06 نوفمبر 2024
المغرب.. قضية الصحراء والديمقراطية
في قرار أحادي الجانب، قرّر المغرب الانسحاب من منطقة الكركرات جنوب إقليم الصحراء، فأزال فتيل حربٍ كانت على وشك الاشتعال في المنطقة.
ولمن لا يعرف جغرافية المنطقة، فإن الكركرات منطقة عازلة بين الحدود الجنوبية لإقليم الصحراء والحدود الشمالية لموريتانيا، مباشرة خلف الجدار الرملي الذي بناه المغرب، في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، لحماية مدن الصحراء من هجمات مقاتلي "البوليساريو"، وهو أطول جدار أمني عسكري في العالم، وقد بناه الجيش المغربي لحماية مدن (وقرى) إقليم الصحراء الخاضعة للإدارة المغربية من هجمات مقاتلي "البوليساريو". وعمد الجيش المغربي إلى ترك مساحاتٍ عازلة ما بين الإقليم والجزائر شرقا، وما بين الإقليم وموريتانيا جنوبا، تجنبا لأي احتكاكٍ بينه وبين قوات الدولتين المجاورتين، في أثناء ملاحقته أولئك المقاتلين الذين كانوا يتخذون من هاتين الدولتين قاعدة خلفية لهم، للهجوم على القوات المغربية، ومازالت توجد معسكرات "البوليساريو" في الجنوب الجزائري في منطقة تندوف الجزائرية.
قرار المغرب بمثابة عين العقل، لأن المنطقة التي قرّر الانسحاب منها كانت تعتبر منطقة "عازلة"، ويصفها المهرّبون بأنها "سويسرا"، لعدم وجود أية سلطة فيها. وهي شريط صغير يفصل بين آخر نقطة جمارك مغربية جنوب إقليم الصحراء وأول نقطة جمارك شمال التراب الموريتاني. لذلك، فإن قرار "الانسحاب" المغربي سياسي، وقبل ذلك قرار رمزي، الهدف منه إرسال رسائل إلى الأمين العام الجديد للأمم المتحدة، أنطونيو غيتريس، مفادها بأن المغرب الرسمي يمد يد التعاون مع الأمم المتحدة، تحت قيادة أمينها العام الجديد، لإيجاد حل لأقدم صراع في القارة السمراء.
وعلى الطرف الآخر، هللت جبهة البوليساريو بما اعتبرته "نصرا عسكريا" لها، واستغلته
للدعاية لنفسها، خصوصا أنه أول حدثٍ يضع "القيادة الجديدة" للجبهة، بعد وفاة زعيمها العام الماضي، أمام اختبار حقيقي لمدى استمرار تمسّكها بمشروعها في إقامة "دولة صحراوية" في الإقليم.
لكن، في حقيقة الأمر، فإن ما بات يسمى نزاع الكركرات هو مجرد رجع صدى لمعركة دبلوماسية، تقع داخل دواليب الاتحاد الأفريقي الذي عاد إليه المغرب، أخيرا، بعد أكثر من 32 سنة من مغادرته، فالمغرب يسعى من إرسال عناصر من قواته النظامية إلى منطقة يعتبرها "معزولة" تأكيد "سيادته" على إقليم الصحراء. وبالتالي، اعتبار حدود هذا الإقليم جزءا من حدود وحدته الترابية، وهو ما يجعله في توافقٍ تام مع ميثاق منظمة الاتحاد الأفريقي التي تعتبر أن حدود الدول الأعضاء داخلها "مقدسة"، ولا يمكن المساس بها. وتسعى "البوليساريو" من استعراض قواتها العسكرية في هذا الشريط العازل إلى تذكير أعضاء المنظمة التي تنتمي إليها بصراعها مع المغرب، العضو الجديد القديم داخل المنظمة نفسها.
طبعا، هذا الصراع لم تحسمه الحرب التي استمرت 16 سنة بين الطرفين، وذهب ضحيتها ضحايا كثيرون في الجانبين، ولن تحسمه حربٌ جديدةٌ، لا يسعى أي من الطرفين إلى إشعالها، حتى وإن تظاهر بفعل ذلك. لذلك يبقى الحل الطبيعي لمثل هذا الصراع المزمن الذي بات يرهن منطقة المغرب العربي، من المغرب حتى ليبيا مرورا بموريتانيا، هو العودة إلى طاولة المفاوضات، والتحاور بجدية حول الحلول الممكنة. ولا يمكن أن يكون مثل هذا الحوار جديا وفعالا من دون مشاركة طرف أساسي، وهو الجزائر التي تستضيف جبهة البوليساريو فوق أرضها، ولها قدرة التأثير على قراراتها.
حتى الآن، يطرح المغرب مقترحا بمنح سكان الإقليم حكما ذاتيا موسعا تحت السيادة المغربية، بينما تتمسك "البوليساريو"، وتدعمها في ذلك الجزائر، بالمطالبة بحق "الشعب الصحراوي"
في "تقرير المصير". وأمام تعنّت كل طرفٍ لصالح موقفه، وصل حل النزاع إلى الباب المسدود، وضحايا هذا النزاع اليوم هم آلافٌ يعيشون في ظروفٍ مأساوية في مخيمات "البوليساريو" في الجنوب الجزائري، وهم أيضا ملايين السكان في المغرب والجزائر اللتين تصرفان مليارات الدولارات سنويا على تسلّح عبثي. وأكثر من ذلك الملايين من أفراد الشعوب في منطقة المغرب العربي التي تدفع يوميا فاتورة غياب "اتحاد مغاربي" قادر على إيجاد سوق مغاربية كبيرة، تمنح شعوبها كرامتهم، وتعفيهم من الهجرة إلى الغرب والتسول على أبوابه يوميا، وتحول بلدانهم إلى مشاتل لتصدير المهاجرين والمهرّبين والمجرمين والإرهابيين.
أصبحت قضية الصحراء مغاربية، قبل أن تكون قضية بين طرفين أو ثلاثة أطراف، وقد كتبت، مرارا وتكرارا، أن سببها الأساسي، في منتصف سبعينيات القرن الماضي، هو غياب الديمقراطية في المنطقة، في المغرب والجزائر خصوصا آنذاك، واستمرارها اليوم هو استمرار هذا "العجز" الكبير في الديمقراطية الذي ما زالت تعاني منه المنطقة. ولن تحل هذه القضية إلا إذا تم حل إشكالية الديمقراطية في المنطقة. لكن، يبدو أن لا أحد من أطراف النزاع أو المتضرّرين منه يسعون إلى ذلك. لذلك سوف تستمر الأزمة، ويستمر معها التأزم إلى أن يشرق فجر الديمقراطية على المنطقة.. لكنه مازال بعيدا.. بعيدا.
ولمن لا يعرف جغرافية المنطقة، فإن الكركرات منطقة عازلة بين الحدود الجنوبية لإقليم الصحراء والحدود الشمالية لموريتانيا، مباشرة خلف الجدار الرملي الذي بناه المغرب، في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، لحماية مدن الصحراء من هجمات مقاتلي "البوليساريو"، وهو أطول جدار أمني عسكري في العالم، وقد بناه الجيش المغربي لحماية مدن (وقرى) إقليم الصحراء الخاضعة للإدارة المغربية من هجمات مقاتلي "البوليساريو". وعمد الجيش المغربي إلى ترك مساحاتٍ عازلة ما بين الإقليم والجزائر شرقا، وما بين الإقليم وموريتانيا جنوبا، تجنبا لأي احتكاكٍ بينه وبين قوات الدولتين المجاورتين، في أثناء ملاحقته أولئك المقاتلين الذين كانوا يتخذون من هاتين الدولتين قاعدة خلفية لهم، للهجوم على القوات المغربية، ومازالت توجد معسكرات "البوليساريو" في الجنوب الجزائري في منطقة تندوف الجزائرية.
قرار المغرب بمثابة عين العقل، لأن المنطقة التي قرّر الانسحاب منها كانت تعتبر منطقة "عازلة"، ويصفها المهرّبون بأنها "سويسرا"، لعدم وجود أية سلطة فيها. وهي شريط صغير يفصل بين آخر نقطة جمارك مغربية جنوب إقليم الصحراء وأول نقطة جمارك شمال التراب الموريتاني. لذلك، فإن قرار "الانسحاب" المغربي سياسي، وقبل ذلك قرار رمزي، الهدف منه إرسال رسائل إلى الأمين العام الجديد للأمم المتحدة، أنطونيو غيتريس، مفادها بأن المغرب الرسمي يمد يد التعاون مع الأمم المتحدة، تحت قيادة أمينها العام الجديد، لإيجاد حل لأقدم صراع في القارة السمراء.
وعلى الطرف الآخر، هللت جبهة البوليساريو بما اعتبرته "نصرا عسكريا" لها، واستغلته
لكن، في حقيقة الأمر، فإن ما بات يسمى نزاع الكركرات هو مجرد رجع صدى لمعركة دبلوماسية، تقع داخل دواليب الاتحاد الأفريقي الذي عاد إليه المغرب، أخيرا، بعد أكثر من 32 سنة من مغادرته، فالمغرب يسعى من إرسال عناصر من قواته النظامية إلى منطقة يعتبرها "معزولة" تأكيد "سيادته" على إقليم الصحراء. وبالتالي، اعتبار حدود هذا الإقليم جزءا من حدود وحدته الترابية، وهو ما يجعله في توافقٍ تام مع ميثاق منظمة الاتحاد الأفريقي التي تعتبر أن حدود الدول الأعضاء داخلها "مقدسة"، ولا يمكن المساس بها. وتسعى "البوليساريو" من استعراض قواتها العسكرية في هذا الشريط العازل إلى تذكير أعضاء المنظمة التي تنتمي إليها بصراعها مع المغرب، العضو الجديد القديم داخل المنظمة نفسها.
طبعا، هذا الصراع لم تحسمه الحرب التي استمرت 16 سنة بين الطرفين، وذهب ضحيتها ضحايا كثيرون في الجانبين، ولن تحسمه حربٌ جديدةٌ، لا يسعى أي من الطرفين إلى إشعالها، حتى وإن تظاهر بفعل ذلك. لذلك يبقى الحل الطبيعي لمثل هذا الصراع المزمن الذي بات يرهن منطقة المغرب العربي، من المغرب حتى ليبيا مرورا بموريتانيا، هو العودة إلى طاولة المفاوضات، والتحاور بجدية حول الحلول الممكنة. ولا يمكن أن يكون مثل هذا الحوار جديا وفعالا من دون مشاركة طرف أساسي، وهو الجزائر التي تستضيف جبهة البوليساريو فوق أرضها، ولها قدرة التأثير على قراراتها.
حتى الآن، يطرح المغرب مقترحا بمنح سكان الإقليم حكما ذاتيا موسعا تحت السيادة المغربية، بينما تتمسك "البوليساريو"، وتدعمها في ذلك الجزائر، بالمطالبة بحق "الشعب الصحراوي"
أصبحت قضية الصحراء مغاربية، قبل أن تكون قضية بين طرفين أو ثلاثة أطراف، وقد كتبت، مرارا وتكرارا، أن سببها الأساسي، في منتصف سبعينيات القرن الماضي، هو غياب الديمقراطية في المنطقة، في المغرب والجزائر خصوصا آنذاك، واستمرارها اليوم هو استمرار هذا "العجز" الكبير في الديمقراطية الذي ما زالت تعاني منه المنطقة. ولن تحل هذه القضية إلا إذا تم حل إشكالية الديمقراطية في المنطقة. لكن، يبدو أن لا أحد من أطراف النزاع أو المتضرّرين منه يسعون إلى ذلك. لذلك سوف تستمر الأزمة، ويستمر معها التأزم إلى أن يشرق فجر الديمقراطية على المنطقة.. لكنه مازال بعيدا.. بعيدا.