استقالة الحريري.. انتظروا إعلان الحرب

06 نوفمبر 2017
+ الخط -
بقراءة حركات الجسد، في استعادة شريط لقاء رئيس الحكومة اللبنانية المستقيل، سعد الحريري، مع مستشار المرشد الإيراني، علي أكبر ولايتي، يمكن اكتشاف كم كان الأخير مغرورا وقاسيا، وهو يبشّر السياسي الشاب بفوز التحالف الذي تقوده بلاده في السيطرة على المنطقة وإنجاز المهمة، ثم انتظار ردة الفعل على وجه الحريري وحركات يديه المرتبكتين.
يعرف ولايتي أن الحريري، وسنة لبنان والفريق الذي يقف خلفه، قوى "14 آذار"، هم قوى ضعيفة، ولا تستطيع التأثير على مسارات التحولات الجارية في المنطقة. ويعرف الحريري أن المطلوب هو إرسال رسالة إلى القوى الإقليمية والدولية التي تقف خلف الحريري، السعودية وأميركا، أن القطار فاتهم. لكن لا بد أن الحريري أدرك خطأ إتاحة هذه الفرصة للمبعوث الإيراني، واستغلال منبر رئاسة الوزراء اللبناني (بيت السنة؟) ليعلن انتصار تحالف إيران وتثبيت بشار الأسد في السلطة، بل واستعادة الرقة التي باتت تمثل رمز النفوذ الإيراني، في مشهد يذكّرنا بموقف القائد الفرنسي الجنرال غورو، عندما ذهب إلى قبر صلاح الدين الأيوبي، ليخبره أن الحروب الصليبية انتهت بسيطرتهم على المنطقة.
ها قد انتصرنا، يا سعد الدين.. قالها ولايتي علنا، ولكن بعيداً عن الكاميرات، ربما نصحه بلغة دبلوماسية عنيفة أن يراعي هذه التطورات، ويعمل تحت سقفها، ومن الأفضل له عدم مسايرة التحركات السعودية في لبنان، من باب الواقعية، لأنها لم تعد ذات فائدة، وتأخرت كثيراً إلى درجة أن ضررها بات أكثر من فائدتها على حلفائها في السعودية. وبالتالي، تقتضي مصلحة هؤلاء، بدرجة أولى، الدخول في مفاوضات مع إيران ووكلائها، وتحصيل بعض الضمانات والامتيازات التي قد تعود بالفائدة عليهم.

وبالطبع، وبما أن ولايتي يدرك الكلام وحده، وحتى لو كان مباشراً وقاسياً، لا يكفي وحده لتفكيك العلاقة بين الحريري وحليفته السعودية، فكان لا بد من استعراض قوّة لإبهار الحريري أو إرعابه، من نوع التشويش على موكب الحريري، وقطع الاتصال عنه، على ما أفادت مصادر أمنية لبنانية. وربما كانت هذه النقطة التي جعلت كيل الحريري يفيض، وهو الذي لديه هاجس من تكرار ما جرى مع والده.
غير أن محرّكات استقالة الحريري، ومضامينها السياسية، أبعد بكثير من حصرها في الجانب الشخصي، فهي مؤشر على أن التطورات الإقليمية باتت تجري بسرعة كبيرة جدا، في ظل اختلال التوازن الحاصل لصالح تحالف روسيا – إيران، واستعجال هذا التحالف تثبيت الوقائع، وجعلها نهائية. وهذا ما يتعارض مع مصالح القوى الإقليمية والدولية التي ترفض الاعتراف بهذا الواقع، لكنها باتت تدرك أن تغييره يحتاج عملا عسكريا من الصنف نفسه، بيد أن هذه القوى تقدّر حجم المخاطر التي قد تستجلبها أي خطوة خاطئة، وخصوصا من روسيا، القوّة ذات التأثير الأكبر في المنطقة، والتي تتلطى إيران خلفها. وبالتالي، فإن إختيار الزمان والمكان لتعديل الأوضاع تصبح عوامل مهمّة في هذه المرحلة.
في هذه الحالة، سيبدو لبنان ساحة مثالية لانطلاق شرارة الصراع الجديد في المنطقة، ليس لأنه عنوان حزب الله ومكان إقامته الأصلي، بل لأن الذريعة موجودة بشكل أكبر هناك، ففي سورية يتلطى الحزب تحت جناح روسيا التي تظلله، بذريعة أن وجوده هناك شرعي بطلب من الحكومة، كما أن اصطياد رأس إيران في لبنان أكثر نجاعة من الركض خلفها في صحارى العراق وبوادي سورية، حيث أن حزب الله هو العتلة الأكبر في ماكينة إيران الإقليمية، وتعطيل هذه العتلة كفيل بتعطيل القطار الإيراني برمته في المنطقة.
إلى ذلك أيضاً، تصبح استقالة الحريري دفعة في بورصة الحرب، وتسريع اشتغالها، لأنها تبرر أن وجود إيران سبب لعدم الاستقرار في لبنان والمنطقة، كما أنها محاولة لاستدراج حزب الله إلى ارتكاب خطأ قاتل يبرّر استهدافه، كأن يذهب حزب الله بعيدا لمواجهة الضغوط التي يتعرّض لها، سواء العقوبات الاقتصادية، أو الاستهدافات الإسرائيلية لقوافل أسلحته، إلى ارتكاب مغامرة في الداخل اللبناني، مثل التي حصلت في 7 مايو/ أيار 2008. وثمّة من يذهب بعيداً في هذا الاتجاه، بالتأكيد أن استقالة الحريري تفتح الباب أمام التكهن بوجود معطياتٍ يمتلكها عن اقتراب حصول استهداف إسرائيلي لحزب الله. وبالتالي، فإن استقالته هي تحميل الحزب تبعات ما سيجري في مقبل الأيام، وعدم منحه الفرصة للاستفادة من علاقات الحكومة اللبنانية، من أجل الضغط على الطرف الآخر لوقف الحرب، كما حصل في حرب 2006.

ولعل ما يؤكد صواب هذه التقديرات أن الصراع الدائر في المنطقة هو صراع منظومات كبرى، والجميع منخرط ضمنه، وفي أطر ومستويات مختلفة، وأن حزب الله وسعد الحريري، وغالبية القوى المحلية، في لبنان وسورية والعراق، أطراف غير مؤثرة في قرار الحرب والسلم، بقدر ما هم أحجار على رقعة الشطرنج الإقليمية، غير أن لنقلات هذه الأحجار تداعيات في مشهد الصراع الأكبر، حيث يقرّر اللاعبون الكبار فيه زمان المعارك المفصلية ومكانها، وهو ما يفسر عودة لبنان نقطة ساخنة في الصراع، بعد أن جرى تحييده فترة طويلة.
ما قبل استقالة الحريري ليس كما بعدها، ويمكن المغامرة بالقول إن الأمور أصبحت ناضجة بدرجة كبيرة لحصول تغييرات مهمة في المنطقة، هل تستشعر إيران وروسيا مخاطر هذه التطورات، وتعملان على استدراك مخاطرها؟ الكرة في ملعب براغماتية طهران وموسكو واختبار لها.
5E9985E5-435D-4BA4-BDDE-77DB47580149
غازي دحمان

مواليد 1965 درعا. كتب في عدة صحف عربية. نشر دراسات في مجلة شؤون عربية، وله كتابان: القدس في القرارات الدولية، و"العلاقات العربية – الإفريقية".