اقتل ثورة واغسل يديك بداعش
كان اسمها الثورة السورية، الآن صارت الحرب السورية.
نزلوا كلهم عند مشيئة بوتين، باتت المسألة تتعلق بإعاشة النازحين واللاجئين، التي هي في الحقيقة إعاشة بشار الأسد وإنعاش نظامه، وإفاقة استبداده.
تدفع الثورة السورية من لحمها الحي ثمن ما يجري في اليمن، وفي مصر، وفي ليبيا. يسقط الحوثي وصالح، ليعيش بشار والسيسي، ينخفض سعر برميل النفط، لترتفع فرص بشار الأسد في البقاء. يعصرون عنب اليمن، كي يثمر بلح الشام، ويتساقط رطباً جنياً في حجر بوتين، ليتغذى بشار، ويسمن إجرامه.
كلهم يتناوبون افتراس الثورة السورية، في فراش داعشي وثير، ليصبح جل أصدقاء سورية، أصدقاء روسيا البوتينية، في اللحظة نفسها، والوضع نفسه، ولا يبقى سوى أن تتحول المأساة السورية إلى صندوق تبرعات أمام مساجد، تدعو منابرها على بشار، وبوتين، وفي الوقت نفسه، تدعو بطول البقاء لمن ينزلون عند الرؤية البوتينية للمستقبل.
قلنا من زمن بعيد جداً إنها الثورة اليتيمة، يلعب بها وعليها كثيرون، وإن ظهروا وكأنهم يلعبون لها. منذ البداية كانت الأرض السورية ميداناً لجولة الإعادة من المباراة التي انهزمت فيها روسيا، على الملعب الليبي.. حين خرج القيصر خالي الوفاض، فقرّر التعويض، بالانتقام، في سورية، وفي اليمن ومصر، مشعلاً النيران في الحدائق الخلفية لمن أهانوه وجرحوه في ليبيا.
أدعوك مجدداً لكي تقارن بين خارطة المنطقة قبل أربع سنوات، مع بزوغ فجر الربيع العربي، والكابوس الإقليمي الذي يحاصر الجميع الآن، ستدرك أن العالم كان أكثر إنسانية وسلامة نفسية حين كان هناك احترام لحق الشعوب في الحلم بالتغيير.. أما وقد تكأكأت الضباع والسباع على مروج الربيع، فقد نشب الحريق.. جاء السيسي فانتعش "داعش"، فاستأسد الحوثي فاستقر الأسد، وهكذا قضت متوالية الانقلاب على أجمل ما أنجزه العرب في العام 2011، فصار العالم أقل تحضراً وأوهن أمناً.
قليلون جداً من اللاعبين باسم الربيع السوري، يحبون الربيع بإطلاق، فيما جلهم كاره للربيع، وإن استخدمه ورقةً في اللعبة الإقليمية أحياناً.. وهكذا تتحول الثورات إلى مجرد ورقة في لعبة البوكر السياسي في المنطقة، بعناصرها الطائفية، والمذهبية، لتتحقق بوضوح نظرية الأواني المستطرقة. خذ في الشام، واترك في اليمن، والعكس أيضاً صحيح، فيما ينشط اللاعبون في تقديم كميات إضافية من مظاهر التعاطف مع الضحايا، مساحات لجوء، وحسابات تبرع، ليهنأ السفاحون بالاستمرار.
وطبيعي، والوضع على هذا النحو، أن تنسحب مفردة "الثورة" من قاموس الموضوع السوري، لتحل مفردات الحرب والتفاوض والتفاهم، الصفقة، في كلمة واحدة.
قالها أحدهم مبكراً: ليس الحل استقبال ملايين اللاجئين السوريين، بل هو استقبال لاجئ واحد اسمه بشار الأسد.. والآن، مأساة اللجوء السوري تتفاقم، فيما تتعاظم فرص بقاء قاتلهم.
اقتل ثورة واغسل يديك من دمائها بداعش. هكذا يسلك كل جنرالات الانقلابات والثورات المضادة، يغسلون انقلاباتهم وجرائمهم ضد الإنسانية في بحيرة "داعش"، ويلبسونها أزياء الحرب على الإرهاب. لا يستطيع السوريون دفن شهداء القصف الروسي، والأسدي. لكن، هناك من يصمت، لأن محاربة تنظيم الدولة تتطلب تضحيات.. حتى في مصر، يُختطف الباحث الإيطالي جوليو في القاهرة، ثم تظهر جثته معذبة، مشوهة، فلا يتورّع نظام عبد الفتاح السيسي في نعيه، مستخدماً موسيقى داعش الجنائزية، بل إن روما نفسها تبدو مستعدة لابتلاع هذه الرواية التي تجري صياغتها الآن، داخل ورش السيناريو المصرية.
كلهم بوتين.. كلهم يحبون داعش، وإنْ تظاهروا بالحرب عليه.