14 نوفمبر 2024
تحديات ومخاطر أمام القضية الفلسطينية
قد لا تكون هناك مبالغة في القول نّ القضية الفلسطينية تقف الآن على مفترق طرق صعبة، حيث تحاول أطراف مختلفة الدفع بها باتجاه إضعافها، وصولاً إلى تصفيتها، مستفيدةً من حجم التنازلات الهائلة التي قدمتها القيادة الفلسطينية منذ توقيعها على اتفاق أوسلو في سبتمبر/ أيلول 1993، ومن حالة التراجع والانقسام والحروب الأهلية والثورات المضادة في العالم العربي، ومن سعي بعض الأطراف العربية نحو سلام دافئ مع العدو الصهيوني وتطبيع للعلاقات معه، والتوافق مع العدو بأنّ للسلام العربي الإسرائيلي الأولوية على محاولات حل القضية الفلسطينية، بل هو الذي سيسمح بفتح نافذةٍ يمكن الإطلال منها لاحقاً، وبعد أن تغدو دولة الكيان عضواً فاعلاً في المنطقة العربية، على إيجاد حل ما لمشكلات الفلسطينيين القائمة، أخذًا بالاعتبار ما فرضه الاحتلال من أمرٍ واقعٍ بتوسيع الاستيطان في الأرض الفلسطينية المحتلة.
ثمّة تغيير كبير في المصطلحات والمفاهيم المتداولة، خبرنا بعضًا منها في السابق، مثل كيف تحولت فلسطين إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومدينة القدس إلى القدس الشريف، أي المسجد الأقصى، وحق العودة إلى إيجاد حل لمشكلة اللاجئين، والدولة الديمقراطية العلمانية التي تتعايش فيها كل الأديان بعد تصفية الكيان الصهيوني إلى سلطة فلسطينية في الضفة والقطاع. والآن ثمّة مفاهيم جديدة يجري السعي إلى إدراجها ضمن اللغة السياسية المتداولة، تمهيدًا لتحويلها إلى أمر واقع مقبول به. الأول القول إنّ السلام العربي الإسرائيلي هو ما يجب أن يسبق أي تقدم - ولو محدود - على صعيد السلام مع الفلسطينيين. والثاني أنّ الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة أمر مشروع، مثل بناء الفرنسيين بيوتًا في باريس، وإنّ على السلطة الفلسطينية أن تقبل وجود المستوطنين، مثلما تقبل إسرائيل بوجود نحو مليوني عربي فيها. أمّا الثالث فهو تغييب تعبير الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني إلى تعبير آخر هو المصلحة الفلسطينية، في بعض التصريحات العربية، وثمّة فارق واضح بين الحق الثابت والمصلحة، لا يخفى على أحد.
سبب هذا التخوّف هو ما شهدناه وسمعناه، في الأسابيع الأخيرة، من تصريحات صهيونية حول الاستيطان، وتحرّك عربي رباعي (الأردن ومصر والإمارات والسعودية) نحو تحقيق مصالحة فلسطينية تبدأ من داخل فتح، وتمتد لتشمل حماس، وتنتهي بتحقيق حلّ يضمن المصلحة الفلسطينية، بعد أن تكون إسرائيل قد قبلت بالصلح مع العرب وتحقيق سلام دافئ معهم، على حد تعبير الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
قطعًا لا اعتراض من حيث المبدأ على أي تدخل عربي حميد يستهدف رأب صدع، أو تحقيق
مصالحة، أو إنجاز تقدم نحو الوحدة والتحرير، لكنّ تسلسل الأحداث يشي بما يخالف ذلك كله. فالمصالحة المرجوة عربيًا في داخل "فتح" تستهدف ترتيب الأوضاع لما بعد الرئيس محمود عباس، ضمن حسابات محور عربي محدد، ورؤيته للمنطقة وتحالفاتها، وسبل السلام فيها، ودور إسرائيل في أحداثها المرتقبة، على اعتبار أنّ ثمّة تغييراً أساسياً في الاستراتيجية العربية باتجاه عدم اعتبار التناقض مع العدو الصهيوني الخطر الرئيس الذي يواجه أمتنا، واستبداله بتناقضاتٍ وأخطار أخرى، قد يكون التوسع الإيراني في المنطقة أحدها.
لهذا، لم تهدف المصالحة الفتحاوية المرجوة عربيًا إلى السعي إلى إطلاق مروان البرغوثي الأسير في سجون الاحتلال، أو العمل على إعادة الاعتبار لآلاف الكوادر الذين هُمشوا أو أُحيلوا على التقاعد، وإنمّا هدفت إلى التوصل لإعادة محمد دحلان إلى صفوف الحركة، وهو المفصول منها، وحدّدت نهاية العام موعدًا لعودته إلى رام الله، متوعدة الطرف الذي يُخل بالتزاماته في هذه المصالحة بدعم خصمه وقطع المعونات عنه، تمامًا كما توعدت طرفي الانقسام الفلسطيني (بعد ترتيب البيت الفتحاوي) وفقًا لهذه الإرادة بالوقوف ضد من تعتبره معرقِلًا للمصالحة، أي وبلغة أخرى، سيتم شرعنة حصار النظام المصري على قطاع غزة، إذا لم تُذعن حركة حماس لشروط المصالحة المرتقبة، أو تستسلم أمام خطة السلام العربية الإسرائيلية.
تتعدّى مخاطر ما سبق أنّ التدخل العربي الرسمي في هذا الاتجاه بلغ حدًا غير مسبوق، على الرغم من وجود حالاتٍ دائمةٍ ومستمرةٍ لمثل هذا التدخل على مدى القضية الفلسطينية، تختلف فحواه ونتائجه وتأثيراته السلبية أو الإيجابية، باختلاف ظروفه وأطرافه، ذلك أنه يأتي ضمن حالةٍ من التفاهم على الحد الأدنى من مبادئ الحل مع العدو، وقد يحظى بمباركة قوى دولية متعددة. لكنّ النتيجة الأولى المتوقعة منه جاءت على عكس ما يتمنى واضعو هذا السيناريو، فالاتفاق، وكما اتضح بين طرفي الصراع، عباس ودحلان، بات غير متوقع، والرئيس محمود عباس يسعى جهده إلى إعاقته وتأجيله وصولًا إلى إلغائه، ولا ينبغي توقع عكس ذلك، على الرغم من الضغوط الهائلة عليه، والتي قد تنتهي، إذا نجحت، باعتزاله الحياة السياسية رغمًا عنه، في تكرار ممجوج لما تم سابقاً مع الرئيس ياسر عرفات.
ولكن الخطر الأكبر سيكون في تغليب هذا الصراع على أي قضايا أخرى، وثمّة خوف كبير من أن يسعى طرفاه (دحلان وعباس)، عبر تقديم أوراق اعتمادهما إلى الأطراف المؤثرة، وفي طليعتها العدو الصهيوني، إلى تقديم تنازلاتٍ غير مسبوقة، أو الصمت عن إجراءاتٍ قائمة أو قادمة، من أجل تعزيز أهليتة كل منهما طرفاً مقبولاً، والتنافس مع الطرف الآخر، من أجل نيل هذه الثقة البديلة عن ثقة الشعب والجماهير، بقيادةٍ قادرة على الوقوف أمام الأطماع الصهيونية، وإنجاز المشروع الوطني الفلسطيني.
حسبنا هنا أن نستعير ما قاله أنطونيو جرامشي، إنّ الأزمة "تكمن في أنّ القديم يحتضر، والجديد لم يولد بعد، وفي هذه الفترة من الخواء، تنشأ مجموعة ضخمة من الأعراض المرضية". ونضيف على هذا الاقتباس إنّ ما نشهده على الساحتين الفلسطينية والعربية ليس إلا جزءًا من هذه الأعراض المرضية، بانتظار أن يولد الجديد القادم حتمًا.
ثمّة تغيير كبير في المصطلحات والمفاهيم المتداولة، خبرنا بعضًا منها في السابق، مثل كيف تحولت فلسطين إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومدينة القدس إلى القدس الشريف، أي المسجد الأقصى، وحق العودة إلى إيجاد حل لمشكلة اللاجئين، والدولة الديمقراطية العلمانية التي تتعايش فيها كل الأديان بعد تصفية الكيان الصهيوني إلى سلطة فلسطينية في الضفة والقطاع. والآن ثمّة مفاهيم جديدة يجري السعي إلى إدراجها ضمن اللغة السياسية المتداولة، تمهيدًا لتحويلها إلى أمر واقع مقبول به. الأول القول إنّ السلام العربي الإسرائيلي هو ما يجب أن يسبق أي تقدم - ولو محدود - على صعيد السلام مع الفلسطينيين. والثاني أنّ الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة أمر مشروع، مثل بناء الفرنسيين بيوتًا في باريس، وإنّ على السلطة الفلسطينية أن تقبل وجود المستوطنين، مثلما تقبل إسرائيل بوجود نحو مليوني عربي فيها. أمّا الثالث فهو تغييب تعبير الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني إلى تعبير آخر هو المصلحة الفلسطينية، في بعض التصريحات العربية، وثمّة فارق واضح بين الحق الثابت والمصلحة، لا يخفى على أحد.
سبب هذا التخوّف هو ما شهدناه وسمعناه، في الأسابيع الأخيرة، من تصريحات صهيونية حول الاستيطان، وتحرّك عربي رباعي (الأردن ومصر والإمارات والسعودية) نحو تحقيق مصالحة فلسطينية تبدأ من داخل فتح، وتمتد لتشمل حماس، وتنتهي بتحقيق حلّ يضمن المصلحة الفلسطينية، بعد أن تكون إسرائيل قد قبلت بالصلح مع العرب وتحقيق سلام دافئ معهم، على حد تعبير الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
قطعًا لا اعتراض من حيث المبدأ على أي تدخل عربي حميد يستهدف رأب صدع، أو تحقيق
لهذا، لم تهدف المصالحة الفتحاوية المرجوة عربيًا إلى السعي إلى إطلاق مروان البرغوثي الأسير في سجون الاحتلال، أو العمل على إعادة الاعتبار لآلاف الكوادر الذين هُمشوا أو أُحيلوا على التقاعد، وإنمّا هدفت إلى التوصل لإعادة محمد دحلان إلى صفوف الحركة، وهو المفصول منها، وحدّدت نهاية العام موعدًا لعودته إلى رام الله، متوعدة الطرف الذي يُخل بالتزاماته في هذه المصالحة بدعم خصمه وقطع المعونات عنه، تمامًا كما توعدت طرفي الانقسام الفلسطيني (بعد ترتيب البيت الفتحاوي) وفقًا لهذه الإرادة بالوقوف ضد من تعتبره معرقِلًا للمصالحة، أي وبلغة أخرى، سيتم شرعنة حصار النظام المصري على قطاع غزة، إذا لم تُذعن حركة حماس لشروط المصالحة المرتقبة، أو تستسلم أمام خطة السلام العربية الإسرائيلية.
تتعدّى مخاطر ما سبق أنّ التدخل العربي الرسمي في هذا الاتجاه بلغ حدًا غير مسبوق، على الرغم من وجود حالاتٍ دائمةٍ ومستمرةٍ لمثل هذا التدخل على مدى القضية الفلسطينية، تختلف فحواه ونتائجه وتأثيراته السلبية أو الإيجابية، باختلاف ظروفه وأطرافه، ذلك أنه يأتي ضمن حالةٍ من التفاهم على الحد الأدنى من مبادئ الحل مع العدو، وقد يحظى بمباركة قوى دولية متعددة. لكنّ النتيجة الأولى المتوقعة منه جاءت على عكس ما يتمنى واضعو هذا السيناريو، فالاتفاق، وكما اتضح بين طرفي الصراع، عباس ودحلان، بات غير متوقع، والرئيس محمود عباس يسعى جهده إلى إعاقته وتأجيله وصولًا إلى إلغائه، ولا ينبغي توقع عكس ذلك، على الرغم من الضغوط الهائلة عليه، والتي قد تنتهي، إذا نجحت، باعتزاله الحياة السياسية رغمًا عنه، في تكرار ممجوج لما تم سابقاً مع الرئيس ياسر عرفات.
ولكن الخطر الأكبر سيكون في تغليب هذا الصراع على أي قضايا أخرى، وثمّة خوف كبير من أن يسعى طرفاه (دحلان وعباس)، عبر تقديم أوراق اعتمادهما إلى الأطراف المؤثرة، وفي طليعتها العدو الصهيوني، إلى تقديم تنازلاتٍ غير مسبوقة، أو الصمت عن إجراءاتٍ قائمة أو قادمة، من أجل تعزيز أهليتة كل منهما طرفاً مقبولاً، والتنافس مع الطرف الآخر، من أجل نيل هذه الثقة البديلة عن ثقة الشعب والجماهير، بقيادةٍ قادرة على الوقوف أمام الأطماع الصهيونية، وإنجاز المشروع الوطني الفلسطيني.
حسبنا هنا أن نستعير ما قاله أنطونيو جرامشي، إنّ الأزمة "تكمن في أنّ القديم يحتضر، والجديد لم يولد بعد، وفي هذه الفترة من الخواء، تنشأ مجموعة ضخمة من الأعراض المرضية". ونضيف على هذا الاقتباس إنّ ما نشهده على الساحتين الفلسطينية والعربية ليس إلا جزءًا من هذه الأعراض المرضية، بانتظار أن يولد الجديد القادم حتمًا.