الساحر ترامب

25 يناير 2017
+ الخط -
كان العالم قلقاً من أميركا، فأصبح مع ترامب قلقاً عليها. يخرق هذا الشعبوي كل القواعد التي استقرت في النظام الأميركي، ويتصوّر أن إدارة امبراطورية كبرى لا تختلف عن إدارة شركة قابضة، وأن الهدف الأسمى هو السعي الدائم إلى الربح، وأن الوسيلة إلى ذلك الشطارة في التفاوض مع الآخر، وإخراج أكبر قدر من المال من جيبه، والباقي تفاصيل.
أميركا بلد كبير وقوة عظمى موثرة في كل العالم. لهذا تابع الرأي العام العالمي تنصيب تاجر العقارات، دونالد ترامب، رئيساً جديداً لها، الرئيس الذي خرق كل القواعد والتقاليد والأعراف، الخبرة السياسية، والاعتماد على الحزب، والتودّد للإعلام، مراقبة اللسان، وضمان استمرارية التوجهات الاستراتيجية للدولة.
جمع سمسار عقارات أكثر من خمسة مليارات دولار، لم يتقلد مهمة سياسية واحدة، ولا منصباً إدارياً، قبل دخوله البيت الأبيض. تنحصر معرفته بالعالم في البيع والشراء وإقامة حفل لاختبار أجمل نساء الكون، والمشاركة في برنامج تلفزيون الواقع. ولهذا سيرتكب أخطاء بلا حصر، قبل أن يتعلم.
قبل أن يكسر الحزب الديمقراطي، هشَّم حزب الجمهوريين الذي تقدّم باسمه للانتخابات. وعلى الرغم من معارضة أقطاب الحزب له ولرعونته، فاز من دون دعم من المؤسسة الحزبية التي رجعت إليه خاضعة، بعد انتصاره على هيلاري كلينتون. يعتبر الصحافة أسوأ ما خلق الله. وفي المقابل، يعتمد على التواصل المباشر مع الرأي العام عبر حسابه في "تويتر" الذي يضم 20 مليون متابع. يتحدّث في موضوعات حسّاسة كما يتحدّث رجل الشارع في الحانة مع أصدقائه. لهذا، سيجلب مشكلات كثيرة لإدارته.
الوافد جديد إلى البيت الأبيض، ليس فقط من خارج المؤسسة، بل هو جاء ضداً عليها، ويعد بتخريبها قبل نهاية ولايته. جاء ليزيل كل شيء وضعته نخبة واشنطن فوق طاولة البيت الأبيض، بما في ذلك التوجهات الاستراتيجية للأمن القومي. يرى أن روسيا ليست عدواً، وأن علاقات ودية ممكنة مع بوتين. يدعو إلى تمزيق الاتفاقية النووية مع إيران التي استغرق إنجازها سنوات طويلة. ويتجه إلى محاصرة الصين تجارياً، واستفزازها في المناطق الحساسة من اقتصادها ومن سيادتها الوطنية. يعد بطرد عشرة ملايين مهاجر وبناء جدار مع المكسيك، ومع التراجع عن التزامات أميركا في قمة المناخ.
لن تكون الطريق سهلة أمام تاجر العقارات الذي اعتاد على الصفقات المربحة. خرجت الملايين للتظاهر ضد برنامجه وتصريحاته وشعبويته وحماقاته، وهذه أول مرة يخرج الشارع الأميركي للتظاهر في يوم تنصيب الرئيس الجديد، حيث يسود إحساس أن ترامب لا يمثل كل الأميركيين. ولهذا يعتقد كثيرون أنه لن يكمل ولايته.
في جلسات استماع مجلس الشيوخ لفحص مرشحي ترامب لتولي المناصب الحكومية، خالف هؤلاء رئيسهم. قال جيمس ماتيس (وزارة الدفاع) إن بوتين يسعى إلى تقسيم حلف شمال الأطلسي، وإن روسيا اختارت أن تكون منافساً استراتيجيا لنا، وعدوا في بعض المجالات. وعلى الإدارة الأميركية الالتزام بالاتفاق النووي مع إيران، وإنْ "لم يكن مثالياً". واعتبر مايك بومبيو (المرشح لرئاسة وكالة الاستخبارات المركزية) أن روسيا لا تقوم بشيء للمساعدة على تدمير "داعش". ولم تخل جلسة الاستماع الخاصة بالمرشح لتولي الخارجية، ريكس تيليرسون، المفضل لدى موسكو، من مفاجآت، قال "لحلفائنا في حلف الأطلسي كامل الحق في الشعور بالخطر من إمكانية عودة روسيا بقوة إلى الساحة"، بل اعتبر "روسيا تشكل خطراً، فقد اجتاحت أوكرانيا وخرقت قوانين الحرب، وعلى الولايات المتحدة أن تزود الأوكرانيين بالسلاح للدفاع عن أراضيهم".
يرى محللون في ترامب تعبيراً عن مرض أميركا ومرض الرجل الأبيض الذي لم يستطع أن يتكيّف مع واقع العولمة، وضريبة السوق المفتوحة، فراح يبحث عن حل سهل لمشكلاتٍ معقدة، فسقط في يد ساحر يزعم أنه قادر على إخراج البلاد من أزمتها بضربة عصى، وأن في قبعته السوداء كل ما يطلبه المشاهدون.
قال ترامب في الحملة الانتخابية: "يمكنني أن أقف في وسط شارع فيفث أفينيو في مانهاتن، وأطلق النار على شخصٍ ما، ولن أفقد أصوات الناخبين". سنرى، هل تصدُق نبوءة السمسار أم أن الرصاص الذي يهدد به قد تصيب شظاياه شعره المصفّف بعناية.
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.