13 نوفمبر 2024
ترامب في الرقة.. وبوتين في المصيدة
ساد رأيٌ لسنواتٍ خلت، أن أميركا أعطت روسيا الحق بالتصرّف بشؤون سورية، وتحديد مصير الحكم فيها؛ ولكن سيطرة أميركا عبر "قوات سورية الديمقراطية" على الرقة ومحيطها وشرق دير الزور ومدن الشمال، أي مساحات واسعة من سورية، أعادت النقاش لهذه المُسلّمة. رافق ذلك كلامٌ يتصاعد تباعاً عن إعمار الرّقة بالتحديد، الكلام هذا يقوله الأوروبيون والأميركان، وهناك وزير سعودي زار المدينة للسبب ذاته. الرسالة واضحة هنا، ليس من مشاريعٍ دوليّة لإعادة الإعمار في كل سورية، وفي "سورية المفيدة"، قبل الانتقال السياسي، وتحديد مصير الحكم، بشكلٍ يتجاوز الكلام المُسفّ عن نصرٍ يُحققه النظام من دون توقف، بل وتناول "المصير" النظام ذاته.
عكس تصريحات بوتين عن حشر ممثلي"شعوب سورية" في حميميم أو في مطار دمشق الدولي، هناك تصريحات أميركية تقول إن النظام السوري الحالي غير صالحٍ للحكم مستقبلاً؛ الحديث هذا يأتي على خلفية الانتهاء من "داعش" ولجم جبهة النصرة في إدلب والتخلص منها بالتدريج، أي يأتي في لحظةٍ حسّاسة، تتناول النقاش عن اجتماعات أستانة وموعدٍ لمؤتمر جنيف جديد في الشهر الجاري، ولقاءات جديدة يُجريها مسؤولون أميركان مع دي ميستورا، وكلام "هجومي" من وزير الخارجية الأميركية، ريكس تيلرسون، وهو ما يعكس رغبة أميركية لرؤية جديدة في الشأن السوري.
يمكن تفسير التصعيد الأميركي على خلفية استراتيجية ترامب ضد إيران، وضرورة فك
التحالف بين روسيا وإيران، وإعادة الأخيرة إلى حدودها السيادية، بل إن ترامب يُهدّد بالتراجع عن الاتفاق النووي، ووضع الحرس الثوري وحزب الله على قائمة الإرهاب. يدعم الرؤية الأميركية هذه تراجع "داعش" وقوى الإرهاب وسقوط الحجة الإيرانية بتشكيل الحشد الشعبي أو الوجود في سورية تحت هذا المسمى، وهي الذريعة نفسها التي شكلّت بها أميركا ائتلافها وتحالفها الدولي؛ وتحجيم إيران يتوافق مع مطالب إسرائيل والسعودية بخصوص سورية والمنطقة. إذاً، على روسيا التحرّك سريعاً لحسم قضية إيران، والتخلي عن "استهزائها" بالعالم، وتهميش جنيف، بل وأستانة، واستبدالهما بمسار حميميم، والعودة إلى رشدها، وأن أميركا ما زالت الدولة الأولى في العالم، ولن تمنح سورية لقمة سائغة لها من دون رضىً، وللرضى الأميركي هذا شروط.
ترفض أميركا الوجود الإيراني، وسيكون وجودها هناك داعماً للأكراد، ولقطع الطريق البرّي على إيران، وأن كل الحرب ضد "داعش" هي من أجل إعادة تموضعها مجدّداً في سورية والعراق؛ البدء بإعمار الرّقة سيُشكل نقلةً نوعية في السياسة الأميركية، حيث ستُحاصِر إيران وتركيا، وستمدّ الأكراد بأوهام كبيرة حول "الفيدرالية"، على الرغم من رفضها هذه الفيدرالية، وهذا سيساعدها في التخلص من "داعش" وتهميش إيران خصوصا، وستُجبر تركيا على توافقاتٍ سياسية، تهدّد علاقة الأخيرة بروسيا ووجودها في كل المنطقة، والنتيجة هنا تهميش تركيا!
مما لا يجوز توهمه، على الرغم من الخطوة الأميركية، أن الأكراد سينالون حقوقاً أكثر من حقوق المواطنة في سورية، وحكما ذاتيا موسعا في العراق، وأيضاً لن يحصل تغيير في الحدود القديمة للدول، لكن تهميش الدول أكثر فأكثر هدف أميركي بامتياز. ستسير أميركا بالعراق مجدّداً نحو إعادة "السنة" إلى الحكم مع الكرد والشيعة، وهي رسالتها إلى رئيس إقليم كردستان، مسعود البارزاني أخيرا، إذ تركته وحيداً في الجبال. وفي سورية، ستعمل من أجل نظام يُشبه العراق، أي نظام طائفي، وهذا يتعارض مع الرؤية الروسية في إبقاء النظام، وإحداث تغييرات طفيفة في مؤسساته الأمنية والعسكرية، الأمر المرفوض أميركيا، فالتغيير يجب أن يشمل هذه المؤسسات، ولكن بما لا يحطّمها.
وستعتمد روسيا على الخليج وأوروبا في الإعمار، لكن أوروبا والخليج. وعلى الرغم من
الخلافات البينية بين دول الأخير، فإنّهم يصطفون خلف أميركا بما يتعلق بالمرحلة التالية لدحر "داعش"، أي الاستقرار والانتقال السياسي، وحينها ستفتح "صنابير" المال من أجل إعادة الإعمار، أي المساهمة في نهب سورية بالمعنى الدقيق للكلمة. وبالتالي، تفرض أميركا، وبعد سيطرتها على مساحات واسعة من سورية، شروطها، وذلك من أجل حصة كبيرة لها في سورية.
الغضب الروسي من "الرقة أولاً" لا يُقدّم ولا يُؤخر شيئاً في الأمر، فما وراء ذلك قضايا يجب حسمها مباشرة، والتلكّؤُ فيها يعني أن روسيا ستغرق في سورية أكثر فأكثر، وإذا كانت فعلاً مهتمةً بالانتقال السياسي، وباحتلال سورية، فإنّ ذلك يمرُّ عبر جنيف، وإعادة تقاسم سورية، وليس المنطقة الشرقية فقط، وإعادة تقييم دورها العالمي ذاته، ولا سيما أن روسيا توهّمت أنّها ترسم السياسة العالمية برفضها التخلي عن القرم، وبدخولها العسكري إلى سورية، وبعقد صفقاتٍ عسكريةٍ كبيرة مع كل من تركيا وإيران ودول الخليج، وباستهتارها بالعقوبات المفروضة عليها، وبسياسات أوباما الانكفائية. روسيا غاضبة من التموضع الأميركي الجديد، لكن الأخير يتحرّك بهدوءٍ شديدٍ، وخطابات ترامب يجب أن تُؤخذ على محمل الجد.
شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري حافل باللقاءات، ويُفترض بهيئة التفاوض رفض "توصيات" موسكو، وإشراك "منصاتها" فيها، وإعادة التأكيد على أن جنيف هو الأساس في الشأن السوري، والتنديد الواسع بكل الممارسات المناقضة لاتفاقية تخفيض التوتر، والإصرار على تنفيذها واستكمال تشكيل مجالس محلية خاصة فيها. وفي الوقت عينه، رفض إلحاق الرّقة بالإدارة الذاتية في الحسكة، وكذلك يفترض بالأميركان أن يتدخلوا دبلوماسياً بشكل كبيرٍ، وبما يعيد إلى جنيف أهميته؛ الروس معنيون، كما أوضحنا، بتهميش الدور الإيراني الفاقد لمبرّراته، وكذلك بالتخلي عن أولويات حميميم، والعودة إلى مبادئ جنيف، ورفضُهم هذه الفكرة يعني استمرار الأميركان بالرّقة أولاً ومدن الشمال، وإغراق روسيا في سورية أكثر فأكثر.
عكس تصريحات بوتين عن حشر ممثلي"شعوب سورية" في حميميم أو في مطار دمشق الدولي، هناك تصريحات أميركية تقول إن النظام السوري الحالي غير صالحٍ للحكم مستقبلاً؛ الحديث هذا يأتي على خلفية الانتهاء من "داعش" ولجم جبهة النصرة في إدلب والتخلص منها بالتدريج، أي يأتي في لحظةٍ حسّاسة، تتناول النقاش عن اجتماعات أستانة وموعدٍ لمؤتمر جنيف جديد في الشهر الجاري، ولقاءات جديدة يُجريها مسؤولون أميركان مع دي ميستورا، وكلام "هجومي" من وزير الخارجية الأميركية، ريكس تيلرسون، وهو ما يعكس رغبة أميركية لرؤية جديدة في الشأن السوري.
يمكن تفسير التصعيد الأميركي على خلفية استراتيجية ترامب ضد إيران، وضرورة فك
ترفض أميركا الوجود الإيراني، وسيكون وجودها هناك داعماً للأكراد، ولقطع الطريق البرّي على إيران، وأن كل الحرب ضد "داعش" هي من أجل إعادة تموضعها مجدّداً في سورية والعراق؛ البدء بإعمار الرّقة سيُشكل نقلةً نوعية في السياسة الأميركية، حيث ستُحاصِر إيران وتركيا، وستمدّ الأكراد بأوهام كبيرة حول "الفيدرالية"، على الرغم من رفضها هذه الفيدرالية، وهذا سيساعدها في التخلص من "داعش" وتهميش إيران خصوصا، وستُجبر تركيا على توافقاتٍ سياسية، تهدّد علاقة الأخيرة بروسيا ووجودها في كل المنطقة، والنتيجة هنا تهميش تركيا!
مما لا يجوز توهمه، على الرغم من الخطوة الأميركية، أن الأكراد سينالون حقوقاً أكثر من حقوق المواطنة في سورية، وحكما ذاتيا موسعا في العراق، وأيضاً لن يحصل تغيير في الحدود القديمة للدول، لكن تهميش الدول أكثر فأكثر هدف أميركي بامتياز. ستسير أميركا بالعراق مجدّداً نحو إعادة "السنة" إلى الحكم مع الكرد والشيعة، وهي رسالتها إلى رئيس إقليم كردستان، مسعود البارزاني أخيرا، إذ تركته وحيداً في الجبال. وفي سورية، ستعمل من أجل نظام يُشبه العراق، أي نظام طائفي، وهذا يتعارض مع الرؤية الروسية في إبقاء النظام، وإحداث تغييرات طفيفة في مؤسساته الأمنية والعسكرية، الأمر المرفوض أميركيا، فالتغيير يجب أن يشمل هذه المؤسسات، ولكن بما لا يحطّمها.
وستعتمد روسيا على الخليج وأوروبا في الإعمار، لكن أوروبا والخليج. وعلى الرغم من
الغضب الروسي من "الرقة أولاً" لا يُقدّم ولا يُؤخر شيئاً في الأمر، فما وراء ذلك قضايا يجب حسمها مباشرة، والتلكّؤُ فيها يعني أن روسيا ستغرق في سورية أكثر فأكثر، وإذا كانت فعلاً مهتمةً بالانتقال السياسي، وباحتلال سورية، فإنّ ذلك يمرُّ عبر جنيف، وإعادة تقاسم سورية، وليس المنطقة الشرقية فقط، وإعادة تقييم دورها العالمي ذاته، ولا سيما أن روسيا توهّمت أنّها ترسم السياسة العالمية برفضها التخلي عن القرم، وبدخولها العسكري إلى سورية، وبعقد صفقاتٍ عسكريةٍ كبيرة مع كل من تركيا وإيران ودول الخليج، وباستهتارها بالعقوبات المفروضة عليها، وبسياسات أوباما الانكفائية. روسيا غاضبة من التموضع الأميركي الجديد، لكن الأخير يتحرّك بهدوءٍ شديدٍ، وخطابات ترامب يجب أن تُؤخذ على محمل الجد.
شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري حافل باللقاءات، ويُفترض بهيئة التفاوض رفض "توصيات" موسكو، وإشراك "منصاتها" فيها، وإعادة التأكيد على أن جنيف هو الأساس في الشأن السوري، والتنديد الواسع بكل الممارسات المناقضة لاتفاقية تخفيض التوتر، والإصرار على تنفيذها واستكمال تشكيل مجالس محلية خاصة فيها. وفي الوقت عينه، رفض إلحاق الرّقة بالإدارة الذاتية في الحسكة، وكذلك يفترض بالأميركان أن يتدخلوا دبلوماسياً بشكل كبيرٍ، وبما يعيد إلى جنيف أهميته؛ الروس معنيون، كما أوضحنا، بتهميش الدور الإيراني الفاقد لمبرّراته، وكذلك بالتخلي عن أولويات حميميم، والعودة إلى مبادئ جنيف، ورفضُهم هذه الفكرة يعني استمرار الأميركان بالرّقة أولاً ومدن الشمال، وإغراق روسيا في سورية أكثر فأكثر.