هل تسلم روسيا سورية لإيران؟

09 ديسمبر 2017
+ الخط -
لا أحد يمكنه تقدير مدى الانسحاب الروسي من سورية، وحجمه، وهو الذي أعلن عنه رئيس الأركان، فاليري غيراسيموف، ذلك أن روسيا سبق وأعلنت مرتين سابقتين عزمها الانسحاب ولم يحصل، بيد أن مؤشرات عديدة تجمعت تجعل تصديق هذا الأمر ممكناً، كما أن طرح هذه المسألة في هذا الوقت بالتحديد، وإن لم ينته بانسحاب روسيا فعلياً، هو رسالة منها أنها ليست مهتمة بكامل سورية.
ثمّة أسباب كثيرة تدفع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى اتخاذ هذا القرار، خصوصاً أنه ثبت أن الكرملين، وعلى عكس مما ورد في تحليلات وتقديرات كثيرة، كان قد درس كل خطوة بعناية واهتمام وتدقيق واسع، بل بالغ في الحسابات أحياناً، على الرغم من الجرأة التي ظهر عليها، وعلى الرغم من أن الأمور في سورية كادت أن تنزلق في محطات كثيرة نحو صراع إقليمي ودولي كبير.
ولعل من أهم الأسباب أن بوتين صنع ما يعتقد أنها مهمة كبيرة جداً، وهي تثبيت حليفه في الحكم وإنهاك قوى المعارضة، وربطه الكثير من المكونات العسكرية والسياسية السورية المعارضة بعلاقات مع موسكو، وهذا الوضع يطمئنه إلى استحالة ظهور تهديدات محتملة ضد النظام، أقله في المديين القريب والمتوسط، بعد ان استخدم سياسة تجميد الصراع، وتحويل الفعالية والمبادرة إلى مقلب نظام الأسد وحلفائه، كما أن بوتين ضمن قطع خطوط الإمداد الخارجية للمعارضة، وأصبح من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، إعادة الديناميات السابقة إلى وضعها.
ومن بين الأسباب الدافعة لانسحاب روسيا إدراك قياداتها أن البقاء في سورية سيرتب عليهم 
تكاليف وأعباء لا داعي لها، أو بمنطق الحسابات السياسية والاقتصادية غير مجدية، بعد أن أمنت روسيا قواعدها في الساحل السوري وسيطرة شركاتها على حصص النفط والغاز، كما أن سورية ستكون بحاجة لإعادة إعمار، وربما يدفع بقاء روسيا أطرافاً دولية وإقليمية كثيرة إلى الامتناع عن المساهمة في تمويل إعادة الإعمار، وهذا من شأنه إحراج روسيا سياسياً وتوريطها بالتزاماتٍ لا تقدر عليها، بالإضافة إلى أن روسيا تسعى إلى إدخال الأمم المتحدة، بالشروط الروسية طبعاً، لكن ذلك من شأنه إظهارها عاملاً مساعداً في صنع السلام، وطرفاً فاعلاً في النظام الدولي.
بيد أن أحد أهم الأسباب التي تدفع روسيا إلى اتخاذ هذه الخطوة قناعتها، وربما وجود معطيات لديها، عن احتمال نشوب صراع إقليمي، لا تريد أن تكون طرفاً فيه، خصوصاً أن قدرتها في التأثير على أطرافه منخفضة، وهي ترى وتسمع طبول الحرب تقرع بين إسرائيل وإيران، كما راقبت روسيا تعقّد الأزمة إقليمياً، ونفاذ جميع فرص الحل، وما يهمها أن تبقى الحرب بعيدة عن قواعدها ومصالحها الإستراتيجية. وفي هذا الإطار، هي مطمئنة على نظام الأسد، لأنه العنوان الوحيد الذي تتفق عليه إيران وإسرائيل وأميركا، تجنباً لما تقول تقديراتهم، حصول الفوضى جرّاء رحيله.
باتت إيران متشجّعة لتقليص الوجود الروسي، وانكفائه إلى الساحل السوري، بعد أن أنجزت 
المهمة، وزالت المخاطر المحدقة، ولعل كلام المسؤولين الإيرانيين عن عزمهم تحرير الرقة وإدلب، على الرغم من أنهما تدخلان في معادلات إقليمية ودولية، شاركت روسيا في صنعها، دليل على أن إيران تسعى إلى صياغة معادلات جديدة لمرحلة ما بعد السيطرة الروسية، وتثبيت ركائز السيطرة الإيرانية.
وتتوجّس إيران من احتمالات إقدام روسيا على عقد صفقاتٍ على حساب المصالح الإيرانية في سورية، سواء مع تركيا أو إسرائيل وأميركا، بغرض المقايضة على ملفاتٍ تهم روسيا في أوكرانيا، أو فيما يخص العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية.
لا يختلف هذا السيناريو، في حال تحقّقه، عن السلوك الأميركي في العراق وأفغانستان، حين دمّرت القوّة الأميركية القوى المعادية لإيران، وسلمتها البلدين على طبق من فضة، مع فارق بسيط، هو أن إيران في سورية جهّزت بنية قوية على مدار سنوات من الصراع، وباتت لديها جيوش وقواعد وخطوط إمداد علنية، في بلدٍ بات أغلب سكانه بين نازح ومهاجر ومعتقل ومخفي، ولا يملكون ما يسد رمقهم لليوم التالي. وصار تأمين خبز الوجبة التالية أكبر همهم، فيما إيران تغدق على مقاتليها ومناصريها الأموال الطائلة، ليتفرغوا لإخضاع السوريين، والسيطرة على بلادهم.
ومن نكد الدنيا على السوريين أنهم باتوا يركنون إلى الرهانات، بعد أن قطع الصديق والشقيق كل أسباب الدعم عنهم، وتركهم في مواجهة قوىً لا ترحم، والرهان اليوم على أن تنقلب المقادير، وتأتي الرياح بحربٍ إقليمية تغير الواقع، وتنسفه من جذوره وتعيد المعادلات إلى ما كانت عليه، أو أن تضغط أميركا باتجاه إخراج إيران من سورية، ألم يقل الأميركيون أنهم بصدد تصميم استراتيجية مواجهة لإيران في سورية؟.
لكن تجاربنا في التاريخ المعاصر تكشف خُدَعَ مثل تلك الرهانات، فالحروب الكلاسيكية صارت أمراً بعيد الحصول، بدليل أن أميركا منذ سنوات تحارب بطائرات الدرون والعمليات الخاصة والوكلاء، وإسرائيل تتبع نمط الضربات الجراحية، ولدى إيران قدرة هائلة على التظاهر بالتراجع أمام الخصم وعدم منحه المبرر الكافي لشن الحروب عليها، أكثر من مئة غارة إسرائيلية على حزب الله والأسد لم تلاقِ الاهتمام والرد.
وبعد، السوريون لن يكونوا إلا همّاً عربياً، وإن نامت الأمة، فمن يستيقظ لنصرتهم.. يا ملح الأرض؟.
5E9985E5-435D-4BA4-BDDE-77DB47580149
غازي دحمان

مواليد 1965 درعا. كتب في عدة صحف عربية. نشر دراسات في مجلة شؤون عربية، وله كتابان: القدس في القرارات الدولية، و"العلاقات العربية – الإفريقية".