ملاحظات على حديث "المبادرات" في مصر

28 ابريل 2016
+ الخط -
لعل ما شهدته مصر، أخيراً، في خروج مظاهرات من مختلف ألوان الطيف السياسي المعارض للسيسي في جمعة الأرض، منتصف أبريل/ نيسان الجاري، ثم في ذكرى يوم استعادة سيناء، أعاد طرح هذا السؤال من جديد: هل هناك بارقة أمل في الخروج من هذا النفق المظلم عبر مبادرة سياسية جديدة، لاسيما أن بعض المتفائلين يرى أن المظاهرات الأخيرة قد تكون بداية موجة مد ثوري جديد، يشكل امتداداً لثورة يناير، ما يعني استحالة التعايش السياسي بين الثورة من ناحية والثورة المضادة والعسكر من ناحية ثانية، وفق المعادلة الصفرية. ومن ثم، على النظام البحث عن مخرج سياسي، قبل فوات الأوان والقبول بالحل السياسي الذي رفضه طوال الفترة الماضية؟
لكن، قبل الحديث عن فكرة المبادرة الجديدة "حال وجود قناعة بها من الجهة الراعية لها"، وموقف أطراف الأزمة منها، لا بد، أولاً، من تقييم للمبادرات السابقة التي ظهرت بعد الانقلاب، وبرز بعضها قبل فض اعتصامي ميداني رابعة والنهضة في 14 أغسطس/آب 2013، مثل مبادرتي رئيس الوزراء السابق، هشام قنديل، أو مبادرة محمد سليم العوا، أو مبادرة شيخ الأزهر، التي كان يفترض أن يجرى الحوار بشأنها يوم الفض، وبعضها الآخر جاء بعد الفض، مثل مبادرات كمال أبو المجد وزياد بهاء الدين، نائب رئيس حكومة الببلاوي الأسبق، وحسن نافعة، ثم مبادرة النائب محمد العمدة، وأخيرا وليس آخراً مبادرة حمدين صباحي. ويلاحظ عليها جميعها، بصفة عامة، خمس ملاحظات أساسية:
أولها: أنها مبادرات فردية يقوم بها أشخاص، صحيح أنهم شخصيات عامة، وشارك بعضهم في عملية صنع واتخاذ القرار في البلاد، إلا أنه يبقى القول إن كون المبادرة فردية، يساهم في إضعافها، لأن طرفها يفتقد إلى عنصري القدرة، والترغيب والترهيب، على طرفي الصراع، وهما من الشروط الأساسية للوسيط.
ثانيها: أن معظم الشخصيات التي قدمت هذه المبادرات مصنفة أيدولوجياً لصالح طرف على حساب طرف آخر، حتى وإن كان هذا التقسيم غير دقيق في تفاصيله، لكن هذه الشخصيات كان لها موقف واضح من انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، رفضاً أو تأييداً. وبالتالي، يفتقد الوسيط هنا صفة الحيادية، لاسيما لدى الطرف الآخر المختلف معه أيدولوجياً.
ثالثها: يقر مضمون معظم هذه المبادرات بسياسة الأمر الواقع بعد انقلاب 3 يوليو. ومن ثم عدم الاعتراف بشرعية الرئيس محمد مرسي. وبالتالي، لا تتحدّث هذه المبادرات عن هذه الجزئية، وإنما تتعداها لبحث نقطتين أخريين، تتعلق الأولى بحقوق الشهداء والمصابين من ناحية، وتتعلق الثانية بإطلاق سراح المعتقلين غير المتورطين فيما اصطلحت سلطات الانقلاب على تسميتها "أحداث عنف" من ناحية ثانية. ويمكن أن تضاف إليها نقطة ثالثة، خاصة بعودة الإسلاميين لمزاولة العمل السياسي، وعودة جماعة الإخوان المسلمين جماعة دعوية "وربما يتضح ذلك من مبادرات زياد بهاء الدين، أبو المجد، حسن نافعة".
أما باقي المبادرات الأخرى الصادرة من شخصيات يفترض أنها محسوبة على الطرف المؤيد للشرعية، فنجد أن بعضها، مثل مبادرة العوا، ترى أن عودة الرئيس تكون رمزية فقط، ويخول صلاحياته لحكومة وطنية مستقلة، تشرف على الانتخابات البرلمانية، وتليها الرئاسية. في حين ذهبت مبادرة هشام قنديل إلى أبعد من ذلك، فيما يتعلق بعودة محمد مرسي بصلاحيات كاملة، وربما يرجع ذلك إلى أن قنديل رئيس وزراء مرسي.
أما مبادرة النائب محمد العمدة، فلم تنص على عودة مرسي باعتبار سياسة الأمر الواقع، وليس
معنى هذا الاعتراف بالانقلاب أو بعبد الفتاح السيسي. ولكن، في المقابل عمل العمدة على تضمين بنود مهمة، ربما تعوّض، بعض الشيء، غياب الدكتور مرسي، من أهمها عودة كل الأحزاب الإسلامية إلى الحياة السياسية، وفي مقدمتها حزب الحرية والعدالة "الجناح السياسي للإخوان" الذي صدر قرار بحله، بل وعودة الجماعة نفسها الموصوفة "قضائياً" بالجماعة الإرهابية ".. بل وجلوس الجميع معا" عسكر وإخوان بالأساس "وباقي القوى الأخرى من أجل رسم معالم طريق تلك المرحلة الانتقالية. كذلك أكد على حق الشهداء منذ "رابعة"، من خلال تشكيل لجنة مستقلة، يتفق عليها الجميع للتحقيق في كل هذه الانتهاكات.
وبالنسبة لما يمكن اعتبارها مجازاً "مبادرة صباحي"، فلربما اكتنفها غموض كثير، أكثر من تقديمها للحلول، فهي بداية لم تتحدث صراحة عن ضرورة عودة العسكر إلى الثكنات والخروج من العملية السياسية برمتها. وفي المقابل، أقصت التيار الإسلامي بشتى فروعه، على الرغم من أن صباحي نفسه كان متعاوناً معها، بعد ثورة يناير، من خلال حزب الكرامة. ناهيك عن أن صباحي نفسه، بمواقفه بداية من الانقلاب، مروراً بالمشاركة العبثية في انتخابات الرئاسة الأخيرة، فقد كثيراً من المصداقية لدى أقرب مؤيديه.
رابعها: البعد الدولي في المبادرات لم يكن حاضراً بقوة. وربما كان الطرح الرئيسي، في هذا الشأن، الوساطة الدولية التي شارك فيها مساعد وزير الخارجية الأميركي في حينها، وليام بيرنز، ومندوب الاتحاد الأوروبي، برناردينو ليون، ووزير الخارجية القطري السابق، خالد العطية، ونظيره الإماراتي عبدالله بن زايد، قبل فض اعتصام رابعة "أغسطس/آب 2013"، حيث تركزت في إقناع "الإخوان المسلمين"، تحديداً، بقبول ما حدث في 3 يوليو، وطي صفحة مرسي، مع تقديم حوافز لهم ممثلة في إطلاق سراح بعض القيادات، مع الحفاظ على الوضع القانوني والسياسي للجماعة والحزب، وإعادة فتح القنوات الفضائية المغلقة، والسماح لمرشحي الجماعة بخوض أية انتخابات من دون تضييق. لكن مؤسسة الرئاسة أعلنت، في 7 أغسطس/آب 2013، فشل جهود الوساطة الدولية لحل الأزمة، وحمّلت "الإخوان" المسؤولية عن ذلك.
وربما تردد، منذ فترة، وقبل رحيل الملك عبد الله بن عبد العزيز، أوائل العام الماضي، وجود محاولات جس نبض من خلال بعض القوى الإقليمية، خصوصاً السعودية، عبر بعض الشخصيات المصرية الإسلامية غير الإخوانية، لإقناع التحالف الوطني لدعم الشرعية بالتخلي عن عودة مرسي مقابل إطلاق سراح قيادات الجماعة غير المتورطين في أعمال العنف. ومعنى هذا أن هناك رفضا، وعدم ترحيب إقليمي ودولي بعودة الدكتور مرسي، بل ربما قد يكون هناك عدم قبول إقليمي بعودة "الإخوان" إلى الساحة السياسية مرة أخرى، حتى من خلال مقاعد المعارضة.
خامسها: لكي تنجح أية مبادرة، لا بد من توفر مجموعة من الشروط، يتعلق بعضها بالأطراف الأساسية للأزمة ومدى وجود قناعة "راسخة"، وإرادة سياسية حقيقية لديها بفكرة المصالحة، باعتبار أن الوضع الاقتصادي المتدهور حالياً لن يتحسّن في ظل هذا الانقسام السياسي والمجتمعي الراهن، فضلا عن مدى قناعة هذه الأطراف بضرورة التخلي عن بعض مطالبها "المعارضة"، أو مكاسبها "سلطات الانقلاب" في ظل ضعف الأولى وإخفاقات الثانية، أما في حالة تمسك كل طرف بموقفه، وفق مبدأ المعادلة الصفرية، فإن الكل سيخسر لا محالة.
B8DDCC55-8075-41F9-A617-4F3EA9A3A8C9
بدر شافعي

كاتب وباحث مصري، يحمل الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، له كتابان عن تسوية الصراعات في إفريقيا، وعن دور شركات الأمن في الصراعات.