح مرض الإيدز "بعبع" العامة. ولكن ما لا يعرفه هؤلاء أن الفيروس المسبب للمرض يعيش فترة الكمون السريرية، حيث يكون الفيروس نشطاً، ولكن لا تظهر على المريض أي أعراضٍ، ويقضي خلالها حياته الطبيعية، وفي الوقت نفسه، يكون ناقلاً للعدوى، عن طريق العمليات الجراحية ونقل الدم، ناهيك عن العلاقة الحميمة والولادة والرضاعة.
بلغت المريضة التي راسلتني درجةً من البؤس، بحيث تركت لي عنواناً إلكترونياً فقط للتواصل معها، في حال أبدت إحدى الجهات الرغبة بمساعدتها، فيما ماتت الشخصية الحقيقية التي جسّدتها شخصية فيلم "أسماء"، بسبب معاناتها من مضاعفات المرارة وعدم استعداد أي طبيبٍ لإجراء عملية استئصال لها خوفاً من انتقال العدوى.
على الرغم من مبالغة الفيلم في طرح قضية مهمة، ومنها إصرار الزوجة "أسماء" على معاشرة زوجها، وهي تعلم أن طريقة انتقال الإيدز له في السجن لم تكن بريئة، بل وقرار الزوجان بالإنجاب، وعدم تقديرهما مصير الجنين الذي سيولد حاملاً للمرض، وإصرار الحبكة السينمائية على نجاة المولودة من المرض! إلا أن الفيلم طرق جدار الخزان وبقوة، بشأن هذه القضية، عندما خرجت "أسماء" على الإعلام بوجهها الحقيقي، وواجهت أهل حارتها بابتسامة.
تعلق بصري طويلاً بالتقرير الطبي الذي أرفقته السيدة مع رسالتها على بريدي الإلكتروني، وتخيّلت حجم معاناتها النفسية من نظرة المجتمع لها، وما تجشّمته من مشقةٍ في التنقل من بلد إلى آخر، بحثاً عن علاج لها، لمجرد خوفها من مفهوم خاطئ لدى المحيطين بها، على الرغم من أن أي حالة مرضية يجب أن يتم التعامل معها مرضاً يستوجب علاجه، بغض النظر عن طريقة انتقال المرض إلى المريض، وتأخير محاكمته حتى يشفى.
دلالات
سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.