المعارضة المصرية... إشكالات تبحث عن حلول

14 فبراير 2017
+ الخط -
يلاحظ المتابع الدقيق للشأن المصري، في الآونة الأخيرة، عدم بروز فاعلياتٍ تُذكر لقوى المعارضة، على الأقل في ثلاثة مشاهد رئيسية خلال الأشهر الستة الماضية، حيث مرت ذكرى ثلاثة أحداث جسام ذات وقع كبير في نفوس مؤيديها، ومع ذلك لم يكن التعبير عنها على المستوى المطلوب. وهي الذكرى السادسة لتنحّي حسني مبارك (11 فبراير/شباط 2011) وقبلها ذكرى 25 يناير، وقبلها أيضا الذكرى الثالثة لمذبحة رابعة والنهضة (14 أغسطس/آب 2013)، كل هذا طرح تساؤلات حول الإشكاليات التي تواجه المعارضة المصرية، خصوصا معارضة الخارج، وفي القلب منها المعارضة الإسلامية بشتى فصائلها. وهل باتت لديها القدرة على إسقاط الانقلاب أو إنهاكه أو إرباكه، بحسب ما جاء في بيانات مختلفة لها قبل أكثر من ثلاث سنوات. وتقتصر هذه السطور على الحديث عن معارضة الخارج، وعن الإشكاليات التي برزت بعد الانقلاب.
أول إشكاليات المعارضة هو ما يرتبط بالتباينات الأيديولوجية بينها، والتي تتوزّع بين تيارات يسارية وأخرى ليبرالية وثالثة إسلامية، وحتى الأخيرة تتعدد توجهاتها بين إخوانية وجهادية وجماعة إسلامية، وجبهة السلفية قبل انسحابها من تحالف دعم الشرعية. ربما تكون هذه التباينات طبيعية في أي تحالف، لكن الإشكالية تكمن في تصدير نقاط الخلاف على نقاط الاتفاق، ما جعلها تحيد، إلى حد كبير، عن هدفها الأساسي (إسقاط الانقلاب) الذي ربما يساهم في إذابة هذه الخلافات. وقد ارتبط بهذه التباينات اختلاف المواقف من بعض القضايا الحرجة، ومنها قضية هوية الدولة بعد إسقاط الانقلاب، وهل ستصبح مدنيةً، بمفهومها العلماني المعتدل الذي ينص على أن مصر دولة عربية إسلامية، وفي المقابل، يحظر قيام الأحزاب على أسس دينية (إسلامية) أو استغلال الأحزاب الدين، وهذا موقف القوى الليبرالية واليسارية. في مقابل إصرار القوى الإسلامية، بشتى طوائفها، على قضية الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية.
أما القضية الثانية في هذا الإطار فهي الشرعية، سواء من حيث مفهومها أو حدودها كمرجعية يمكن الاستناد عليها في تبرير إطاحة الانقلاب، فإذا كان هناك شبه اتفاق على الانطلاق من شرعية ثورة يناير، إلا أن التباين هو في نطاق سريان هذه الشرعية بعد سقوط الانقلاب، فالقوى المدنية، مجازاً، ترى أن من الأفضل البناء على شرعية ثورة يناير إلى حين سقوط الانقلاب، ثم البدء في شرعية ثورية جديدة، ما يعني عدم الحديث عن عودة الرئيس محمد مرسي، ولو فترة محدودة، باعتباره أحد استحقاقات ثورة يناير، في حين ترى القوى الإسلامية استمرار هذه الشرعية إلى ما بعد الانقلاب، بما يعنيه ذلك من عودة مرسي، ولو فترة محدودة، أو إحالة أمره إلى الاستفتاء، بل هناك من يطالب بأكثر من ذلك، وهو عودة الوضع إلى ما كان عليه قبل 30 يونيو/حزيران 2014، بما يعنيه ذلك من عودة مجلسي الشعب والشورى، الرئيس، دستور 2012.
الإشكالية الثانية هي المتعلقة بالانشغال بالمرحلة الانتقالية (ما بعد الانقلاب)، من دون الحديث عن كيفية إسقاط الانقلاب من الأساس. بمعنى آخر، هناك قفز على المرحلة الراهنة التي هي الأهم والإطار التمهيدي للمرحلة الانتقالية، فضلا عن عدم وضع خطط بديلة، في حالة الفشل في إسقاط الانقلاب، مثل فكرة التسوية، وما يترتب عليها من قضايا، مثل أجندة التفاوض، وما يجوز التنازل عنه وما لا يجوز، ناهيك عن مدى انطلاق هذه الرؤية (إسقاط الانقلاب) من واقع حقيقي، ينطلق من الوضع الراهن على مختلف الأصعدة الداخلية والخارجية، بشقيها الإقليمي والدولي، أم أنه يرتبط بواقع افتراضي، أو انطباعي، قد يؤدي إلى نتائج مضللة، أو البحث عن سرابٍ في آخر النفق.
وربما ترتبط بذلك أيضا الإشكالية الثالثة المتعلقة بعدم الثقة التي تصل إلى درجة التخوين بين صفوف قوى المعارضة، بل وربما داخل الفصيل الواحد، حيث هناك حديث عن فكرة رغبة فصيل (الإخوان المسلمون) في الهيمنة على باقي الفصائل الأخرى، كما بات أي حديث عن حلول بديلة في حال فشل إسقاط الانقلاب بمثابة خيانة للثورة ودماء الشهداء والمعتقلين.. هذه الأزمة ربما لا تُضعف فقط قوى المعارضة، ولكن تجعلها لا تفكر إلا داخل صندوق ضيق، بما قد يجعلها أمام بدائل وخيارات محدودة، ربما لا تساهم ظروف الواقع في تحقيقها. وهنا تبرز الإشكالية الرابعة، المتعلقة بقضية الاصطفاف وتوسيع الدائرة المعارِضة للانقلاب، بضم كيانات جديدة. حيث تبرز قضيتا تحديد ما هي عناصر الاصطفاف، وما هي أسسه، فعلى سبيل المثال لم يتم حسم الموقف من الاصطفاف مع مؤيدي "30 يونيو" وانقلاب "3 يوليو"، والذين باتوا من معارضي عبد الفتاح السيسي الآن، لاسيما أن فريقا منهم لا يرى أن ما حدث ضد مرسي كان انقلابا، وبالتالي، يرغب في إطاحة السيسي، بسبب ممارساته اللاديمقراطية عبر المشاركة في انتخابات 2018 الرئاسية، والسؤال: هل يتم الاصطفاف مع هؤلاء، مثل حسن نافعه وغيره، أو حتى التنسيق معهم ودعمهم بصورة أو بأخرى في الانتخابات، أم أن الاصطفاف قاصر على هؤلاء الذين يقرّون ابتداء بالانقلاب، ثم عليهم التوبة عما فعلوا، وتتبوأ الصفوف الخلفية للاصطفاف، أم سيظل هناك رفض لانضمام هؤلاء للاصطفاف، والتشكيك بهم على اعتبار ماضيهم المؤيد للانقلاب، وربما كان التباين بشأن بيان "يناير يجمعنا" أخيرا هو أحد المؤشرات على هذه الخلافات.

تتعلق الإشكالية الخامسة بقضية المراجعات وتقييم الأداء منذ ثورة يناير، أو حتى بعد الانقلاب، فربما كانت اللغة الأسهل للجميع هي الاعتراف بالخطأ. لكن، عند الممارسة يتم الوقوع في الأخطاء نفسها، بسبب عدم القيام بمراجعات حقيقية، أو ربما تتم هذه المراجعات سرا من دون الإعلان عنها، لاعتبارات الظرف الراهن. لكن المتأمل في الوضع الحالي يجد استمرار الحديث بعد ثلاث سنوات على القضايا الخلافية نفسها، ما يعني أن المراجعات لم تحدث أساسا أو أنها لم تكن جدية.
وترتبط بذلك أيضا الإشكالية السادسة الخاصة بعدم الحديث عن تفاصيل المرحلة الراهنة، وخطة الطريق المقترحة للتعامل مع الانقلاب، فحتى هذه اللحظة ربما يتم الاقتصار على المبادئ العامة، بسبب عدم الرغبة في الدخول في القضايا الخلافية، وحتى هذه المبادئ بعضها موضع خلاف. وهذا لا شك يترك أثرا سلبيا عليها في ضوء متغيرات الواقع التي ربما تتطلب تحركا أوسع وأسرع، لاسيما في ظل تراجع الفرص المتاحة أمامها من ناحية، وتزايد المخاطر، لا سيما بعد وصول ترامب، وتنامي نزعة اليمين المتطرف في أوروبا من ناحية ثانية.
B8DDCC55-8075-41F9-A617-4F3EA9A3A8C9
بدر شافعي

كاتب وباحث مصري، يحمل الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، له كتابان عن تسوية الصراعات في إفريقيا، وعن دور شركات الأمن في الصراعات.