من سيحكم مع الملك في أكتوبر؟

23 مارس 2016

من الانتخابات الجهوية في المغرب (4سبتمبر/2015/Getty)

+ الخط -
تفصلنا ستة أشهر على موعد سياسي مغربي حاسم. ومن الآن، بدأت الرهانات والرهانات المضادّة لثلاثة لاعبين أساسيين: حزب العدالة والتنمية الذي صعد إلى الحكومة على ظهر الربيع العربي. حزب الأصالة والمعاصرة الذي يقدّم نفسه بديلاً سلطوياً ناعماً عن الإسلاميين. اللاعب الثالث يراقب اللعبة عن كثب، وهو المخزن، أي "الدولة العميقة".
يعوّل زعيم الإسلاميين المغاربة، عبد الإله بنكيران، على ذراعه الحزبي المنظم، وجهازه التواصلي الفعال، وشعبيته الكبيرة، ويعتقد أن المرتبة الأولى في انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول المقبل في جيبه، إذا لم تحدث مفاجآت غير سارة في الطريق، ودليله الانتخابات البلدية التي حصل فيها على أكبر عدد من الأصوات، ولا يرى أن الرأي العام سيغير سلوكه الانتخابي بين سبتمبر/ أيلول 2015 وأكتوبر/ تشرين الأول 2016، بل يراهن على زيادة حجم الأصوات التي ستوضع في صندوقه، لأن "العدالة والتنمية" يدير الآن أغلب المدن المهمة في المغرب. كما يرى بنكيران أنه يخوض حرباً سياسيةً ضد التحكّم وضد حزب الدولة (الأصالة والمعاصرة)، وأن هذه المعركة تعطيه ذخيرةً سياسيةً لا تُقارن بما لدى الآخرين، علاوة عن أنه نجح نسبياً في تقسيم الساحة السياسية إلى "مصلحين ومفسدين"، عوض السقوط في تقسيمات أيديولوجية كان خصومه يريدون جرّه إليها بين علماني وإسلامي، بين حداثي وأصولي.
يخوض "الأصالة والمعاصرة"، وسيخوض، حرب الحياة أو الموت، للوصول إلى المرتبة الأولى في اقتراع أكتوبر، وانتزاع حق تشكيل الحكومة المقبلة. استراتيجية حزب الدولة هذا قائمة على إضعاف "العدالة والتنمية"، ووقف زحفه، وتأليب الإعلام والقوى الدولية والحركات النسائية ضده. ولأنه لم تعد لدى حزب السلطة هذا القدرة على اكتساب مزيد من القوة السياسية، أو التنظيمية، بعدما استولى على جل البوادي والأرياف، سيركز على إضعاف خصمه، وإبعاد الناس عن المشاركة الواسعة، عبر عدة تقنيات: مراجعة نمط الاقتراع، نسج تحالفات سياسية جديدة مع حزب الاتحاد الاشتراكي في نسخته (الجديدة). وثالث ورقة سيستعملها "الأصالة والمعاصرة" في حربه المقبلة تحريك الجبهة الاجتماعية، بالاستعانة بخدمات النقابات الغاضبة من الحكومة، لإيجاد أجواء توتر، تعيد النظر في استقرار الفئات الناخبة، وتوجهات التصويت لديها، ودفعها إلى عدم المشاركة في الانتخابات المقبلة.
الفاعل الثالث في المعركة المقبلة، الدولة العميقة التي لها حسابات معقدة، تنحصر بين التخلص من بنكيران وإقفال قوس الربيع العربي نهائياً هدفاً أسمى، وإضعاف حزب العدالة والتنمية، والاحتفاظ به في الحكومة المقبلة بدون أظافر ولا أسنان. تلجأ الدولة العميقة في المملكة المغربية عادةً إلى تقنية الحفاظ على توازنات "اللعبة الانتخابية المغربية" التي لا تسمح بميلاد أغلبية واضحة تحكم وأقلية محدّدة تعارض. هذا الفاعل (الدولة العميقة/المخزن) غير مرئي، لكنه محسوس، له أدواتٌ، هو الآخر، لرسم الصورة التي يريد أن يراها صباح يوم إعلان النتائج. لكن، في الوقت نفسه، لهذا الفاعل المركزي في اللعبة السياسية إكراهاتٌ معقدة، تمنعه من الاشتغال بالمخططات القديمة، فالدولة العميقة تريد انتخاباتٍ على المقاس، لكن بوسائل ناعمة، ومن دون العودة إلى التزوير أو التحكم المفضوح، فلذلك كلفة كبيرة، لا أحد يستطيع أن يقدّرها بدقة. فبعد الذي جرى في مصر وتونس وليبيا وسورية، لم يعد أحد يتوقع طبيعة رد فعل الشارع، ولا أحد يريد أن يغامر بالاستقرار في المغرب، ولا أحد يتحمل مسؤولية اتخاذ قرارٍ خطيرٍ للمسّ بسلامة العملية الانتخابية، ووضع نفسه في مواجهة الشارع.
هكذا، يبدو المشهد السياسي المغربي من فوق.. فيه وجه إيجابي، هو أن الجميع يراعي رأي الناس وإرادة الشارع وسلوك الناخبين، ولم تعد الأطراف جميعها "تحسب لوحدها". الوجه السلبي أن بنكيران وحكومته لم يستثمرا جيداً دستور 2011، ولم يضعا المغرب على سكّة التحول الديمقراطي، بحيث يمشي قطار الانتخابات بيسرٍ وسلاسة. مازالت السلطوية قادرةً على المبادرة وتغيير الخريطة، فهل تنجح في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء؟ سنرى.
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.