زيمبابوي.. سقط الدكتاتور

17 نوفمبر 2017

موغابي يخاطب أنصارا له لحشد دعم لزوجته (8/7/2017/فرانس برس)

+ الخط -
ها هو أقدم دكتاتور في أفريقيا، يعدّ ساعاته الأخيرة في قصر هراري الرئاسي. وها هي زيمبابوي تستعد للخلاص من حكم روبرت موغابي الذي حكم البلاد 37 سنة، وقد انتخب رئيساً للجمهورية أول مرة في عام 1987. المثير أن هذا الحكم، الطويل والقاسي، بدأ بالترنح قبل أسابيع قليلة، لا بضغط الانهيار التام للاقتصاد، أو بلوغ البطالة في البلاد ما يفوق 90%، بل بسبب خطأ تكتيكي، عندما بدأ الرجل بتمهيد الطريق لتوريث السلطة لزوجته غريس، وتحييد نائبه إمرسون منانغاجوا، ما استدعى تدخل الجيش الذي فضّل حسم النزاع بين "السيدة الأولى" وخصمها منانغاجوا "التمساح"، كما يلقبه من خبر قوته وبطشه، قبل أن تغرق البلاد في مواجهات دامية.
خمس سنوات فقط من حكم موغابي كانت عادلة، تمتع فيها شعب زيمبابوي بخيرات بلاده. ومن إنجازاته أن بلاده أصبحت الأفضل من حيث التعليم في القارة الأفريقية برمتها بنسبة أمية لا تتجاوز 10%. وكان موغابي، خريج جامعة فورت هير في جنوب أفريقيا عام 1951، مغرماً بالتعليم، فتابع دراسته في جامعات عدة، وحصل على ثماني شهادات جامعية بين البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، في تخصصات متنوعة من الاقتصاد واللغة الإنكليزية إلى التاريخ والتربية.
أما ما بعد السنوات الخمس الأولى لحكمه، فكانت عقودا من الظلم والظلام، إذ بدأ موغابي اتباع سياسات ظالمة بهدف الإصلاح، أغربها في عام 1999 عندما سحب الأراضي من السكان ذوي الأصول الأوروبية (السكان البيض) ووزعها على السكان الأصليين الأفارقة. وقد ظهر كمن يحارب العنصرية بعنصريةٍ أبشع. وقد أدى ذلك الى انتكاسة حقيقية في الإنتاج الزراعي. وبعد أن كانت زيمبابوي من الدول المصدرة لأغذيةٍ عديدة، أصبحت تعاني من المجاعة وسوء التغذية، وتحول شعب زيمبابوي إلى أحد أفقر شعوب العالم.
موغابي الذي تجاوز الـ 93 عاما، قضى أكثر من ثلثها في الحكم، كان يرى نفسه أفضل من السيد المسيح، وقد قال مرة :"لقد مُت عدة مرات، وهذا يجعلني أتفوق على المسيح، فهو مات وبُعث مرة واحدة بينما أنا فعلت ذلك أكثر من مرة". واشتهر موغابي، بعد أن أصابه "الخرف السياسي"، بتصريحاته المثيرة، وظهوره التلفزيوني اللافت، وقد نافس بذلك "كاريزما" العقيد الراحل معمر القذافي و"حكمته". اشتهر عنه قوله إن "العنصرية لن تنتهي أبدا طالما السيارات البيضاء لا تزال تستخدم الإطارات السوداء". و"طالما أن الناس لا تزال تعتبر أن الأسود يرمز إلى الحظ السيئ والأبيض للسلام". و"إذا ما استمر الناس بارتداء ملابس بيضاء لحفلات الزفاف وملابس سوداء في العزاء والجنازات". ويقول موغابي: "كل هذا لا يهمني، طالما أنني لازلت أستخدم أوراق تواليت بيضاء لمسح مؤخرتي السوداء، فأنا لا زلت بخير". وكان من أغرب تعليقاته، على قانون زواج المثليين الذي اعتمدته الولايات المتحدة الأميركية في العام 2015: علمت بتأييد الرئيس الأميركي، باراك أوباما، زواج المثليين ودفاعه عنهم، وأعتقد أن عليَّ الذهاب إلى واشنطن، وأن أجثو على ركبتي وأطلب يده للزواج".
وليست تصريحاته فقط التي باتت غريبة، بل سلوكه الشخصي، وقد ظهر مخمورا في مناسبات عامة ورسمية، وظهوره المثير في قمة المناخ في مراكش، عندما سار لمصافحة ملك المغرب، محمد السادس، والأمين العام للأمم المتحدة، آنذاك، بان كي مون. وكانت لرئيس الزيمبابوي حوادث أخرى، إذ سقط في فبراير/ شباط 2015 على منصة تشريفات في مطار هراري. وفي أكتوبر/ تشرين الثاني 2015 كاد يسقط وهو في طريقه لمصافحة رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي. وصارت صوره نائما في المحافل الدولية الأكثر تداولا في وسائل الإعلام، لا سيما بعد أن صار سفيرا للنيات الحسنة لمنظمة الصحة العالمية، وهو اللقب الذي لم يحمله سوى ساعات، قبل سحبه منه.
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.