24 يوليو 2024
أمراء الحرب في دارفور
صدر قبل أيام عن المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً، تقرير على درجةٍ من الأهمية، وفي توقيت حرج، تمر به عملية السلام في إقليم دارفور، حمل اسم "سلاح أمراء الحرب في دارفور.. زراعة الريح وحصاد العاصفة، السياق الحقيقي لحملة جمع السلاح في دارفور". وتناول بالتحليل العميق والمعطيات السياسية والاجتماعية مساعي الحكومة السودانية، وحملتها لجمع السلاح التي أعلنت في أغسطس/ آب الماضي. وأهمية التقرير أنه يصدر في وقتٍ ترتفع فيه درجة حرارة التوتر الأمني في دارفور، وبلوغها قمة جديدة محفوفة بمخاطر كثيرة.
يقدم التقرير معطيات وأرقاماً ترصد نشوء ظاهرة انتشار السلاح في إقليم دارفور وتطورها منذ السبعينات، إبان الحرب الليبية التشادية، ثم فترة تجميع مسلحي مليشيات الجنجويد (المدعومة من الحكومة) وبروز نجم القيادي القبلي الموالي للحكومة، موسى هلال، وتزايد نفوذ المليشيات، وتأثير المليشيات القبلية، وانتشار السلاح في دارفور على المتغيرات الاقتصادية والسياسية. كما تناول التقرير مليشيات بارزة أخرى، ودور بعض قيادات الحكم في السودان في قيادتها. وجاء على التحولات السياسية وكيفية انتقال الاعتماد الحكومي من مليشيا إلى أخرى، من موسى هلال إلى قوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي). وكيف شكلت عملية التحول، في هذه الحالة، إلى صراع مفتوح على النفوذ في الإقليم. وانتهى التقرير إلى صياغة عدة سيناريوهات، لحملة جمع السلاح، ما قد يصحبها من احتمالات اشتعال الحرب على نطاقات جديدة وصفقات ومساومات سياسية بين الأطراف المختلفة.
ومما توصل إليه التقرير من توصيات عامة تتفق مع دعوات سابقة، صدرت من قوى سياسية
سودانية، أو دولية، وتقوم على الحل السياسي الشامل لقضايا السودان العالقة والمستعصية، بما فيها قضية دارفور، وبمشاركة جميع الأطراف. ويوصي بوضع حلول لقضايا التنمية والتمثيل السياسي، وتوزيع السلطة والموارد على أساس المواطنة المتساوية، وهذه تتفق عليها أيضا القوى السياسية السودانية، وترد في معظم مسودات الاتفاقيات السياسية المحلية والدولية. وفيما يتعلق بقضية نزع السلاح التي تعمل عليها الحكومة السودانية، يصل التقرير إلى توصيات منطقية، من دعوته إلى توقف الحكومة عن استعمال مليشيات الحرب وتجييشها بالوكالة، وإعادة الاعتبار لأجهزة الدولة الرسمية، وإعادة هيكلتها بشكل يضمن حياديتها وفعاليتها في بسط الأمن وحفظ القانون، وليس تنفيذ الأجندة السياسية لحزب المؤتمر الوطني. وهنا المعضلة التي سوف تصطدم بها جهود الحكومة في مسعاها إلى جمع السلاح. فمن ناحيةٍ، فإن السلاح وانتشاره في إقليم دارفور وقفت وراءه تاريخياً، وبشكل أساسي، بعض القوى السياسية المحلية والإقليمية، بمن فيها حزب المؤتمر الوطني الحاكم بالمسمّى الجديد للجبهة الإسلامية. وانتشر بفعل الحركات المسلحة في تشاد، أو ما عرف بالفيلق الإسلامي الذي ارتبط بتحركات حكومة القذافي، وتحالفاتها في المنطقة، والتي لعبت فيها الجبهة الإسلامية، وحكومة الصادق المهدي، دوراً فاعلاً إبّان حكومة الصادق المهدي ثمانينات القرن الماضي، أو بفعل انتشار السلاح في ليبيا حالياً. والسلاح ينتشر في دارفور بين القبائل، تبعاً لارتباطها بالحكومة التي ظلت تمدّها بالسلاح، واستغلته في عملية تحريك القبائل في مواجهة بعضها بعضاً.
وفي كل الأحوال، يظل السلاح وانتشاره في إقليم دارفور، كما هو الحال في بقية أنحاء السودان، رمزاً ساطعاً لانعدام الطمأنينة وانتشار الخوف بين المواطنين، لغياب الحكومة القوية العادلة والقادرة على توفير الحماية، أو لحضورها المنحاز لمجموعة قبلية ضد أخرى، أو
لحماية الأفراد من التفلت الحاصل. ولهذا تصبح معضلة الحكومة مركبةً، فإذا كان المقصود في المسعى الحكومي جمع السلاح المنتشر بين السودانيين، فهذا أيسر وأمره سهل. لكن كيف ستجمع الحكومة السلاح من المليشيات التي أوجدتها، وناصرتها وفرضتها شرطياً مقيماً على الإقليم؟ هذه المليشيات، كما في حالة مليشيات حميدتي، أصبحت جيشاً موازياً للجيش النظامي، معترفاً به، وتستمد قوتها مباشرة من رئيس الجمهورية نفسه. وماذا ستعمل الحكومة مع مليشيات أخرى، خرجت عن سيطرتها، مثل الحالة التي يجسدها موسى هلال وغيره. ثم كيف ستطبق عليها الحكومة قرار مصادرة السلاح بغير الدخول معها في صدام مسلح، ما يعني حروباً جديدة على المسلحين في مليشيات أوجدتها الحكومة وغذّتها ذات يوم. ومن ثم نصل إلى السؤال الكبير، وهو أن حملة السلاح الأكثر عدداً وتنظيماً، والمتمثل في الحركات المسلحة في دارفور، ولها قواعد وأنصار وخلايا نائمة في كل الإقليم هم الهاجس الأكبر سياسياً وعسكرياً للحكومة. هذه التنظيمات المسلحة وحربها على الحكم معلنة، وانعكاساتها على حياة المواطنين في دارفور لاتحتاج الى دليل.
كل هذه الوقائع تجعل من مساعي الحكومة لجمع السلاح أمراً عصياً على التحقق، ويتقاطع، في كل الأحوال، مع واقع دائرة الحرب المستعرة وانعدام الأمن في الإقليم. وعلى ذلك، يتطلب المخرج المباشر من هذا الوضع من الحكومة أن تتجه نحو مخاطبة القرار السليم والحصيف، كما ورد في توصية المجموعة السودانية، وهو في حقيقته توصية موجودة وثابتة في أضابير مشاريع السلام في دارفور وما أكثرها. فلا مخرج من مأزق السلاح وانتشاره سوى إصغاء الحكومة لصوت العقل، وإدراك أن المطلوب حقيقةً ليس حملة أو حملات لجمع السلاح، وإنما مخاطبة مسببات زعزعة الأمن والاستقرار في كل السودان، وليس فقط في دارفور. ولن يتحقق ذلك إلا عبر البحث عن السلام، ضمن عملية شاملة لحل سياسي يخاطب قضايا السودان الكبرى السياسية والاقتصادية. وقتها سيكون جمع السلاح تفصيلاً صغيراً يفرضه واقع السلام الشامل في كل السودان.
يقدم التقرير معطيات وأرقاماً ترصد نشوء ظاهرة انتشار السلاح في إقليم دارفور وتطورها منذ السبعينات، إبان الحرب الليبية التشادية، ثم فترة تجميع مسلحي مليشيات الجنجويد (المدعومة من الحكومة) وبروز نجم القيادي القبلي الموالي للحكومة، موسى هلال، وتزايد نفوذ المليشيات، وتأثير المليشيات القبلية، وانتشار السلاح في دارفور على المتغيرات الاقتصادية والسياسية. كما تناول التقرير مليشيات بارزة أخرى، ودور بعض قيادات الحكم في السودان في قيادتها. وجاء على التحولات السياسية وكيفية انتقال الاعتماد الحكومي من مليشيا إلى أخرى، من موسى هلال إلى قوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي). وكيف شكلت عملية التحول، في هذه الحالة، إلى صراع مفتوح على النفوذ في الإقليم. وانتهى التقرير إلى صياغة عدة سيناريوهات، لحملة جمع السلاح، ما قد يصحبها من احتمالات اشتعال الحرب على نطاقات جديدة وصفقات ومساومات سياسية بين الأطراف المختلفة.
ومما توصل إليه التقرير من توصيات عامة تتفق مع دعوات سابقة، صدرت من قوى سياسية
وفي كل الأحوال، يظل السلاح وانتشاره في إقليم دارفور، كما هو الحال في بقية أنحاء السودان، رمزاً ساطعاً لانعدام الطمأنينة وانتشار الخوف بين المواطنين، لغياب الحكومة القوية العادلة والقادرة على توفير الحماية، أو لحضورها المنحاز لمجموعة قبلية ضد أخرى، أو
كل هذه الوقائع تجعل من مساعي الحكومة لجمع السلاح أمراً عصياً على التحقق، ويتقاطع، في كل الأحوال، مع واقع دائرة الحرب المستعرة وانعدام الأمن في الإقليم. وعلى ذلك، يتطلب المخرج المباشر من هذا الوضع من الحكومة أن تتجه نحو مخاطبة القرار السليم والحصيف، كما ورد في توصية المجموعة السودانية، وهو في حقيقته توصية موجودة وثابتة في أضابير مشاريع السلام في دارفور وما أكثرها. فلا مخرج من مأزق السلاح وانتشاره سوى إصغاء الحكومة لصوت العقل، وإدراك أن المطلوب حقيقةً ليس حملة أو حملات لجمع السلاح، وإنما مخاطبة مسببات زعزعة الأمن والاستقرار في كل السودان، وليس فقط في دارفور. ولن يتحقق ذلك إلا عبر البحث عن السلام، ضمن عملية شاملة لحل سياسي يخاطب قضايا السودان الكبرى السياسية والاقتصادية. وقتها سيكون جمع السلاح تفصيلاً صغيراً يفرضه واقع السلام الشامل في كل السودان.