ماذا تعني عودة شفيق إلى مصر؟

04 ديسمبر 2017
+ الخط -
عاد الفريق أحمد شفيق، المرشح الرئاسي السابق، إلى مصر، وذلك بعد خمس سنوات قضاها في أبوظبي، بعد خسارته الانتخابات الرئاسية عام 2012، وذلك بعد إعلان نيته الترشح للانتخابات الرئاسية المقرّرة في الربيع المقبل.
ومنذ إعلان ترشحه للرئاسة من أبوظبي، ثارت أسئلة عديدة بشأن مدى جدية شفيق في خوض الانتخابات الرئاسية، وهل هناك صفقة بينه وبين أبوظبي، من أجل تجميل وجه النظام الحالي وإعطاء الانتخابات المقبلة نكهة تنافسية، وهل ستسمح الإمارات فعلاً بإطاحة أهم حلفائها في المنطقة، وهو الجنرال عبد الفتاح السيسي، واستبداله بشفيق، أم أن شفيق بالفعل جاد، ويريد إنقاذ الأوضاع في مصر من كوارث النظام الحالي، وآخرها ما حدث في مسجد الروضة في سيناء.
لا تخلو عودة شفيق من دلالات، وتبعث إشارات عديدة قد تبدو متناقضة أحياناً، أولها تكمن في إمكانية تحريك شفيق، إذا ما كان جاداً، المياه الراكدة في مصر، وإعادة السياسة إلى الشارع بعد أن تم وأدها طوال السنوات الأربع الماضية، بسبب القمع غير المسبوق، وإغلاق المجال العام بعد إقرار قانون منع التظاهر أواخر عام 2013.
ثانيها، قدرة شفيق على أن يكون رمزاً للمعارضة السياسية لنظام السيسي، حتى وإن كان من داخل النظام ذاته، وهو أمر يثير أسئلة كثيرة بشأن قناعة قوى المعارضة بذلك، ومدى دعمها له في مواجهة السيسي، وذلك بافتراض وجود معارضة جادة أو حقيقية الآن في مصر. والأكثر من ذلك قدرة شفيق على توحيد شظايا هذه المعارضة التي تناثرت وتفرقت وتناحرت طوال السنوات الأربع الماضية.
ثالثها، نجاح شفيق في إقناع الجمهور العادي بأن لديه جديداً يمكن أن يقدمه له، فثمّة حالة من التعب والإرهاق السياسي أصابت مصريين كثيرين، نتيجة ما حدث منذ ثورة يناير. وربما يكون من الصعوبة أن يغامر بعضهم بدعم شفيق، وما قد يعنيه ذلك من استعادة لحالة الفوضى وعدم الاستقرار التي رافقت مرحلة ما بعد الثورة، فالمواطن العادي لا يعبأ كثيراً بمن في السلطة أو بممارساتها على صعيد الحريات والديمقراطية، بقدر ما يعبأ بتوفير لقمة العيش والأمن والاستقرار، وهي مقايضةٌ حاول السيسي تحقيقها.

رابعها، طبيعة العلاقة الغامضة بين أبوظبي وشفيق، وقدرة الأخير على الهروب من شباك الأولى والتحرّر من ضغوطها، وهو أمر يبدو مستبعداً، لأسباب كثيرة، ليس أقلها حاجته للدعم المالي، من أجل تمويل حملته الانتخابية.
ثلاثة سيناريوهات أو احتمالات تحكم أي محاولة لتفسير عودة شفيق إلى مصر، أولها أننا إزاء صفقة كبرى بين أبوظبي وشفيق والجنرال عبد الفتاح السيسي، من أجل تجميل صورة النظام الحالي، وإبراز تسامحه وقبوله بالمنافسة. وهنا، فإن عودة شفيق لن تمثل أي جديد في الساحة المصرية، بل سوف تكرّس النظام الحالي في السلطة، وربما يزيد معدّل القمع والعنف في مصر، نتيجة استمرار انسداد الأفق السياسي.
ثانيها، أن شفيق جاد بالفعل، ويسعى إلى خوض الانتخابات الرئاسية، من أجل الفوز بها، وليس فقط التمثيل المشرّف أو تحسين وجه النظام. ولعل حالة التوتر المؤقتة بينه وبين أبوظبي على خلفية ترحيله للقاهرة، وعدم السماح له بالسفر إلى باريس تكشف عن هذه المسألة، ناهيك عن الانتقادات التي وجهها له مسؤولون إماراتيون، واتهامه بنكران الجميل. وثالثها أن شفيق أعلن ترشحه للرئاسة، ليس لشيءٍ سوى الضغط على أبوظبي والقاهرة، وذلك للسماح له بالعودة إلى مصر، وبعد ذلك يتنازل، أو يعلن تراجعه عن خوض السباق الرئاسي بأي حجة لاحقة. وهو أمر قد يتضح خلال الأيام المقبلة، وحسب المعاملة التي سوف يلقاها شفيق. فمنذ إعلان ترشحه، هاجت وسائل الإعلام المحسوبة على السيسي، وبدأت في الهجوم عليه، حتى قبل أن يصل إلى القاهرة.
سوف يكون لأيٍّ من السيناريوهات السابقة تداعياته وانعكاساته على المشهد السياسي في مصر، فالسيناريو الأول يعني أن شيئاً لن يتغير، وسيبقي الحال على ما هو عليه إن لم يكن أسوأ. والثاني يعني أننا قد نشهد معركة سياسية ساخنة وحقيقية، تحرّك المياه الراكدة في مصر، لكنها لن تكون معركةً سهلة بأي حال، حيث من غير المتوقع أن يسمح النظام الحالي لشفيق بالتحرّك بسهولة، أو عمل حملة انتخابية جادة، أو التواصل مع قوى المعارضة الحقيقية. والثالث يعني أنه لا أمل في تغيير قريب، قد يعيد فتح الأجواء السياسية، وعودة الحياة إلى طبيعتها.
وأيا ما كان من هذه السيناريوهات صحيحاً، فإننا إزاء تطور نوعي في المشهد السياسي المصري، يختلف عما كان سائداً طوال السنوات الأربع الماضية، وربما نحتاج بعض الوقت، كي نعرف أي السيناريوهات سوف يتحقق.
A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".