15 نوفمبر 2024
انتحار بريطاني
شكلت نتيجة الاستفتاء البريطاني، بالخروج من عضوية الاتحاد الأوروبي، مفاجأة بكل المقاييس. ليس فقط أنها جاءت مخالفةً تماماً لاستطلاعات الرأي العام، والتي كانت تعطي معسكر البقاء تقدماً مريحاً، لكن بتوجهات التصويت التي كشفت عن توجهاتٍ عنصريةٍ اجتماعيةٍ بريطانية غير ظاهرة عملياً على السطح، على الأقل في المدن الكبرى، ولا سيما أن أساس التصويت جاء ضد المهاجرين أو الأجانب، وتحديداً أولئك القادمين من دول أوروبا الشرقية سابقاً المنضمّة حديثاً إلى الاتحاد الأوروبي.
يجادل مؤيدو الخروج بأن نسبة العمالة من أوروبا الشرقية باتت غير محتملة، إضافة إلى أن كثيرين منهم يأتون إلى بريطانيا، ويعيشون على نفقة الدولة وفق قوانين الاتحاد الأوروبي، على الرغم من أن الأمور فعلياً ليست على هذه الدرجة من السوء، لا سيما وأن الوافدين من دول أوروبا الشرقية يساهمون عملياً في بناء الاقتصاد البريطاني الذي لم يؤخذ في كثير من حسابات المصوتين على الخروج، وهو ما اتضح بعد لحظات من إعلان النتائج، وانعكس انهياراً في سعر صرف الجنية الإسترليني.
المفارقة الأساس في هذا التوجه للتصويت ليست في البريطانيين الأصليين الممتعضين من الوجود الأجنبي في بلادهم، بل في الجيلين الثاني والثالث من المهاجرين، سواء العرب أو الآسيويين، والذين نالوا الجنسية البريطانية. اندمج جزء كبير من هؤلاء في حالة معاداة الأجانب في البلاد وصوّت للخروج، متناسياً أنه نفسه جزء من حلقة العداء هذه بالنسبة إلى بريطانيين آخرين.
"نريد استعادة بلدنا" هو الشعار الأساس الذي رفع في الحملات المناهضة للبقاء في الاتحاد الأوروبي. شعار من الواضح أنه لن يؤدي إلى مبتغاه، بل سيقود إلى نقيضه، ولا سيما أنه بات واضحاً أن فوز الخروج سيشكل حجر دومينو يهدّد بنهاية بريطانيا بشكلها الحالي، وليس فقط نهاية للاتحاد الأوروبي، وهو موضوع آخر.
حجر دومينو بدأ يسير بريطانياً على مستويين، اجتماعي وسياسي، فحالة الانقسام الحاد التي أحدثتها حملات التجييش للتصويت لن تنتهي عند إغلاق صناديق الاقتراع، ولا سيما أن النتائج مصيرية بالنسبة إلى شريحة واسعة من البريطانيين (نحو 48 في المئة) باتوا يرون أنهم لم يعودوا جزءاً من البلاد التي يريدون. وبما أن الاستفتاء هو بالأساس بريطاني، وليس إنجليزياً، فإن محفزات بقاء مناطق وأقاليم ضمن "بريطانيا العظمى" لم تعد موجودة. هذا ما يتجلى في إعلان رئيسة وزراء اسكتلندا، نيكولا ستورجن، عن نية البلاد البقاء في الاتحاد الأوروبي والدعوة إلى استفتاء جديد للانفصال عن بريطانيا. استفتاء تبدو نتائجه مضمونة سلفاً بما أن غالبية الاسكتلنديين صوّتوا للبقاء في الاتحاد الأوروبي، وهم أساساً صوّتوا سابقاً للبقاء ضمن بريطانيا بناء على إغراءات الوجود في الاتحاد الأوروبي، وهذا الإغراء يختفي اليوم. الأمر نفسه ربما سينسحب على إيرلندا الشمالية وويلز.
ستكون لهذه التداعيات السياسية والجغرافية للتصويت انعكاسات اجتماعية، مع الصعود الواضح لليمين المتطرف، ممثلاً بشكل أساس في الرئيس السابق لبلدية لندن، بوريس جونسون، ورئيس حزب الاستقلال، نايجل فراج. صعودٌ قد يحمل تجييشاً إضافياً لشعار "نريد استعادة بلدنا"، غير أنه ربما يكون موجهاً، هذه المرة، للبريطانيين غير الأصليين، أو الأجيال المتعاقبة من المهاجرين الذين اندمجوا في المجتمع البريطاني بمستوياته كافة، حتى العنصرية منها.
قد يكون البريطانيون ناموا أعضاء في الاتحاد الأوروبي واستيقظوا خارجين منه. لكن الأمر لن يبقى بهذه البساطة، فغداً أو بعد غد ربما يستيقظون على شكل بلدٍ آخر تماماً لم يفكروا يوماً أنهم سيصلون إليه.
المفارقة الأساس في هذا التوجه للتصويت ليست في البريطانيين الأصليين الممتعضين من الوجود الأجنبي في بلادهم، بل في الجيلين الثاني والثالث من المهاجرين، سواء العرب أو الآسيويين، والذين نالوا الجنسية البريطانية. اندمج جزء كبير من هؤلاء في حالة معاداة الأجانب في البلاد وصوّت للخروج، متناسياً أنه نفسه جزء من حلقة العداء هذه بالنسبة إلى بريطانيين آخرين.
"نريد استعادة بلدنا" هو الشعار الأساس الذي رفع في الحملات المناهضة للبقاء في الاتحاد الأوروبي. شعار من الواضح أنه لن يؤدي إلى مبتغاه، بل سيقود إلى نقيضه، ولا سيما أنه بات واضحاً أن فوز الخروج سيشكل حجر دومينو يهدّد بنهاية بريطانيا بشكلها الحالي، وليس فقط نهاية للاتحاد الأوروبي، وهو موضوع آخر.
حجر دومينو بدأ يسير بريطانياً على مستويين، اجتماعي وسياسي، فحالة الانقسام الحاد التي أحدثتها حملات التجييش للتصويت لن تنتهي عند إغلاق صناديق الاقتراع، ولا سيما أن النتائج مصيرية بالنسبة إلى شريحة واسعة من البريطانيين (نحو 48 في المئة) باتوا يرون أنهم لم يعودوا جزءاً من البلاد التي يريدون. وبما أن الاستفتاء هو بالأساس بريطاني، وليس إنجليزياً، فإن محفزات بقاء مناطق وأقاليم ضمن "بريطانيا العظمى" لم تعد موجودة. هذا ما يتجلى في إعلان رئيسة وزراء اسكتلندا، نيكولا ستورجن، عن نية البلاد البقاء في الاتحاد الأوروبي والدعوة إلى استفتاء جديد للانفصال عن بريطانيا. استفتاء تبدو نتائجه مضمونة سلفاً بما أن غالبية الاسكتلنديين صوّتوا للبقاء في الاتحاد الأوروبي، وهم أساساً صوّتوا سابقاً للبقاء ضمن بريطانيا بناء على إغراءات الوجود في الاتحاد الأوروبي، وهذا الإغراء يختفي اليوم. الأمر نفسه ربما سينسحب على إيرلندا الشمالية وويلز.
ستكون لهذه التداعيات السياسية والجغرافية للتصويت انعكاسات اجتماعية، مع الصعود الواضح لليمين المتطرف، ممثلاً بشكل أساس في الرئيس السابق لبلدية لندن، بوريس جونسون، ورئيس حزب الاستقلال، نايجل فراج. صعودٌ قد يحمل تجييشاً إضافياً لشعار "نريد استعادة بلدنا"، غير أنه ربما يكون موجهاً، هذه المرة، للبريطانيين غير الأصليين، أو الأجيال المتعاقبة من المهاجرين الذين اندمجوا في المجتمع البريطاني بمستوياته كافة، حتى العنصرية منها.
قد يكون البريطانيون ناموا أعضاء في الاتحاد الأوروبي واستيقظوا خارجين منه. لكن الأمر لن يبقى بهذه البساطة، فغداً أو بعد غد ربما يستيقظون على شكل بلدٍ آخر تماماً لم يفكروا يوماً أنهم سيصلون إليه.