28 أكتوبر 2024
تغيرات أستانة
هل تشكل نتائج اجتماع أستانة انقلاباً على المعارضة السورية وأهدافها؟ سؤال مرتبط بسؤال أعمق: هل روسيا قادرة على اجتراح حل للأزمة، بعيداً عن التفاهمات الدولية، وبمعزل عن المجتمع الدولي، وتحديداً الولايات المتحدة؟ الإجابة على هذا تحدد الإجابة على ذاك، أي إذا كانت موسكو قادرةً على عزل المجتمع الدولي في سورية، فإن المعارضة وقعت في فخها، وإذا كانت روسيا عاجزة عن ذلك، وأن ما جرى في أستانة ليس سوى تفاهمات ضمنية مع واشنطن، فللحديث بقية.
عملت موسكو في الاجتماع على تمييز نفسها عن النظام وإيران، وهو ما عبر عنه كبير مفاوضي المعارضة، محمد علوش، وآخرون. وليس هذا تغيراً مفاجئاً في مواقف موسكو، وليس انعطافة أيديولوجية، بقدر ما هو استكمال طبيعي لمسارٍ رسمته موسكو منذ زمن، وبتفاهم مضمر مع واشنطن، أو على الأقل محاولة روسية لتقديم رؤية وقواعد للحل، تقبلها إدارة ترامب.
وصلت موسكو إلى قمة ما يمكن أن تصل إليه في سورية، وبعد ذلك سيكون الانحدار سواء من الفيتو الغربي الإقليمي الذي يمنعها من التمدّد أكثر، أو من خلال النظام وإيران اللذيْن لن ينصاعا عندها إلى المطالب الروسية.
هنا، يمكن تفسير الاندفاعة الروسية في اجتماع أستانة، عبر محاولة تحويل الاجتماع من منصة مخصصة لمناقشة وقف إطلاق النار إلى منصة عسكرية ـ سياسية معا، وتقديم مسودة الدستور دليل على تسرع روسي في إرساء قواعد الحل، ورغبة منها في هندسة واقع سياسي، كما هندست الواقع العسكري.
ليس الاجتماع محاولةً للانقلاب على المعارضة، فهذا يتجاوز القدرة الروسية، وليس الاجتماع محاولةً لإضعاف النظام، أنه يعكس واقع الأزمة السورية وواقعية الحلول، بعدما كانت اجتماعات جنيف السابقة طروحات ميتاواقعية لطرفي الأزمة، لا تتماهى مع واقع المجال التداولي السياسي وحقيقته على المسرح الدولي المعني بالأزمة.
اعترف اجتماع أستانة بفصائل المعارضة المسلحة، وشرعن وجودها، بما فيها الإسلامية المعتدلة، وهذا تحول مهم جدا، وأكد أن حل الأزمة سياسي. والأهم أن الاجتماع عقد وانتهى في ظل وقف إطلاق النار، على عكس اجتماعات جنيف السابقة، وسيكون منطلقاً لتمييز الفصائل الوطنية عن الإرهابية التي أثقلت الثورة السورية، وكانت حجة عليها أمام المجتمعين، السوري والدولي. لكن تغييرات مهمة تبدّت في الاجتماع:
ـ إدخال إيران طرفاً راعياً وضامناً لوقف النار، وإذ اعترض وفد المعارضة على ذلك، من حيث إن هذه خطوة ستكرس طرفاً ساهم في قتل الشعب السوري، فإن لروسيا قراءة مختلفة، فإيران داخل الاتفاق وضامن له أفضل من أن تكون خارجه، حيث ستكون قادرةً، بطرق غير مباشرة، على عرقلة وقف إطلاق النار. ولذلك ترى موسكو، ببراغماتية، أن إدخال إيران سيجعلها مسؤولةً عن أي خرق له.
ـ عدم الإشارة إلى المرحلة الانتقالية، وهو تراجع عن مخرجات قرار مجلس الأمن 2254 والحراك الأممي الذي أعقب صدوره. ولهذا جانبان: الأول يخدم النظام، من حيث إنه لا توجد مهلة محددة لاكتمال التحول السياسي، كما نص القرار، وجانب يمكن وصفه بالواقعي، من حيث إن الواقع السوري المعقد كشف زيف المهل الزمنية. كما أن الروس يريدون إزالة معنى المرحلة الانتقالية من الأذهان، لما تحمله من دلالة على التغيير في زمن محدد.
ـ عدم الإشارة إلى بيان جنيف1، وهو انزياح عن القرار 2254، لكنه ليس انزياحاً كبيراً، فالقرار الذي يشكل المرجعية السياسية الوحيدة للحل في سورية أشار إلى البيان في مقدمته، وفي الفقرة الأولى، لكنه، في الفقرة الرابعة المخصصة لعملية الانتقال السياسي، لم يتطرق إلى صيغة البيان (هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة)، واستبدلها بعمليةٍ سياسيةٍ تقيم حكماً ذا مصداقية، يشمل الجميع، ولا يقوم على الطائفية.
تحاول موسكو، في استبعادها ذكر بيان "جنيف1"، التفريق بين اعتباره أساساً للانتقال السياسي واعتباره أساساً لوضع آليات الانتقال السياسي، وبين الأمرين اختلافٌ كبير، فلا مانع لدى موسكو، وواشنطن أيضا، أن يكون هذا البيان أساساً للحل السياسي في مخرجاته العامة، لكنه لا يصلح، بعد هذه السنوات، أن يكون أساساً لمخرجات العملية السياسية وتفاصيلها.
باختصار، اجتماع أستانة منصة قديمة ـ جديدة، هدفها إطلاق جنيف جديد، مع تغييراتٍ لم تسمح معطيات العام الماضي بإدخالها، وستكون هذه المعطيات على حساب المعارضة والنظام معا. ومن هنا، ربما تكمن واقعية الاجتماع.
عملت موسكو في الاجتماع على تمييز نفسها عن النظام وإيران، وهو ما عبر عنه كبير مفاوضي المعارضة، محمد علوش، وآخرون. وليس هذا تغيراً مفاجئاً في مواقف موسكو، وليس انعطافة أيديولوجية، بقدر ما هو استكمال طبيعي لمسارٍ رسمته موسكو منذ زمن، وبتفاهم مضمر مع واشنطن، أو على الأقل محاولة روسية لتقديم رؤية وقواعد للحل، تقبلها إدارة ترامب.
وصلت موسكو إلى قمة ما يمكن أن تصل إليه في سورية، وبعد ذلك سيكون الانحدار سواء من الفيتو الغربي الإقليمي الذي يمنعها من التمدّد أكثر، أو من خلال النظام وإيران اللذيْن لن ينصاعا عندها إلى المطالب الروسية.
هنا، يمكن تفسير الاندفاعة الروسية في اجتماع أستانة، عبر محاولة تحويل الاجتماع من منصة مخصصة لمناقشة وقف إطلاق النار إلى منصة عسكرية ـ سياسية معا، وتقديم مسودة الدستور دليل على تسرع روسي في إرساء قواعد الحل، ورغبة منها في هندسة واقع سياسي، كما هندست الواقع العسكري.
ليس الاجتماع محاولةً للانقلاب على المعارضة، فهذا يتجاوز القدرة الروسية، وليس الاجتماع محاولةً لإضعاف النظام، أنه يعكس واقع الأزمة السورية وواقعية الحلول، بعدما كانت اجتماعات جنيف السابقة طروحات ميتاواقعية لطرفي الأزمة، لا تتماهى مع واقع المجال التداولي السياسي وحقيقته على المسرح الدولي المعني بالأزمة.
اعترف اجتماع أستانة بفصائل المعارضة المسلحة، وشرعن وجودها، بما فيها الإسلامية المعتدلة، وهذا تحول مهم جدا، وأكد أن حل الأزمة سياسي. والأهم أن الاجتماع عقد وانتهى في ظل وقف إطلاق النار، على عكس اجتماعات جنيف السابقة، وسيكون منطلقاً لتمييز الفصائل الوطنية عن الإرهابية التي أثقلت الثورة السورية، وكانت حجة عليها أمام المجتمعين، السوري والدولي. لكن تغييرات مهمة تبدّت في الاجتماع:
ـ إدخال إيران طرفاً راعياً وضامناً لوقف النار، وإذ اعترض وفد المعارضة على ذلك، من حيث إن هذه خطوة ستكرس طرفاً ساهم في قتل الشعب السوري، فإن لروسيا قراءة مختلفة، فإيران داخل الاتفاق وضامن له أفضل من أن تكون خارجه، حيث ستكون قادرةً، بطرق غير مباشرة، على عرقلة وقف إطلاق النار. ولذلك ترى موسكو، ببراغماتية، أن إدخال إيران سيجعلها مسؤولةً عن أي خرق له.
ـ عدم الإشارة إلى المرحلة الانتقالية، وهو تراجع عن مخرجات قرار مجلس الأمن 2254 والحراك الأممي الذي أعقب صدوره. ولهذا جانبان: الأول يخدم النظام، من حيث إنه لا توجد مهلة محددة لاكتمال التحول السياسي، كما نص القرار، وجانب يمكن وصفه بالواقعي، من حيث إن الواقع السوري المعقد كشف زيف المهل الزمنية. كما أن الروس يريدون إزالة معنى المرحلة الانتقالية من الأذهان، لما تحمله من دلالة على التغيير في زمن محدد.
ـ عدم الإشارة إلى بيان جنيف1، وهو انزياح عن القرار 2254، لكنه ليس انزياحاً كبيراً، فالقرار الذي يشكل المرجعية السياسية الوحيدة للحل في سورية أشار إلى البيان في مقدمته، وفي الفقرة الأولى، لكنه، في الفقرة الرابعة المخصصة لعملية الانتقال السياسي، لم يتطرق إلى صيغة البيان (هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة)، واستبدلها بعمليةٍ سياسيةٍ تقيم حكماً ذا مصداقية، يشمل الجميع، ولا يقوم على الطائفية.
تحاول موسكو، في استبعادها ذكر بيان "جنيف1"، التفريق بين اعتباره أساساً للانتقال السياسي واعتباره أساساً لوضع آليات الانتقال السياسي، وبين الأمرين اختلافٌ كبير، فلا مانع لدى موسكو، وواشنطن أيضا، أن يكون هذا البيان أساساً للحل السياسي في مخرجاته العامة، لكنه لا يصلح، بعد هذه السنوات، أن يكون أساساً لمخرجات العملية السياسية وتفاصيلها.
باختصار، اجتماع أستانة منصة قديمة ـ جديدة، هدفها إطلاق جنيف جديد، مع تغييراتٍ لم تسمح معطيات العام الماضي بإدخالها، وستكون هذه المعطيات على حساب المعارضة والنظام معا. ومن هنا، ربما تكمن واقعية الاجتماع.