عندما يتحدث أمير الكويت عن الخليج

27 أكتوبر 2017

أمير الكويت..تحذير من انهيار مجلس التعاون الخليجي (24/10/2017/فرانس برس)

+ الخط -
في أحدث المتغيرات الخاصة بالأزمة الخليجية بين دولة قطر وكل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، قال أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، إن هذه الأزمة "تحمل في جنباتها احتمالات التطور" ؛ ما يعني وصول قناعات الأمير إلى أمرين رئيسين، فقدانه الأمل بزوال هذه الأزمة وأفولها، وفتحه الباب لقراءات وتأويلات كثيرة عن ماهية (التطور) في هذه الأزمة.
وتقود مراجعة كلمات أمير الكويت بدقة، وتحليل معطياتها، إلى أن لديه ما يكفي من أسباب جعلته يدقّ مسماره الأخير في نعش محاولاته لجمع أطراف الأزمة على طاولة والحوار، كما كان يمنّي نفسه من الخامس من يونيو/ حزيران الماضي وحتى زيارته المملكة العربية السعودية منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، والتي سمع فيها من الملك سلمان، كما سمع وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، الذي زار الرياض أيضا، أنّ الحصار ضد قطر سيكون "استراتيجية طويلة المدى".
اللافت في إشارات أمير الكويت هو موضوع "احتمالات التطور" في الأزمة، وهو ما يفتح الأبواب من جديد على كل الاحتمالات في التعامل مع قطر من جميع أطراف الأزمة، ولأن إشارة الأمير إلى أن هذا "التطور" ستكون "له نتائج بالغة الضرر والدمار على أمن دول الخليج وشعوبها"، فذلك يعني بالضرورة علم الكويت بمآلات غلق أبواب الوساطات السلمية الأخوية منها والدولية وتداعياته؛ "خلافا لآمالنا وتمنياتنا، الأزمة الخليجية تحمل في جنباتها احتمالات التطور".
كل الاحتمالات إذن مشرعة أمام القائمين على حصار قطر وتهديد سيادتها، ولعل هذا النص 
موضوعي، ليس من باب الاصطفاف مع هذا الطرف أو ذاك، وأول الاحتمالات موضوع ربما أشار أمير الكويت، في مضمون عبارات بعينها، إلى أنه "حتمي"، ومنها ما يتعلق بالتدخل الإقليمي والدولي تحديدا "علينا جميعا أن نكون على وعي كامل بمخاطر التصعيد، بما يمثله من دعوة صريحة لتدخلات وصراعات إقليمية ودولية، سيكون لها نتائج بالغة الضرر والدمار على أمن دول الخليج وشعوبها"؛ وهذا التدخل مفتوح المديات والأغراض الإستراتيجية والاقتصادية والجيوسياسية أيضا، وكلها ربما تكون من خلال ذراع أو أذرع تستخدم القوة في إحداث التغيير المطلوب.
حجم الاستهتار في رغبة جماهير الأمة العربية عموما، والخليجية خصوصا، سابقة خطيرة لم تحدث تحت أي ظرف سابق، بل بلغ الأمر حد الاستهتار بآخر معاقل التجمعات العربية الناجحة، والذي ظنّه عرب كثيرون الأمل الوحيد المتبقي من جذوة الكيان العربي الواحد، فإذا بمواقف أعدّت وفق برامج وأهداف واجبة التنفيذ من الدول التي تواجه قطر في هذه الأزمة، تحوّل ذلك كله إلى هباء، وتسعى قياداتٌ لديها أزمة داخلية في القبول الشعبي والوطني بها، إلى إدخال الخليج في بركة من الاضطراب وفقدان الأمن وهدر الموارد، من دون أن يكون هناك ضامن لنجاح هذه القيادات في الوصول إلى مبتغاها، وتثبيت وجودها على كراسي القرار الأولى أو الوحيدة في بلدانها، وهو ما يعنيه أمير الكويت بقوله "فلنتق الله في أوطاننا، ولتهدأ النفوس، وليكن مجلس التعاون الخليجي راية عز وازدهار، ونتحرك لحمايته من التصدع والانهيار".
نعم، المنطقة عموما، والخليج العربي خصوصا، على أبواب متغيرات هائلة، ولن يكون لما يمكن تسميته مجلس التعاون لدول الخليج العربي وجود بهذه التسمية، إذا ما استمر الأشقاء هناك في الاندفاع الهستيري صوب موضوع التصعيد ضد قطر، تماما كما اندفعوا من دون نضج وتحسب كافيين في موضوع العراق عام 2003، ومن يطمع في الحكم المطلق في أي مكان، وتحت أي حقبة مرّت تاريخيا، أو ستقدم، لابد أن يسيل من الدماء ما يجعل البلاد التي سيتحّكم بها وبخلقها ترضخ وتقبل به حتى حين، ولعل هذه الصورة واضحة جدا في المشهد المرتبط بالسعودية والإمارات والبحرين ومصر، وقد لا تكفي كلمات الشيخ صباح الأحمد التي تعكس إحباطه وخيبة أمله مما سمعه من قادة هذه الدول "إن التاريخ وأجيال الخليج والأجيال القادمة وأجيال العرب لن ينسوا لمن يسهم، ولو بكلمة، في تأجيج وتصعيد الخلاف الخليجي"، قد لا تكفي في إيقاف حركة الجميع صوب حتف دولهم وشعوبهم الرافضة كل هذه التداعيات وللأزمة برمتها.
يقود التحليل الاستراتيجي لكلمة أمير الكويت إلى الربط بين وصوله، هو شخصيا، إلى طريق مسدود، بشأن حلحلة الأزمة الخليجية، وتقريب وجهات نظر الفرقاء في هذه الأزمة من جهة، ويقينه شبه المطلق في ظل هذه الظروف، وتداعياتها المقبلة، من تصدّع مجلس التعاون 
الخليجي وانهياره؛ وليس مرد هاتين القناعتين للشيخ الصباح ما سمعه من العاهل السعودي أخيرا، ولا تجاهل ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، له، فقط، بل من تسارع الأمور في مجرياتها من واشنطن حتى الرياض وصولا إلى طهران؛ ولعل أمير الكويت، بحكم خبرته الطويلة، يعلم حجم الربط بين ما أثاره الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في موضوع مراجعة الاتفاق الخاص بالبرنامج النووي الإيراني، واتهام إيران برعاية الإرهاب وتمويله في المنطقة، وطبيعة الاتفاقات الأميركية – السعودية – الإماراتية بضرورة حصول تغيير جيوسياسي في طبيعة دول مجلس التعاون الخليجية، لصالح إعادة تقسيمها بما يعود بالنفع الاقتصادي على الولايات المتحدة على المديين، القريب والبعيد، ويمنح الرياض السلطة المطلقة في هذه المنطقة الحساسة من العالم، وذلك كله تحت غطاء "مواجهة إيران".
المنطقة، بحكم المتغيرات التي أحدثتها القيادات المفتقدة للخبرة السياسية، ابتداءً من واشنطن والرياض فالقاهرة، مقبلة على صراع إقليمي خطير جدا، ربما سيفضي إلى أن تهوي من خلاله دول وحكام، وهو ما يفسر الاندفاع المطلق للعربية السعودية والبحرين والإمارات، والجري وراء الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. وكان جديد هذه المواقف غير اللازمة، ولا المطلوبة سياسيا، سرعة إعلان هذه الدول عن توافقها ودعمها خطاب ترامب الناري تجاه إيران، فيما التزمت الكويت وسلطنة عمان وقطر بالروية، وبانتظار ما ستؤول إليه الأمور، سواء داخل الكونغرس الأميركي أو دوليا، والخشية أن تكون لهذه القيادات خطواتٌ لاحقةٌ، بجعل بلدانهم ساحة مواجهة للولايات المتحدة مع إيران بالإنابة، واستغلال ذلك لاجتياح دول بعينها أو تغيير قياداتها، وهو مما لمّح إليه أمير الكويت بألم وإحباط.
F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن