حصار قطر والتحالفات في القرن الأفريقي

29 نوفمبر 2017
+ الخط -
على الرغم من أهمية منطقة القرن الأفريقي، والتي تضم، وفق التعريف الضيق، الصومال وإريتريا وجيبوتي وإثيوبيا، وبمعناها الواسع، كينيا والسودان، إلا أنها لم تبرز في دائرة الاهتمام الخليجية إلا مع أزمة اليمن، وما تردّد عن دعم إيراني للحوثيين عبر إثيوبيا والصومال وإريتريا. ولذلك بادرت الدول الخليجية التي كانت مجتمعة في حينها، إلى التنسيق فيما بينها، لوقف هذا الدعم الإيراني، فسعت كل من السعودية والإمارات وقطر إلى تكثيف علاقاتها بهذه الدول، ففكّرت الأولى في إقامة قاعدة عسكرية لها في جيبوتي، لتحاشي هيمنة طهران على باب المندب عبر ضفتيه، كما نجحت أيضا في جعل الصومال والسودان يتخلصان من تحالفهما مع إيران، عبر قطع العلاقات الدبلوماسية معها، في مقابل توطيد علاقاتٍ أقوى مع المملكة، فقدّمت دعما لمقديشيو بمقدار 50 مليون دولار، في مقابل استثماراتٍ كبيرة، ربما تقدّر بالمليارات في السودان، ناهيك عن دورٍ ملحوظ لرجال الأعمال السعوديين في إثيوبيا نفسها. وفي المقابل، شرعت الإمارات، في إقامة قاعدة أخرى في ميناء عصب في إريتريا المناوئة تقليدياً لإثيوبيا. لم تستفز هذه التحركات في حينها دول المنطقة، خصوصا إثيوبيا الدولة التي أيدتها، وأعلنت تفهمها التدخل السعودي في اليمن، في إطار عملية عاصفة الحزم العسكرية، كما لم تعترض أديس أبابا على الاستخدام السعودي والإماراتي لميناء عصب في توجيه ضربةٍ جويةٍ للحوثيين، ما دام الأمر مؤقتا، وسينتهي بانتهاء الحرب.
إذن، كان هذا هو نمط التحالف والتنسيق الخليجي مع دول القرن الأفريقي، وكان هذا هو رد 
فعل هذه الدول. الاستجابة والتعاون إلى أقصى مدى. لكن، يبدو أن حصار قطر في يونيو/ حزيران الماضي لم يساهم فقط في شق الصف الخليجي، وإنما ألقى بظلاله أيضا على القرن الأفريقي، لاسيما بعدما سعت دول الحصار إلى استقطاب دوله بشتى وسائل الترغيب والترهيب، ومن ذلك زيادة السعودية حصص تأشيرات الحج لمسلمي إثيوبيا من 9 آلاف إلى 15 ألفا، في مقابل تهديد الصومال بحرمانها من التأشيرات في حال عدم مشاركتها في الحصار. وكان من نتيجة ذلك حدوث تباين في مواقف دول القرن، ففي حين أيدت إريتريا وجيبوتي دول الحصار، فضلت الصومال والسودان، وكذلك إثيوبيا، الحياد. بل إن الأخيرة بدأت تشعر بالقلق من توطيد العلاقات بين الرياض وأبوظبي وأسمرة، والتي استغلته الأخيرة في التمدّد على حساب جارتها جيبوتي. وأبدت مخاوفها من سعي الإمارات إلى إقامة قاعدة عسكرية في ميناء بربرة في جمهورية أرض الصومال التي تعتبرها إثيوبيا مجالا حيويا لها، ما جعلها تشعر بالخطر من هذه التحركات، وأنها ربما تستمر ولن تكون مؤقتة، ولذلك رفضت الاستجابة لمطالب دول الحصار، خصوصا في القمة الأفريقية التي استضافتها في يوليو/ تموز الماضي، وفضلت الحياد على الانحياز إليها، على الرغم من الإغراءات والعلاقات الوطيدة معها. بل قام رئيس وزرائها، هاله ميريام ديسالين في نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري بأول زيارة لقطر بعد الحصار، ما يعني أنه بات في الطرف الآخر من وجهة نظر السعودية والإمارات.
والمتأمل لتحركات دول الحصار صوب القرن الأفريقي يلاحظ أنها تركّز حاليا على الدول 
الساحلية (إريتريا والصومال وجيبوتي)، وينصب هذا التركيز على الجوانب العسكرية، وربما يكون المدخل الاقتصادي التجاري والاستثماري إحدى الأدوات التي تعزّز ذلك، في حين هناك تراجع نسبي عن الاهتمام بالدول الحبيسة، مثل إثيوبيا، حيث تتراجع أهميتها العسكرية من وجهة نظرها، وإن كان هذا لا يمنع من استمرار التعاون الاقتصادي والاستثماري معها. وينطبق الأمر نفسه بالنسبة للسودان، على الرغم من أنه دولة ساحلية، وكانت لديه علاقات وطيدة معها عبر مشاركته في "عاصفة الحزم"، وقطع العلاقات مع طهران بسبب خلافها مع الرياض، ومع ذلك، فإن رفض الخرطوم حصار قطر قد يجعلها تتبوأ مرتبةً متأخرة في هذا الشأن.
وبالتالي، وإزاء هذه التباينات التي أحدثتها أزمة الحصار، باتت منطقة القرن الأفريقي أمام تحالفين مقترحين، يضم الأول دول الحصار، بالإضافة إلى إريتريا وجيبوتي وأرض الصومال، في مقابل تحالف ثانٍ آخذ في التشكل، يضم قطر وإثيوبيا والسودان، وربما تركيا، باعتبارها إحدى الدول التي لديها علاقات وطيدة بكل من الدوحة من ناحية، والصومال (قاعدة عسكرية) والسودان من ناحية ثانية. وقد اتضحت بعض معالم هذا التحالف الثاني الناشئ ربما في زيارة رئيس وزراء إثيوبيا الدوحة، أخيرا، وتوقيعه على اتفاقيات اقتصادية ودفاعية أيضا.
وهكذا جاءت أزمة حصار قطر لتعيد تشكيل نمط التحالفات الجديدة في منطقة القرن الأفريقي، ذات الموقع الاستراتيجي المهم والحيوي على أهم الممرات العالمية، بداية من البحر العربي والمحيط الهندي، مرورا بباب المندب والبحر الأحمر، وصولا إلى قناة السويس شمالا. وبدلا من أن تكون هناك استراتيجية عربية موحدة تجاه هذه المنطقة، كما كان الوضع إبّان "عاصفة الحزم"، بدا هناك تباين لا يصب بالتأكيد في صالح دول الخليج، وإنما في صالح الأطراف الأخرى التي باتت تستغل هها الأزمة لتحقيق مصالحها.
B8DDCC55-8075-41F9-A617-4F3EA9A3A8C9
بدر شافعي

كاتب وباحث مصري، يحمل الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، له كتابان عن تسوية الصراعات في إفريقيا، وعن دور شركات الأمن في الصراعات.